عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

بعثات حفظ السلام الأممية.. هل تساعد فعلًا في تقصير أمد النزاعات؟

جنود تابعين لقوات
جنود تابعين لقوات اليونيفيل في لبنان

صحيح أن هناك حالات أخفقت فيها بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقد تم توثيقها جيدا، ولكن إذا تم النظر إلى الصورة العامة وتحليل البيانات، ستظهر صورة مختلفة وإيجابية في النهاية، وذلك بحسب تقرير نشره موقع أخبار الأمم المتحدة (باللغة العربية)، تعليقًا على صدور كتاب بالولايات المتحدة الامريكية يناقش هذا الموضوع.

 

تُظهر الأدلة، التي جُمعت في 16 دراسة وتمت مراجعتها، أن بعثات حفظ السلام، أو من يعرفون بأصحاب "القبعات الزرق"، يقللون بشكل كبير من الخسائر في صفوف المدنيين، ويقصرون أمد النزاعات، ويساعدون في تثبيت اتفاقات السلام.

 

بحسب التقرير، نجحت غالبية بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في تحقيق هدفها الأساسي، ألا وهو استقرار المجتمعات في نهاية المطاف وإنهاء الحرب.

 

من جانبها، أقرت به البروفيسورة ليز هوارد من جامعة جورج تاون الأمريكية في واشنطن العاصمة، في كتابها الأخير "القوة في حفظ السلام" الذي يستند إلى بحث ميداني مكثف قامت به في بعثات حفظ سلام مختلفة تابعة للأمم المتحدة، حيث قالت عن ذلك: "إذا نظرنا بشكل منهجي عبر السجلات – فإن عمليات حفظ السلام فعالة في معظم الأوقات".

 

نجاح كبير

تقول البروفيسورة هوارد في مقابلة مع قسم فيديو الأمم المتحدة: "إذا نظرنا إلى المهام المكتملة منذ نهاية الحرب الباردة، فإن حفظة السلام نجحوا في ثلثي الوقت في تنفيذ مهامهم ومن ثم مغادرة (البلاد)".

 

أضافت: "هذا لا يعني أنه في كل هذه الحالات، كان كل شيء على ما يرام. لكن هذا يعني أن هذه الدول لم تعد في حالة حرب".

 

وتابعت قائلة: "يقلل جنود حفظ السلام من احتمالية تكرار الحروب الأهلية. كما أنهم يساعدون في تحقيق اتفاقات السلام. عندما يكون هناك وعد (بنشر) جنود حفظ السلام، فمن المرجح أن نرى صمود واستمرار اتفاقات السلام".

 

إنقاذ ملايين الأرواح

قبل كل شيء، ينقذ حفظة السلام التابعون للأمم المتحدة الأرواح. إذ تؤكد البروفيسورة هوارد أن ملايين الأرواح تم إنقاذها منذ إنشاء عمليات حفظ السلام عام 1948.

 

كانت فكرة استخدام الجنود- ليس لخوض الحروب وإنما للمساعدة في صون السلام- قد نشأت خلال مفاوضات الشرق الأوسط في عام 1948، عندما كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي حديثة التأسيس في صراع مع جيرانها.

 

أحد المبدعين الرئيسيين وراء فكرة إنشاء عمليات حفظ السلام كان الدكتور رالف بنش، وهو دبلوماسي أمريكي كان حينها مسؤولًا كبيرًا في الأمم المتحدة.

 

هنا تقول الدكتورة هوارد: "تعد فكرة نشر قوات دولية بشكل غير متحيز إبداعا في تاريخ البشرية. يتم نشر القوات بموافقة الأطراف المتحاربة- أي يطلب المتحاربون بالفعل من حفظة السلام مساعدتهم في تنفيذ اتفاقات السلام".

تجدر الإشارة إلى أن الدكتور بنش حصد جائزة نوبل للسلام عام 1950، لمساهماته في التفاوض على هدنة بين مصر وإسرائيل عام 1948.

 

دراسة حالة ناميبيا

ناميبيا هي إحدى الحالات التي تناولتها البروفسورة هوارد. عام 1989، ساعدت بعثة حفظ السلام الأممية في إنهاء الحرب الأهلية هناك، ودعمت أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ البلاد. لم تكن هذه مهمة سهلة.

 

وتقول البروفيسورة هوارد: "ناميبيا دولة عانت من صعوبات هائلة. توالى على حكمها العديد من الحكام الاستعماريين. وقعت فيها إبادة جماعية. وكانت ضحية حرب إقليمية، وحرب أهلية. لكن من المدهش أن ناميبيا لم تقع ضحية لهذا التاريخ العسير".

 

وتعد ناميبيا اليوم دولة مستقرة ذات دخل أعلى من المتوسط، وتتمتع بنظام ديمقراطي فعال - وهو إنجاز استثنائي، بالنظر إلى تلك الخلفية التاريخية.

