الشعراوي..إمام الدعاة ..المجدد ..صاحب التفسير الذي نقل للبسطاء أسرار كتاب الله
تجمعت حوله القلوب، وأحاطته بمشاعر الحب والتقدير، فتراهم يرقبون ظهوره على شاشات التلفاز، ينتظرون تفسيره لآيات الذكر الحكيم، ويتفكرون فيما خلق الله.
محمد متولي الشعراوي عالم دين ووزير أوقاف مصري أسبق، من أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في العصر الحديث، حيث عمل على تفسير القرآن بطرق مبسطة وعامية، ما جعله يستطع الوصول لشريحة أكبر من المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي، حتى إن البعض لقبه بإمام الدعاة، كما يعد مدرسة عصرية في تفسير القرآن وتبسيط الإسلام لجمهور المسلمين، وقدم جهودًا كبيرة في مجال الدعوة والفكر الإسلامي المعاصر ردًا على الشبهات التي أثارها المستشرقون حول القرآن الكريم والشريعة.
مولدة ونشأته:-
ولد الشعراوي في 1911 بقرية دقادوس محافظة الدقهلية بمصر، وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره، وفي عام 1926 التحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، وظهر نبوغه منذ الصغر في حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1932م، ودخل المعهد الثانوي، وزاد اهتمامه بالشعر والأدب، وحظي بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق.
نقطة التحول في حياة الشعراوي كانت عندما أراد والده إلحاقه بالأزهر، وكان هو يود أن يبقى مع إخوته لزراعة الأرض، ومع إصرار والده دفعه إلى القاهرة ودفع المصروفات وجهز المكان للسكن، فما كان منه إلا أن اشترط على والده أن يشتري له كميات من أمهات الكتب في التراث واللغة وعلوم القرآن والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف، كنوع من التعجيز، حتى يرضى والده بمقامه في القرية.
لكن والده فطن إلى هذه الحيلة، واشترى له كل ما طلب قائلا له: "أنا أعلم يا بني أن جميع هذه الكتب ليست مقررة عليك، ولكني آثرت شراءها لتزويدك بها كي تنهل من العلم، فأطاع والده وتحدى رغبته في العودة إلى القرية، فأخذ يغترف من العلم ويلتهم منه كل ما تقع عليه عيناه".
في صفوف الحركة الوطنية:
التحق الشعراوي بكلية اللغة العربية سنة 1937، وانشغل بالحركة الوطنية والحركة الأزهرية، وكانت ثورة 1919 قد اندلعت من الأزهر الشريف، ومنه خرجت المنشورات التي تعبر عن سخط المصريين على الإنجليز المحتلين. ولم يكن معهد الزقازيق بعيدًا عن قلعة الأزهر الشامخة في القاهرة، فكان الشعراوي يزحف هو وزملاؤه إلى ساحات الأزهر وأروقته ويلقي بالخطب؛ ما عرضه للاعتقال أكثر من مرة، وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الطلبة سنة 1934م.
تخرج الشعراوي في كلية اللغة العربية عام 1940، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943. وبعد تخرجه عين في المعهد الديني بطنطا، ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني بالزقازيق، ثم المعهد الديني بالإسكندرية، وبعد فترة خبرة طويلة انتقل الشعراوي إلى العمل في المملكة العربية السعودية عام 1950، ليعمل أستاذًا للشريعة بجامعة أم القرى.
بين التدريس والوزارة:
لقد تخصص الشعراوي أصلا في اللغة العربية، لكنه اضطر لأن يدرس مادة العقائد، وكان هذا يشكل صعوبة كبيرة عليه، إلا أن الشعراوي استطاع أن يثبت تفوقه في تدريس هذه المادة بدرجة كبيرة لاقت استحسان وتقدير الجميع.
وفي عام 1963، حدث خلاف بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك سعود، وعلى إثر ذلك منع عبد الناصر الشعراوي من العودة ثانية إلى السعودية، وعُين في القاهرة مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشيخ حسن مأمون. ثم سافر الشعراوي بعد ذلك إلى الجزائر رئيسًا لبعثة الأزهر هناك، ومكث بالجزائر حوالي سبع سنوات قضاها في التدريس، وأثناء وجوده في الجزائر حدثت نكسة يونيو 1967، وتألم الشعراوي كثيرا لها. وحين عاد إلى القاهرة عُين مديرا لأوقاف محافظة الغربية زمنًا، ثم وكيلا للدعوة والفكر، ثم وكيلا للأزهر، ثم عاد ثانية إلى المملكة العربية السعودية، حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز، وبعد ذلك أسند ممدوح سالم إلى الشيخ الشعراوي وزارة الأوقاف وشئون الأزهر في الفترة من 1976 إلى 1978.
ترك الشعراوي بصماته أثناء توليه حقيبة الأوقاف؛ فهو أول من أصدر قرارًا وزاريًا بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر وهو "بنك فيصل الإسلامي المصري" حيث إن هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية ووافقه على ذلك مجلس الشعب حينها. وفي سنة 1987 اختير الشعراوي عضوًا بمجمع اللغة العربية "مجمع الخالدين".
