صفحات مضيئة من حياة الكاتب والمخرج المسرحى محمد عبدالعزيز " سيرة عطاء ووفاء"
سيرة عطاء ووفاء فى ضوء كتاب الدكتورة "سعدية العادلى"
صفحات مضيئة من حياة الكاتب والمخرج المسرحى محمد عبدالعزيز
بقلم الدكتور عوض الغبارى
فى كل عمل إبداعى ونقدى تقدم الدكتور "سعدية العادلى" قيما تربوية وفنية متماهية مع شخصيتها الإنسانية محبة للخير والعطاء فى صدق وإخلاص.
وبرز عطاؤها فى مجال أدب الطفل فقدمت قصصا ومسرحيات شكَّلت مكتبة متميزة لصياغة المستقبل ماثلا فى المسار المأمول لتنشئة الطفل على القيم المصرية العربية الإسلامية الأصيلة . كما قدمت "سعدية العادلى" مسرحيات ومجموعات قصصية وروايات وأشعارا جمعت فيها بين وهج الفن وأصالة الهدف وفق تخطيط عقلى ممنهج لرسالتها الأدبية تجمع عناصر العقل والفكر والفن والشعور. وتجلى هذا المنهج فى رسائلها الأدبية . واختارت ""سعدية العادلى" من النساء العربيات المبدعات ما اتسق مع نسقها الإبداعى والفكرى فى عمل موسوعى ضخم يعد مشروعا متفردا فى هذا المجال بذلت فيه، ولا تزال، كل ما وسعه جهدها النبيل الخالص لوجه الله.
عالجت فى رحلتها الأدبية الفكرية النقدية قضايا المجتمع سعيا إلى تحقيق واقع يسوده الحب والوئام والسلام فى إطار من حب الله والوطن.
وتضرب "سعدية العالى" أروع مثال للوفاء والعطاء والبذل والتضحية بتقديمها لهذا الكتاب الضخم فى عدد صفحاته التى تبلغ قريبا من الخمسمائة صفحة، القيِّم فى شكله ومضمونه وهدفه الفكرى والنقدى والإبداعى . وقد صاغته بأسلوب عذب رصين شأن كتاباتها جميعا، وهو كتاب بعنوان: "صفحات مضيئة من حياة الكاتب والمخرج المسرحى محمد عبد العزيز" ، وقد بذلت فى تـأليفه جهدا كبيرا سلطت به الضوء على شخصية المخرج الكبير "محمد عبد العزيز" ، وقدمت إلى القارئ تراثه الفنى المجهول .
وقد "تماهت" "سعدية العدلى" مع شخصية الكتاب الذى أهدته إلى روح الفنان الإنسان "محمد عبد العزيز"، وإلى كل أصحاب القيم الباحثين فى أدب الطفل. فقد عاش هذا الفنان عاشقا للفن محبا للعطاء، مؤسسا لأدب الطفل باستشفافه لروح الحياة التى تجلت فى قصصه للأطفال وفى سبقه لسينما الطفل وفى وفائه للصدق والإخلاص والعطاء فى أعماله الفنية. وهذه القيم الفنية الإنسانية النبيلة، والاهتمام بأدب الطفل وبقضايا الأدب والفن والحياة هى ذاتها التى تنطلق منها "سعدية العادلى" فى أعمالها المختلفة.
وقد رأت أن منجزات "محمد عبد العزيز" الفنية "تأريخ لحياته، وحياة شعب مصر الريف بجوه الرائق المستقر، وصلابة أهله كأشجاره المعمرة"
وقد تعمقت "سعدية العادلى" البحث فى وثائق الفنان "محمد عبد العزيز" وعايشته محبا لمصر، دارسا للمسرح العالمى، مخرجا مسرحيا متميزا، مجايلا للشخصيات العظيمة فى الفن والأدب، إنسانا يملك قلبا نابضا بالخير والعطاء.
