عاجل
السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

اليمن بعد عام.. الرئيس يستقيل ويتراجع.. قرارات عشوائية للحوثيين.. عاصفة الحزم تتدخل للقضاء على قوة الجماعة "الوهمية"

 صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

مر اليوم الأحد عام على دخول جماعة أنصار الله الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء فى 21 سبتمبر 2014، وسيطرتها على مفاصل الدولة والقرار السياسى تدريجيا وتمددها إلى باقى المحافظات لدرجة أصابت المواطنين بالذهول والخوف من السرعة التى استولوا بها على البلاد.. ووقتها قال أحد المراقبين لتطورات الأوضاع بالبلاد إن اليمنيين صبروا على حكم الإصلاحيين 3 سنوات ويمكنهم الصبر على الحوثيين سنة وكأنه يقرأ الغيب فبعد أقل من سنة من الصعود السريع للجماعة بدأت مرحلة السقوط السريع .

وبين رحلة الصعود والسقوط عانى اليمنيون الأمرين من هذا الحكم الذى أفقرهم وقطع أرزاقهم وأدخلهم فى مشكلات اقتصادية وسياسية انتهت بإعلان دول التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية الحرب على هذا النظام لإعادة الشرعية لليمن.

وكان لاقتحام جماعة الحوثيين لصنعاء وسيطرتهم على عاصمة البلاد فى وقت قصير وقع الصدمة على اليمنيين الذين اعتقدوا بقوة الجماعة التى قامت من جانبها بتقوية هذا الاعتقاد ونظمت مسيرات حاشدة بمناسبة ودون مناسبة لاستعراض القوة وإرهاب المواطنين ووصل الأمر إلى تنظيم مناورة بالأسلحة والطائرات التى استولوا عليها من الجيش فى معقلهم الرئيسى بمحافظة صعدة على الحدود الجنوبية للسعودية.

والمتابع لتطورات الأحداث فى اليمن خلال هذه السنة يدرك تماما أن القوة التى حاولت الجماعة إقناع اليمنيين والمحيط الإقليمى بها هى قوة غير حقيقية فقد دخلوا العاصمة بمساعدة القوات الموالية للرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح والقبائل والمشايخ المتحالفين معه بل وصدرت أوامر من قادة هذه القوات للجنود بعدم مقاومة الحوثيين وتسليم الأسلحة لهم، كما أن تمدد الحوثيين إلى المحافظات كان بمساعدة قوات الجيش والأمن الموالية لصالح فى هذه المحافظات، إذ كيف يمكن لحوالى 300 من اللجان الشعبية التابعة للحوثيين السيطرة على محافظة إلا بأوامر من هذه القوات والمحافظ ..وخير مثال على ذلك هو تصريح العميد عدنان الحمادى قائد اللواء 35 فى محافظة تعز بأن 90 % من قوة الجماعة تابعة لصالح.

وسيطر غرور القوة على قيادات وأعضاء الجماعة فباتوا يتصرفون وكأنهم الحكام الفعليين للبلاد وفرضوا اتفاق السلم والشراكة على الرئيس عبد ربه منصور هادى وتشكيل حكومة جديدة برئاسة خالد بحاح وتعيين موالين لهم فى الجيش والأمن والوزارات السيادية والإيرادية مثل النفط والمالية بل إن البنك المركزى لم يسلم من تدخلاتهم فى عمله مما أدى لمشاكل اقتصادية كبيرة وبعد تشكيل الحكومة تدخلوا فى عملها ولكن بحاح كان يتحلى بالشجاعة وأعلن أنه على استعداد للاستقالة إذا أبدى الحوثيون رغبتهم فى تحمل المسئولية.

وازدادت تدخلات الحوثيين وضغوطهم على الرئيس اليمنى لدرجة لم يستطع معها تلبية مطالبهم والتى كان من بينها تعيين نائب له من الجماعة وهو الذى استمر طوال حكمه بدون نائب فرفض ، فما كان منهم إلا أن اقتحموا دار الرئاسة فى 19 يناير الماضى ونقلوه إلى منزله ، فقدم بحاح استقالته للرئيس بعد ذلك بيومين وبعدها بقليل قدم هادى استقالته للبرلمان لتدخل البلاد مرحلة عدم استقرار تالية للمرحلة التى واكبت ثورة فبراير 2011 .

وكانت وجهة نظر حزب المؤتمر الشعبى العام بزعامة صالح حليف الحوثيين هى أن يعقد مجلس النواب جلسة للبت فى الاستقالة وتعيين رئيس مؤقت لحين إجراء الانتخابات الرئاسية بعد شهرين وتوجس الحوثيون من هذا التوجه واحتلوا البرلمان لمنع عقد الجلسة وفضلوا إصدار إعلان دستورى من جانب واحد وتعيين لجنة ثورية عليا لحكم البلاد برئاسة محمد على الحوثى ابن عم عبد الملك الحوثى زعيم الجماعة وتدخل اليمن بصورة رسمية تحت حكم الجماعة التى حاولت إجبار أعضاء الحكومة على العمل معهم إلا أن الكثيرين رفضوا وغادروا صنعاء.