الحضور الدعوي والإعلامي:
كانت الإطلالة الأولى للشيخ الشعراوي على المستوى العام في التلفزيون في برنامج (نور على نور) للأستاذ أحمد فراج، وكانت الحلقة الأولى التي قدمها عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورغم أن هذا الموضوع قديم كتب فيه الكاتبون وتحدث فيه المتحدثون، فإن الناس أحسوا أنهم أمام فكر جديد وعرض جديد ومذاق جديد.
أوقف الشيخ حياته على تفسير القرآن، ولأنه أستاذ للغة أساسًا فقد كان اقترابه اللغوي من التفسير آية من آيات الله، وبدا هذا التفسير للناس جديدًا تمامًا رغم قدمه، ورغم أن تفسير القرآن قضية تعرض لها آلاف العلماء على امتداد القرون والدهور، لكن تفسير الشعراوي بدا، وكانت موهبته في الشرح وبيان المعاني قادرة على نقل أعمق الأفكار بأبسط الكلمات، واستطاع أن يقدم تفسيرًا يخاطب جمهورًا متعدد المواهب والمستويات الفكرية.
منهجه في تفسير القرآن:
بدأ الشيخ محمد متولي الشعراوي تفسيره على شاشات التلفاز بمقدمة حول التفسير ثم شرع في تفسير سورة الفاتحة وانتهى عند أواخر سورة الممتحنة وأوائل سورة الصف وحالت وفاته دون أن يفسر القرآن الكريم كاملا.
الشعراوي شاعرًا:
عشق الشعراوي اللغة العربية، وعرف ببلاغة كلماته مع بساطة في الأسلوب، وجمال في التعبير، وكان له باع طويل مع الشعر، فكان يجيد التعبير بالشعر في المواقف المختلفة، وخاصة في التعبير عن آمال الأمة أيام شبابه عندما كان يشارك في العمل الوطني بالكلمات القوية المعبرة، وكان يستخدم الشعر أيضا في تفسير القرآن الكريم وتوضيح معاني الآيات، وعندما يتذكر الشيخ الشعر كان يقول (عرفوني شاعرا).
مؤلفاته:
للشيخ الشعراوي عدد من المؤلفات قام عدد من محبيه بجمعها وإعدادها للنشر، وأشهر هذه المؤلفات وأعظمها هو تفسير الشعراوي للقرآن الكريم، ومن هذه المؤلفات:
- الإسراء والمعراج.
- أسرار بسم الله الرحمن الرحيم.
- الإسلام والفكر المعاصر.
- الإسلام والمرأة عقيدة ومنهج.
- لبيك اللهم لبيك.
- 100 سؤال وجواب في الفقه الإسلامي.
- المرأة كما أرادها الله.
- معجزة القرآن.
- نظرات في القرآن.
- على مائدة الفكر الإسلامي.
- القضاء والقدر.
- هذا هو الإسلام.
- المنتخب في تفسير القرآن الكريم.
قالوا عن الشيخ:
فالأستاذ أحمد بهجت، يصف الشيخ الشعراوي، بأنه "كان واحدًا من أعظم الدعاة إلى الإسلام في العصر الذي نعيش فيه.. والمَلَكة غير العادية التي جعلته يُطلع جمهوره على أسرار جديدة وكثيرة في القرآن. وكان ثمرة لثقافته البلاغيه التي جعلته يدرك من أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما لم يدركه الكثيرون. وكان له حضور في أسلوب الدعوة، يُشرك فيه جمهوره، ويوقظ فيه ملكات التلقي".
أما الدكتور محمد عمارة فيقول: "الشعراوي قدَّم لدينه ولأمته الإسلامية والإنسانية كلها أعمالًا طيبة، تجعله قدوة لغيره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة".
وقال الشيخ سيد طنطاوي: "كان له أثر كبير في نشر الوعي الإسلامي الصحيح، وبصمات واضحة في تفسير القرآن بأسلوب فريد، جذب إليه الناس من مختلف المستويات الثقافية".
وقال الشيخ القرضاوي: "لا شك أن وفاة الإمام الراحل -طيب الذكر- الشعراوي تمثل خسارة فادحة للفكر الإسلامي، والدعوة الإسلامية، والعالم الإسلامي بأسره. فقد كان رحمه الله رمزًا عظيمًا من رموز ذلك كله، وخاصة في معرفته الشاملة للإسلام، وعلمه المتعمق، وصفاء روحه، وشفافية نفسه، واعتباره قدوة تحتذى في مجال العلم والفكر والدعوة الإسلامية".
رحلته الأخيرة:
بعد جهاد كبير في مجال التفسير، والدعوة إلى الله، فارق الدنيا فى17من يونيو 1998 وقد تركت وفاته أثرًا عميقًا في نفوس المسلمين كافة، وصدى كبيرًا في أقطار الإسلام عامَّة، وخسرت الأمة بوفاته عَلَمًا من أعلامها، وداعية من دعاتها.