وتتبعت سيرة حياته وقد ولد سنة 1925، فى قرية بمحافظة البحيرة فى أسرة عريقة، وطبيعة ريفية جميلة داعية للتأمل فى جمال الطبيعة المصرية بأشجارها وثمارها ومائها وطيرها وحيوانها، مما أثَّر فى فكر "محمد عبد العزيز" وأثرى وجدانه وموهبته فى طفولته. تخرج "محمد عبد العزيز" من معهد الفنون المسرحية، وعمل بوزارة الثقافة، وامتهن الكتابة والإخراج المسرحى، ودرس الإخراج العالمى فى بعثتة إلى لندن وباريس
وينثال أسلوب "سعدية العادلى" رقراقا صافيا سلسا فى وصفها للريف المصرى، وأصالة أخلاقياته، وقد عايشتها مثل شخصية الكتاب .
وتسرد "سعدية العادلى" مواقف الحياة فى سيرة محمد عبد العزيز، وتفيد من كونها قاصة فى إبداع هذا الجانب من سيرته الذاتية محبا لأسرته ودودا كريما، مثقفا واعيا. لقد عاشت إنسانيته ذكرى تتلألأ فى سماء العمر على حد التعبير الجميل لسعدية العادلى.
كان محمد عبد العزيز صديقا للفنانين الكبار، وأخرج مسرحيات أهمها "الطعام لكل فم" لتوفيق الحكيم. وتخصص "سعدية العادلى" جانبا مهما من كتابها لنصوص القصص فى إبداع "محمد عبد العزيز" وثيقة تاريخية لتراثه الفنى العظيم.
ومثال هذه القصص "قصة شجرة" وقصص أخرى للأطفال، مزدانة بالصور، حافلة بالمعانى الإنسانية الجميلة الهادفة إلى غرس قيمها فى نفوس الأطفال، وقد نال جائزة الدولة التشجيعية عن قصة شجرة
كما كتب "محمد عبد العزيز" قصصا عن النمل والكلاب والعصافير، والحمام، والقطط، والحيوان كالجاموسة والخروف والجمل، والحصان، وغير ذلك مما تأمله فى طفولته، واستقر فى ذاكرته.
كما أثبتت "سعدية العادلى" نصوصا قصصية أخرى لمحمد عبد العزيز منها قصة فيلم بالألوان للأطفال.
وقصص "محمد عبد العزيز" ممتعة، وهى وإن كانت – فى أغلبها- مؤثرة فى الطفل، فإنها مؤثرة فى الكبار أيضا.
ولمحمد عبد العزيز قصة طويلة جدا عن "مبروكة" وهى قطة غاص من خلالها فى العالم الخاص بالقططط ومحبيها، وتعد قصصه غذاء للروح والعقل والوجدان والمتعة والفائدة.
ولا شك أن الفضل الكبير يعود للدكتورة "سعدية العادلى" التى وفقها الله لتوثيق هذا التراث القصصى النادر للكاتب الفنان الكبير "محمد عبدالعزيز"
وتوثِّق "سعدية العادلى" نص قصة قديمة لمحمد عبد العزيز منشورة فى جريدة الجمهورية بعنوان "عودة" فى آخر الجزء الكبير الخاص بالقصة.
ثم تثبت المقالات الخاصة بمسرح الطفل الذى ترى أنه "أقوى معلم للأخلاق، وخير دافع إلى السلوك الطيب". وهو وعاء مناسب للطفل فى مرحلة البراءة والخيال. ويبث مسرح الطفل قيم المجتمع ومبادئه فى حياة الطفل النفسية والاجتماعية والإنسانية.
وسعدية العادلى هى فارسة هذا المجال على مستوى التنظير والإبداع، كما تجلى فى مقدمتها عن مسرح الطفل فى هذا الكتاب ، وغيره من كتبها المرجعية فى أدب الطفل. وقد استعرضت مسرح الطفل عند "محمد عبد العزيز" مثل مسرحية "الراعى وأميرة البحر"، حيث تقرر أن الخيال هو نبع الإبداع، وإطلاق الطاقات الكامنة عند الأطفال.
