"شاهندة مقلد" محاربة الإقطاع.. ورمز النضال الحقوقي
بعد صراع طويل مع المرض، رحلت الكاتبة المصرية شاهندة مقلد، صباح أول أمس الأربعاء، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، عن عمر يناهز 78 سنة.
أوقفت الكاتبة المصرية حياتها كلها على الفلاحين ودافعت عن حقوقهم، وتعرضت للاعتقال والسجن والنفي داخل مصر، واضطرت إلى الاختفاء والعمل السري، على الرغم من أنها تنتمي إلى الطبقة الوسطى الميسورة ماديًا.
بدايتها:
ولدت "مقلد" في قرية كمشيش محافظة المنوفية، واجتازت مشوارًا طويلاً بدأته من قريتها التى كانت تحت نير الإقطاع وكفاحها مع زوجها صلاح حسين ثم استكملت حياتها بمفردها منذ عام 1996 عندما قام الإقطاع باغتيال زوجها، ليصبح اسمه منيرًا في قائمة شهداء كمشيش.
ارتمت "شاهندة" في أحضان الكتب ذات الطابع الاشتراكي والماركسي منذ صغرها، فحدث التحول الفكري الأول لها، بالرغم من أنها لم تكمل دراستها فكانت حاصلة على الشهادة الإعدادية فقط، وتمكنت من إحداث تغيير في مجتمعنا من حيث الفكر.
الحرب على الإقطاع:
خاضت شاهندة وزوجها صراعًا مريرًا مع بقايا الإقطاع في مصر، والذي لم تقض عليه إصلاحات الرئيس جمال عبد الناصر وتوزيع الأراضي على الفلاحين المحرومين من ملكية الأرض.
وقفت شاهندة مقلد إلى جانب هذه الإصلاحات وسياسة عبد الناصر عمومًا، وركزت في صراعها مع الإقطاع على أسرة صلاح الفقي، الذي يشترك اسمه مع اسم زوجها ورفيقها صلاح حسين.
وتطوّرت المواجهة بين أنصار الفلاحين والإقطاعيين، حيث انتهت بمقتل صلاح حسين في عام 1966، فتوعدت بمواصلة نضال زوجها من أجل الفلاحين.
وبعد رحيل زوجها، كتب عليها أن تخوض الصراع بمفردها وتربي أبناءها الثلاثة في الوقت نفسه، بإمكانيات مالية بسيطة وفي ظل ظروف صعبة وسلطة جائرة كانت غالبًا ما تخضعها إلى الإقامة الجبرية أو السجن فى بعض الأحيان، لاسيما في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
حب أهالي قريتها:
كانت مقلد امرأة شجاعة لها العديد من المواقف التي تدل على ذلك، فحينما كان على موكب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن يمر بقرية كمشيش، استغلت شاهندة مقلد الفرصة لتبوح للرئيس الراحل عن معاناة الفلاحين القاطنين بالقرية، وعندما توقفت سيارة عبد الناصر عند الجسر هتفت به شاهندة مقلد "نريد أن نتحدث إليك يا عبد الناصر"، فانتفض عبد الناصر من مقعده، وبعدما اقتربت شاهندة من سيارته المكشوفة رأت غيفارا يجلس إلى جانبه وصافحت شاهندة عبد الناصر وضيفه وسلمت رسالة الفلاحين إلى الرئيس ثم خاطبت غيفارا بالقول: "نحن فلاحو قرية كمشيش، وهم سكّان "القرية الثورية"، فأطلق الفلاحون عاصفة من الهتافات والتصفيق لها.
معاناتها:
اتخذت حياة مقلد منحى أكثر مأساوية من ذي قبل، بعد استشهاد شقيقها في حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل عام 1970، ومقتل ابنها الأصغر في ظروف غامضة بالعاصمة الروسية "موسكو"، حيث كان يقيم هناك.
سلسلة من الإخفاقات السياسية والنكبات الشخصية مرت بها هذه الشخصية القوية على مدار حياتها، فتركت آثارها العميقة على نفسيتها، ومع ذلك أصرت على مواصلة حياتها في مقارعة الظلم الاجتماعي والاستغلال الاقتصادي للمرأة المصرية والعربية عمومًا.
وكانت من أقوالها فى ثورة 25 يناير: "الثورة ليست إلا بداية جديدة في طريق لن ينتهي" وكانت هذه المقولة تعبر عن تجربتها السياسية التي تمتد إلى خمسة عقود وعن قناعتها بأن هذه الثورة ستولد الرجل أو المرأة المناسبة التي يختارها الشعب لقيادة مصر الحرة والمتحررة، وظلت تناضل في سبيل تحقيق ذلك إلى اللحظة الأخيرة في حياتها.