مفتى الجمهورية: الصحابة اجتهدوا فى عصر الرسول ولم يعترض
ألقى الدكتور شوقى علام -مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم- محاضرةً، اليوم السبت بأكاديمية الأوقاف فى الدورة المشتركة للأئمة والواعظات من السودان الشقيق مع زملائهم المصريين وذلك ضمن البرنامج التدريبى لأكاديمية الأوقاف المصرية وذلك تحت عنوان "الفتوى والاستقرار".
وتناول المفتى مفهوم الإفتاء باعتباره علمًا له علماء متخصصون، وله مراجعه وآدابه؛ ومن ثم فإن هذا يقطع الطريق أمام محاولات الدخلاء لإحداث الفوضى، كما أكد على أن دار الإفتاء المصرية هى حلقة من حلقات تكوين العقل الإفتائى والتأهيل العلمى، وحلقة من تكوين العقل الاجتهادي؛ حيث تهتم بتدريب الباحثين الشرعيين الذين استفادوا من المنهجية الأزهرية تدريبًا قد يستغرق سنوات ليستطيع الباحث أن يُصدر حكمًا شرعيًّا متفقًا مع مقصود الشارع، ومتفقًا مع الواقع المَعيش فيه، ورابطًا بين الواقع المعاصر وبين دلالات النصوص الشرعية والأدلة.
كما شرح مفتى الجمهورية شروط وآداب عملية الإفتاء، موضحًا أنها تتكون من 3 أركان أساسية، وهي: المفتى والفتوى والمستفتى، وأنه لكل ركن من هذه الأركان عدة شروط وآداب، فالفتوى صنعة لها منهجية علمية وإطار محدد كما أشار إليه المالكية فى كتبهم، قائلًا: عندما نعمِّق النظر فى مكونات الفتوى نجد أنها تتكون من جملة من العناصر المتكاملة التى جاءت الفتوى لتجيب عنها، ويمكن حصرها فى 4 أسئلة، وهذه الأسئلة هي: هل؟ بمعنى: هل ثبت فى هذه المسألة نص شرعي؛ ويلزم منه التثبت الذى هو من الأسس المنهجية لدى العلماء المسلمين على كافة العصور.
أما السؤال الثانى فهو: ماذا؟ وتعني: ما المراد من هذا النص؟ والسؤال الثالث هو: لماذا؟ وتتعلق بمسألة التعليل؛ أى لماذا شرع الله سبحانه وتعالى عبادة معينة أو حكمًا معينًا، ويبدأ العقل فى التفاعل، وصولًا إلى مقصود الشريعة الإسلامية من ذلك، وأن الأوامر الشرعية إنما جاءت من أجل تحقيق مصالح الخلق، والنواهى جاءت لدفع الضرر والمفاسد عن الناس.
والسؤال الرابع هو: كيف؟ ونعنى به: كيفية إنزال الحكم على الواقع، وهذا يحتاج إلى تدريب وتأهيل للمفتى للنزول بالحكم الشرعى على أرض الواقع بعد إدراك المتغيرات والمآلات.
وفى سياق متصل تطرق المفتى إلى الحديث عن المذاهب الإسلامية، وكيف كانت عبر التاريخ الاسلامى طريقًا للاستقرار النفسى والاجتماعى، حيث استثمرت التجربةُ المصرية المذاهب الإسلامية لتحقيق هذا الاستقرار، مشيرًا إلى أن المذاهب نشأت على أيدى أئمة عظام لا يُختلف على علمهم أو تمكُّنهم من أدوات النظر والاستدلال والاستنباط، وقد قيَّض الله تعالى لهؤلاء الأئمة التلاميذ النجباء المخلصين الذين شاركوا أئمتهم فى إقامة بنيان هذه المذاهب ونشرها فى مختلف الأقطار والأرجاء، واستمرت هذه المذاهب حتى يومنا هذا تحفظ على الناس دينهم، وتحفظ علم الفقه حيًّا نابضًا متفاعلًا مع مستجدات العصر".
وأوضح المفتى أن الصحابة -رضوان الله عليهم- تلقَّوا أحكام الشرع الشريف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا يفهمون مراده ويطمئنون إلى ما يفعلون لقربهم منه -صلى الله عليه وسلم- ولوجود القرائن والأمارات الدالة على تحديد المراد من أقواله وأفعاله، بل اجتهدوا فى عصره وفى حضرته، ولم يعترض على اجتهادهم، بل شجَّعهم ودرَّبهم كما فعل عليه السلام مع اجتهاد سيدنا معاذ عندما أرسله إلى اليمن، وكذلك فعل مع اجتهاد سيدنا عمار فى التيمم.
وأضاف أن منهجية دار الإفتاء المصرية فى إصدار الفتاوى هى منهجية علمية موروثة، وعندما يرد سؤال إلى دار الإفتاء فلدى علمائها منهجية وخبرات متراكمة، مشيرًا إلى أن الدار تلجأ أحيانًا إلى المتخصصين فى العلوم المختلفة، مثل الطب والاقتصاد والسياسة وغيرها، قبل أن تصدر فتوى فى أمر يتعلق بهذا التخصص؛ لاستجلاء الأمر والإلمام بكافة تفاصيله.
وأعلن المفتى أن دار الإفتاء أصدرت موسوعة "المعلمة المصرية فى العلوم الإفتائية"، وهى موسوعة كاشفة عن واقع مصرى وخبرة إفتائية طويلة، كما تجمع هذه المعلمة مبادئ العملية الإفتائية وأركانها، وتدعم التطبيق الأمثل للإفتاء على المستوى المهارى والمؤسسى.