ومحمد عبد العزيز هو رائد مسرح الطفل، وقائده، وتوثَّق "سعدية العادلى" جهوده فى هذا المجال من خلال ما نُشر عنه وما كتبه فى الصحف والمجلات المصرية، مستعرضة أدواته اللغوية والإيقاعية والتشكيلية
كما تثبت نص مسرحية له بعنوان : "على الحطاب"، والتناول النقدى لها فى قالبها القصصى الشعبى وقيمه الإنسانية البسيطة الجميلة. وأثبتت "سعدية العادلى" نص مقال عن مسرحية أخرى للأطفال من تأليف "محمد عبد العزيز" بعنوان: "الأسد والأرنب"، غنية بالدراما مفادها أن الخيانة لا تفيد وأن تضامن المجتمع خير وسيلة للحياة
وتقدم "سعدية العادلى" لفيلم "الراعى وأميرة البحر" تأليف وسيناريو وحوار "محمد عبد العزيز" الذى يهدف إلى عرض قيم الحب والوفاء عند الأطفال
وتوثق "سعدية العادلى" بدقة وجدية وبحث دءوب ما كًتب عن "محمد عبد العزيز" من إشادات نقدية لكبار النقاد وعن تجديده فى قصصه ومسرحياته وإخلاصه فى إخراجه لها فى ميدان أدب الطفل، وريادته لهذا المجال، وتضافر مؤسسات الدولة على تنفيذها، تقديرا لأهميتها ودورها غير المسبوق فى تنمية الوعى الجمالى والتربوى للصغار والكبار على حد سواء.
كان "محمد عبد العزيز" مبدعا مُلهما قدم أنجح أدب الأطفال أسلوبا وشكلا وموضوعا على حد مقال أحد النقاد.
وخلال الكتاب تقدم "سعدية العادلى" رؤيتها لواقع أدب الطفل، وضرورة النهوض به عبر مشروع لها استولى عليه غيرها ، ولم ينجز شيئا.
كذلك تعثرت الجهود الرائدة لمحمد عبد العزيز فى مشروعه الطموح لتطوير مسرح الطفل نتيجة المعوقات التى اعترضته.
وتورد "سعدية العادلى" جانبا من المذكرات التى كتبها "محمد عبد العزيز" عن رحلته الفنية، وبعض الأحداث المتعلقة بها، ساردا تجاربه مع أبرز الفنانين الذين مثلوا مسرحياته.
وتجوب بنا "سعدية العادلى" فى جنبات الصحافة والمجلات والمقالات النقدية التى تتناول قضايا المسرح، وأهم المسرحيات، وتقنياتها وأعلام ممثليها من خلال كبار النقاد، خاصة ما يتعلق بدور "محمد عبد العزيز" فى إثرائها مؤلفا ومخرجا وممثلا على أهم المسارح المصرية التاريخية.
وتعد الوثائق التى قدمتها "سعدية العادلى" فى هذا الكتاب أرشيفا نادرا لحركة المسرح وقضاياه وتاريخه وأدب الطفل من خلال شخصية "محمد عبد العزيز" يندر أن نجدها فى كتاب جامع مثل هذا الكتاب.
وأخص بذلك مسودات لقصص رائعة للطفل لمحمد عبد العزيز لم تُنشر ونشرتها "سعدية العادلى" فى هذا الكتاب مختتمة له بمجموعة من الصور النادرة التى تتعلق به.
لقد أبحرت "سعدية العادلى" فى أعماق بحار التراث الفنى لمحمد عبد العزيز، وغاصت على درره لتقدم لنا هذا الكتاب الفريد الذى نشكرها عليه ، وقد بذلت مجهودا كبيرا رغم ظروفها الصحية غير المواتية .
لكنها القيم الجميلة للوفاء والعطاء فى شخصية الدكتورة " سعدية العادلى " العظيمة التى تستحق كل تحية و احترام وتقدير ، ونهنئها على هذا الكتاب القيم الذى قدمت فيه إسهاما جديدا للمكتبة العربية .