لماذا تريد أمريكا بصمات فلسطينية على ضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية؟
لماذا لم تقم إسرائيل بضم أراضي من الضفة الغربية أول شهر يوليو الجاري كما كان معلنًا؟
حينما بدأت إسرائيل بضم أراضي من هضبة الجولان السورية فإنها لم تهتم بأن هذا الضم مخالف لقرارات الشرعية الدولية.
المعيار بالنسبة لإسرائيل لم يكن في حالة الجولان ولا في الحالات السابقة لها القانون الدولي ولا الشرعية الدولية، ولا الانتقادات الدبلوماسية، ولا أي غضب عربي.
المهم بالنسبة لإسرائيل ــ في حالة الجولان الأخيرة ــ هو الموقع الاستراتيجي الذي يحققه ضم الجولان لتأمين إسرائيل أمنيًا.
إذًا أمن إسرائيل هو المعيار، وهذا أولًا.
ثانيًا هو موافقة الولايات المتحدة أيضًا معيار.
المعيار الأمريكي ينطبق على ضم أراضي الجولان، وعلى موضوع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية.
ما يحدث اليوم هو نفس الشيء.. مصلحة إسرائيل، وبالتالي يكون السؤال المنطقي المبني على هذا الافتراض: هل ضم أراضي من الضفة الغربية يمثل مصلحة لإسرائيل؟.
وفق التاريخ الإسرائيلي والمفاهيم الإسرائيلية نعم. الضفة الغربية بالنسبة لإسرائيل ليست مجرد أراضي احتلت عام 1967 كما تقول قرارات الشرعية الدولية، بالنسبة لقادة دولة إسرائيل هي جزء من إسرائيل التوراتية، جزء من تاريخ إسرائيل، وجزء من مملكة إسرائيل.
يعني ذلك أن حلم قادة إسرائيل هو أن يعيدوا بناء إسرائيل التوراتية واستعادة يهودا والسامرة كما يطلقون على الضفة الغربية، وبهذا يكون حلم القادة حلم قومي لكل إسرائيل، وربما لكل يهودي.
ثمة أمر آخر وهو السيطرة على غور الأردن، وما يشير إليه من السيطرة على حدود طويلة مع الأردن، وتلك الخطوة في نظر صانعي القرار الإسرائيلي تساعد على زيادة وسائل التأمين والأمن معًا، أي تأمين الأراضي الإسرائيلية وبالوقت ذاته تساعد على ضمان أمن دولة إسرائيل وبقائها.
كما أن قيام كيان فلسطيني في منطقة غور الأردن ــ إذا قام أو نشأ كيان فلسطيني من الأساس ــ سوف يكون كيانًا ضعيفًا ولا يُمكنه بحال من الأحوال أن يتحول لخنجر في ظهر إسرائيل.
ومن الضروري أن يحدث ضم أراضي الضفة الغربية وغور الأردن بالنسبة لإسرائيل في أسرع وقتٍ ممكن، وبمعنىٍ آخرٍ قبل ذهاب الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، وربما يترك ترامب البيت الأبيض في نوفمبر المقبل.
وتعلم إسرائيل تمام العلم أن جو بادين المرشح الديمقراطي المنافس لترامب يتفوق عليه في أغلب استطلاعات الرأي.
هنا يجب الإشارة إلى أن جو بادين يرفض عملية ضم إسرائيل لأراضي فلسطينية جديدة.
المصلحة إذًا مع وفي وجود ترامب، ولكن إذا كانت كذلك فلماذا التأخر على هذا النحو الذي نراه؟
التأخر يمكن رده إلى وجود خلافات داخل الإدارة الأمريكية، جاري كوشنير لا يريد عملية الضم بهذا الشكل حتى وإن كانت فكرة الضم موجودة في صفقة القرن.
وعلى الرغم من أن سفير الولايات المتحدة بإسرائيل ديفيد فريدمان يؤيد الضم، إلا أن موقف إدارة بلاده ما يزال غير واضح، وبناءًا عليه لم تعطي واشنطن الضوء الأخضر لبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل لكي ينفذ الضم.
لكن لماذا لا يبدو أن هناك حماسًا للضم داخل الإدارة الأمريكية الراعي الرسمي لصفقة القرن والتي تنص على الضم؟
الفارق شاسع أن يتم الضم وفق صفقة يوافق عليها الفلسطينيون و يمنحونها الشرعية حتى وإن كانت مخالفة لقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية، وحتى إن كان لها انتقادات من المجتمع الدولي، كل هذا سوف ينسى إذا وافق الفلسطينيون، وهذا سوف يمثل نجاحًا بالنسبة للدبلوماسية الأمريكية من حيث أنها ستكون قد فرضت حل سلام بالمنطقة ووافق عليه الجانب الفلسطيني، وبالتالي شرعية الحل وتخرج الولايات المتحدة كصانعة للسلام في المنطقة وبما يضمن ولا يخل بمصالح الحليف والشريك الإسرائيلي.
بينما في حال عدم موافقة الفلسطينيين ــ وهذا هو الوضع الحالي ــ فإن الأمور سوف تأخذ شكلًا مختلفًا تمامًا، إذ سيتحول الشكل كما لو كان عملية لفرض احتلال عسكري لأراضي دولة وبما يخالف القانون الدولي.
مشهد الاحتلال سوف يصدر للعالم فشل الدبلوماسية الأمريكية لأنها لم تستطع الوصول إلى اتفاق ينهي هذا الصراع.
إلى جانب أن المشهد ذاته سوف يكون تأييدًا لتجسيد الاحتلال على الأرض.
لذا تحاول الإدارة الأمريكية في هذه الأيام الضغط على الفلسطينيين بكل الوسائل حتى يوافقوا ويمنح ضم إسرائيل لبعض أراضي الضفة العربية نوعًا من الشرعية.