 

كانت بعثة الأمم المتحدة في ناميبيا مبتكرة في وقتها. أربعون في المائة من موظفيها كانوا من النساء. وتشير البروفيسورة هوارد إلى أن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تكون أكثر فعالية عندما لا تعتمد فقط على قوة السلاح.

 

قوة الإقناع

وفي هذا السياق توضح ليز هوارد أن "الشكل الرئيسي للسلطة التي مارستها البعثة كان الإقناع. كان جنود حفظ السلام هناك للمساعدة في إصلاح النظام السياسي. لم يصوت أحد في انتخابات من قبل، وكان حفظة السلام يساعدون في إعلام المواطنين بحقوقهم وما يعنيه انتخاب قادتهم".

 

في المهمات المعقدة في الحروب الأهلية، لا يكتفي حفظة السلام بمراقبة خطوط وقف إطلاق النار، بل يساعدون أيضا في إعادة بناء المؤسسات الأساسية للدولة.

 

يساعدون في تسريح القوات، وفي إصلاح الأنظمة القضائية والاقتصادية، بحيث عندما تنشأ الخلافات، لا يضطر الناس إلى اللجوء مرة أخرى إلى العنف لحلها.

 

مهمة رئيسية أخرى هي حماية أرواح المدنيين. فخلال الحرب الأهلية في جنوب السودان، فتح حفظة السلام التابعون للأمم المتحدة مجمعاتهم لمئات الآلاف، ووفروا ملاذا آمنا للمدنيين وسط أعمال عنف كثيفة.

 

العنف الجنسي

كانت هناك أوقات تسبب فيها حفظة السلام التابعون للأمم المتحدة في إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين – وهو النقيض تماما لمهمة حمايتهم. اقترفت أقلية صغيرة استغلالًا جنسيًا بحق مواطنين مستضعفين واعتدت عليهم.

 

وفي هذا الصدد، اتخذت الأمم المتحدة تدابير لمنع حفظة السلام من ارتكاب أعمال عنف جنسي، فأعيدت كتائب بأكملها إلى ديارها، ووضعت الآن آليات للتأكد من أن يشعر الضحايا بالأمان من أجل أن يبلغوا في حال تعرضوا للاعتداء والاستغلال الجنسيين من قبل قوات حفظ السلام.

 

كما جمعت الأمم المتحدة أيضا أكثر من 4 ملايين دولار أمريكي لدعم ضحايا الاعتداء والاستغلال الجنسيين في جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي وليبيريا. ويدعم الصندوق الاستئماني الدول الأعضاء لمساعدة الضحايا والأطفال المولودين نتيجة الاستغلال والانتهاك الجنسيين.

 

دراسة حالة لبنان

تعد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) مثالًا آخرًا على نجاح عمليات حفظ السلام باستخدام وسائل أخرى غير القوة العسكرية. وتقع البعثة الأممية في منطقة شديدة الاضطراب بالقرب من الحدود بين إسرائيل ولبنان.

 

وتشرح هاورد: "من جهة، هناك جيش الدفاع الإسرائيلي. من الجهة الأخرى، هناك حزب الله وجهات مسلحة أخرى".

 

تتمثل إحدى المهام الرئيسية لليونيفيل في المساعدة في صون السلام ونزع فتيل التوترات بين الجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني. لكن، كما تقول البروفيسورة هوارد، الشكل الأساسي للقوة التي يستخدمها حفظة السلام اليوم، هو التحفيز.

 

تتباع أيضًا: "يساعد حفظة السلام التابعون للأمم المتحدة في صون السلام، ليس لأن السكان يخشوْنهم، ولكنْ لأنهم يدركون ميزة وجود حفظة سلام أمميين من أجل تحفيز الناس على المضي قدما نحو السلام".

 

الدوريات الراجلة

كانت البروفيسورة هوارد قد راقبت عن كثب جنود حفظ السلام في لبنان خلال بحثها الميداني. وحول ذلك تقول: "في جنوب لبنان كثيرًا ما نرى حفظة السلام يقومون بدوريات على الأقدام، يتجولون في المجتمعات المحلية، يزورون الأسواق، يتحدثون إلى الناس، يتحدثون إلى أئمة المساجد، يتحدثون إلى القادة المحليين الآخرين، ينشئون عيادة طبية أو يقدمون خدمات طب الأسنان. وقد وفروا الكثير من فرص العمل في جنوب لبنان".

 

بعبارة أخرى، يوفر حفظة السلام الأمميون قناة للمحادثات ولتخفيف التوترات، كما يتعرفون على المجتمعات المحلية ويقدمون أيضًا الخدمات، ويظهرون مزايا السلام والاستقرار.