وأجرت الجماعة مفاوضات مع القوى السياسية لسد الفراغ الدستورى الحاصل فى البلاد بعد استقالة الرئيس والحكومة ولكن القوى السياسية خاصة حزب التجمع اليمنى للإصلاح (الأخوان المسلمون) رفض ذلك فضغطوا عليها بواسطة الإعلان الدستورى واستمرت المفاوضات والتى كانت تحت رعاية جمال بن عمر المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة بهدف تشكيل مجلس رئاسى ولكن الأحزاب المؤيدة للشرعية تمسكت بهادى لتحدث مفاجأة غير متوقعة ، ففى 21 فبراير استطاع هادى الهرب من منزله وأن يصل إلى عدن ويعلن أنه استقال تحت ضغوط الحوثيين وأنه سحب استقالته ومازال الرئيس الشرعى لليمن لتتنازع سلطتان حكم البلاد أحدهما اللجنة الثورية العليا فى صنعاء والأخرى الرئيس الشرعى المعترف به دوليا فى عدن جنوبى البلاد.

وحاولت الجماعة حكم اليمن بدون أى خبرة فى ذلك ، وأصدرت قرارات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها بدون دراسة فقد فوجىء اليمنيون ببث خبر من الوكالة الرسمية التى يسيطر عليها الحوثيون عن توقيع اتفاقية مع إيران تقضى بتسيير 28 رحلة جوية أسبوعيا بين البلدين بواسطة شركتى الطيران الوطنيتين ، وحينها وثارت أسئلة كثيرة عن الجدوى الاقتصادية لهذه الاتفاقية خاصة وأن التبادل التجارى وحركة النقل الجوى بين البلدين بالكاد تحتاج إلى رحلتين أسبوعيا ـ كما أن شركة الخطوط اليمنية التى تمتلك السعودية منها 49 % لا تملك سوى 3 طائرات فهل ستعمل على خط صنعاء طهران فقط أم كيف ستتم الرحلات .. كما جاء قرار الحوثيين بتنظيم مناورات عسكرية فى صعدة ليزيد من تخوفات دول الخليج من تصرفات الجماعة.

واستغلت الجماعة حادثى التفجير فى مسجدى بدر والحشوش بصنعاء لتتهم الدواعش والقاعدة ومن ورائهما الرئيس بتدبير الانفجارين اللذين راح ضحيتهما 142 من المصلين فى 21 مارس الماضى وتعلن الحرب على التكفيريين فى محافظات الجنوب وقامت الطائرات التابعة للقوات الجوية بقصف مقر الرئيس فى القصر الجمهورى ولكنه نجا واستطاع الهرب الى سلطنة عمان ومنها الى السعودية ليطلب من دول التحالف استعادة الشرعية وتبدأ عمليات عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية فى اليمن يوم 26 مارس الماضى.

وقد استطاعت الجماعة المدعومة بقوات صالح تحقيق انتصارات متلاحقة واستولت على معظم محافظات الجنوب بمساعدة قوات الجيش والأمن فى هذه المحافظات ولكن مع استمرار قصف طائرات دول التحالف ، برئاسة السعودية ، لمواقعهم والدور الذى قامت به المقاومة الشعبية والقوات التابعة للتحالف والشرعية والتى تم تدريبها تم تحرير محافظة عدن فى عيد الفطر الماضى وأعقب ذلك تحرير باقى محافظات الجنوب ..ومنذ عدة أيام عادت الحكومة اليمنية لتمارس عملها من عدن وسط هزائم وانكسارات لجماعة الحوثيين لتتركز المعارك بين الحكومة الشرعية وقوات التحالف فى محافظتى مأرب وتعز.

وقدرت منظمات دولية ضحايا الحرب التى شنتها الجماعة بنحو 3000 مدنى بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى ولم يعرف بعد عدد ضحايا العمليات العسكرية .. ويعيش أهالى العاصمة اليمنية صنعاء فى هذه الأوقات فى قلق بسبب الأنباء التى تتردد عن قرب اقتحام القوات الشرعية والتحالف لصنعاء الأمر الذى أدى إلى نزوح الكثيرين إلى محافظات قريبة خوفا من حدوث قتال فى العاصمة وأن يصيبها ما حدث فى عدن وتعز.

