بالفيديو.. "جزيرة الدهب" محمية طبيعية منفية في أحضان النيل.. حياة خارج دستور الإنسانية.. والأهالي: "إحنا مش عايشين".. "بنموت من قلة المستشفيات".. و"المسؤلين بيعملونا زي المتسولين"
مصر تحمل بكل ركن بها قصة مختلفة عن الأخرى، فى كل تفصيلة فى شوارعها تجد حياة بأكملها ويمكنك أن تجد فى مساحة صغيرة، عالم كبيرة يصنع من حكياته قصص وروايات، في أحضان نهر النيل توجد "جزيرة الذهب " ولكن قصتها تختلف عن اسمها فهي ليست مليئة بالذهب ولا الكنوز، والعكس هو الصحيح، فهي مساحة فى وسط نهر النيل يعيش عليها الآلاف بدون أي خدمات، فهم على قيد الحياة ولكنهم يعانون ليحصلون على أبسط حقوق لهم.
كاميرا "العربية نيوز" إنتقلت لجزيرة الذهب لتبحث داخل هذا المكان المنفي، ومعرفة تفاصيل حياتهم المجهولة، ومعايشة حالتهم لمدة يوم كامل للشعور بصعوبة العيش فى حياة تنقص كل شئ تحتاجه الحياة الآدمية.
جزيرة ريفية بقرب الحضر
فعمر تلك الجزيرة يرجع إلى بداية الدولة العثمانية بمصر فكان هناك جزيرتان متوازيتان بينهما سيالة ماء تعرف الأولى باسم جزيرة "الصابونى" وأخرى تسمى "جزيرة الذهب"، ثم اندمج الجزيرتين لتصبح جزيرة واحدة وهى جزيرة الذهب،التى تقع الأن بنهر النيل بين القاهرة والجيزة، مساحتها حوالى 650 فدان،يقطن تلك الجزيرة 11000مصري، يعانون من الأمية بنسبة 90 بالمية، وطبيعة الريف تغلب عليهم برغم من قربهم من الحضر.
حياة خارج دستور الانسانية
سكان تلك البقعة الكائنة بنهر النيل، يعيشون حياة بالأسم فقط، على قيد الحياة نعم، لكنهم أيضًا في تعداد الأموات، فحياتهم يغيب عنها جميع الخدمات والمرافق التى يحتاجها "بنى أدم" ليعيشوا حياة كريمة ومستقرة، ليقدروا على الأنتاج والنهوض بمجتمعهم، وليشعروا بالأمان على حياتهم وحياة أولادهم.
جولة "العربية نيوز " بالجزيرة
بوصولنا إلى "ساقية مكى " المنطقة التى تبعد حوالى نصف ساعة عن مدخل "جزيرة الذهب"، علمنا أن لنستطيع الوصول لمدخل "الجزيرة " لا يوجد وسيلة سوى "التوك توك"، وبالفعل استقلينا تلك الوسيلة الغير آمنة، والتي حدث بسبب انتشارها مشاكل عديدة.
لنصل بعد ذلك لمدخل الجزيرة، الذي يفصلها عن الحياة الطبيعية التي يعتمدون سكان الجزيرة عليها في سد إحتياجاتهم للخدمات المعدومة بجزيرتهم، والذي كان عبارة عن مضيق ضيق جدًا لا يسع اثنين ليمروا به، ملئ بمياه المجاري، والطريقة الوحيدة للعبور هي التنقل على تلك الأحجار الصغيرة الغارقة بتلك المياه الناتجة عن عدم وجود صرف صحى بالمكان.
بعد مرورنا تلك المضيق وجدنا أنفسنا فى مكان أشبه بساحة انتظار يطل على النيل وعلى الجانب الأخر نرى أمامنا هدفنا وهو "جزيرة الذهب"، وللوصول لها انتظرنا أن تأتى وسيلة الانتقال الخاصة بسكان المنطقة وهى المركب الوحيدة المتواجدة لتنقلهم من الجزيرة الى العالم الخارجى.
بعد أن استقلينا المركب، وبعد اجتياز أسئلة "عم حسين"، صاحب المركب حول هدفنا من زيارة الجزيرة، وبعد حدوث مشادة كلامية معه لرفضه دخولنا للجزيرة والتصوير بها، تمكنا من الوصول لها، لننبهر من جمال طبيعة تلك المحمية الطبيعية، جمال الخضرة مع منظر نهر النيل كان وكأنك تسير داخل لوحة فنية عالمية،ولكن الجواب يحمل فى فحواه شيئا آخر، ففي أحضان تلك الطبيعة يعيش آلاف من المواطنين، بدون مستشفيات، أو مدارس، أو صرف صحي، أو أمن، بدون محلات يشترون منها طعامهم، وكأنهم منفيين عن عالمنا لا يعلم عنهم أحد شيئا سوى اسم الجزيرة، ولا تمدهم أيدى المسئولين أى من الخدمات بحجة أن هذا المكان محمية طبيعية.
أهل الجزيرة
وقالت "أم ابراهيم" لـ"العربية نيوز" إن كثير من وسائل الإعلام زارتهم ووعدتهم وعود كثيرة، وأنهم سيقوموا بمدهم بالخدمات الذين يتحاجون اليها ولكنهم يجدوا أن نهاية الأمر نقل تلك وسائل الإعلام صورتهم كمتسولين، وأن أولادهم "أولاد شوارع" وبنبرة مليئة باليأس قالت "إحنا مش عايشين..وانتوا مش هتعملوا لنا حاجة "
ثم التقينا "أم تيتو"، التى تسكن بالجزيرة منذ سنة تقريبا، لتؤكد لنا أن الخدمات التى يحتاجها المواطنين للعيش معدومة، وجميع احتياجتهم سواء ان كانت علاج أو تعليم او شراء مستلزماتهم، لم يستطيعوا الوصول لها الا بعد رحلة تستغرق على الأقل ساعة قائلة " يعني لو واحدة بتولد ممكن منلحقش نوصلها المستشفى "
وفى نفس السياق الملئ بالأسى على الحياة الغير إنسانية أكد لنا الحاج صلاح الذي يسكن بالجزيرة منذ 30 عام أن الجزيرة منسية من قبل الجميع، وأنهم يعانون فى الحصول على أي خدمات التى تعتبر حق لهم من الأساس قائلا "ساعات الناس بتموت مننا.. واحنا بننقلها فى المركب عشان نوديها المستشفى"، وأكد أن الجزيرة لا يوجد بها أي نوع من التواجد الأمنى، وأنهم هم من يقوموا بحماية أنفسهم وحل مشاكلهم وأنهم يقفون بجانب بعض بيد واحد فى أي مشكلة تحتاج للتدخل الأمني.