وشهدت العاصمة اليمنية والمحافظات خلال حكم الحوثيين مشاكل اقتصادية كبيرة جعلت معدلات الفقر ترتفع إلى نسبة 80 % من عدد السكان الذى يصل عددهم إلى 25 مليون نسمة ، ووصل الأمر إلى أن المنظمات الإنسانية الدولية أعلنت أن 80 % من السكان بحاجة الى المساعدات ، وارتفعت الأسعار بصورة فلكية خاصة الغذاء والماء والمشتقات النفطية وخسر الآلاف من اليمنيين أعمالهم بسبب انعدام المشتقات النفطية ونزحوا إلى محافظاتهم فى محاولة لتخفيض النفقات ، وانخفض سعر الريال اليمنى أمام العملات الاخرى بنسبة 13 % ولجأت الجماعة إلى تغطية نفقات الحرب بالسحب من الاحتياطى النقدى الأجنبى فى البنك المركزى والذى كان يزيد عن 4 مليارات دولار وأصبح حوالى 1.5 مليار دولار ، منها مليار دولار وديعة للسعودية لتصبح عملية توفير الأموال اللازمة لمرتبات الموظفين غاية فى الصعوبة وسط اتهامات للجماعة بطبع العملة بدون غطاء نقدى لتوفير المرتبات.

وارتفعت أسعار المشتقات البترولية بنسبة كبيرة ووصلت الى ثلاثة أضعاف السعر الرسمى وهو 3000 ريال لصفيحة البنزين ، كما ارتفعت أسعار الغاز المنزلى لخمسة أضعاف بسبب قيام المواطنين بتحويل المولدات التى يمتلكونها للعمل بالغاز واعتماد المخابز والمحال على اسطوانات الغاز فى عملهم وكذلك أصحاب سيارات النقل والتاكسيات وأصبح من المألوف مشاهدة سيارات نقل الركاب والبضائع وهى تجوب العاصمة واسطوانات الغاز فوقها أو بجوار الركاب .

ويعيش المواطن اليمنى فى العاصمة والمحافظات فى ظل مشاكل بالجملة ، فالماء ارتفع سعره إلى أكثر من الضعف لأن أصحاب الآبار يستخدمون الوقود لرفع المياه منها كما يتم نقلها فى تانكات بالسيارات مما أدى فى النهاية الى ارتفاع التكلفة على المواطن فعزف الكثيرون عن شراء الماء وذهبوا الى الآبار للحصول على الماء ولكن يمانع أصحابها فى منحهم الماء بالمجان.

أما عن الكهرباء التى كانت فى ظل الحكومة السابقة تأتى للمواطنين بمعدل 10 ساعات يوميا فقد اختفت نهائيا منذ ستة اشهر مما أدى الى قيام المواطنين بشراء منظومات للطاقة الشمسية بمبالغ كبيرة ومن لم يجد فقد اكتفى بالشموع التى زاد سعرها هى الأخرى فيما قامت المخابز بالاعتماد على الحطب للعمل وأصبحت هذه السلعة تباع فى الأسواق مثل أى سلعة أخرى.

وفى هذه الفترة قامت جماعة الحوثيين بحملة اعتقالات ضد معارضيهم خاصة قيادات حزب التجمع اليمنى للاصلاح / الأخوان المسلمون / ومنهم قيادات معتقلة منذ أشهر بالإضافة إلى اعتقال الصحفيين المعارضين لهم وإغلاق الصحف والمواقع الإخبارية التابعة للأحزاب المعارضة لهم ، وفجروا منازل خصومهم فى صنعاء والمحافظات واستخدموا المعتقلين كدروع بشرية مما أدى إلى مقتل 3 صحفيين وسخروا كل مقدرات الدولة لخدمة أغراضهم غير عابئين بتوفير المتطلبات المعيشية للمواطنين وتحمل القطاع الخاص عبء ذلك وعزلوا الكفاءات الموجودة بالوزارات والمصالح الحكومية وعينوا بدلا منهم موالين لهم.

كما شهدت اليمن عزلة دبلوماسية لمغادرة كل البعثات الدبلوماسية اليمن فى شهر فبراير الماضى ماعدا عدد قليل منها حتى هذه البعثات قلصت عدد العاملين بها إلى أقل عدد ممكن ولم تحفل الجماعة بذلك.

وشهدت الخدمات الصحية فى هذا العام كوارث عديدة فقد توقف العمل فى معظم المستشفيات والمراكز الصحية خاصة فى المحافظات التى تشهد قتالا بالإضافة إلى مغادرة الأطقم الطبية الأسيوية التى كانت تعمل فى اليمن فى مارس الماضى وكانت هى عصب العملية الطبية ، اذ كانوا يمثلون حوالى 80 % من التمريض والمساعدين والفنيين وأكثر من 50 % من الأطباء بالإضافة إلى قلة الأدوية بسبب عدم الاستيراد ، كما أوقف الصليب الأحمر الدولى أعماله فى اليمن بسبب مقتل موظفين يعملان معه.

وهكذا يعيش اليمنيون فى أزمة ، ما أن يتعايشوا معها حتى تظهر أزمات أخرى أشد ، ويكفى من هذه الأزمات انقطاع الكهرباء وانعدام المشتقات البترولية الذى أدى إلى توقف معظم الأنشطة الاقتصادية خاصة الخدمية والصحية.