وزير تونسي في حوار لـ"سبوتنيك": من حق الفقراء مقاضاة الدولة لنيل حقوقهم.. وهذه مشروعتنا المستقبلية
أجرت وكالة "سبوتنيك" حوارًا مع محمد الطرابلسي، وزير الشؤون الاجتماعية التونسي، تابعه العربية نيوز، كشف فيه أن قانون الأمان الاجتماعي الذي تقدمت به الحكومة، يعطي للفقراء مرجعية قانونية للمطالبة بحقوقهم في العيش الكريم.
وإليكم نص الحوار:
بداية ما فحوى الاتفاق الذي وقع يوم 7 فبراير بين الحكومة والاتحاد التونسي للشغل بشأن رفع أجور الموظفين؟
لم يشمل الاتفاق رفع أجور الموظفين وأعوان الدولة فقط، بل شمل بعض القضايا الأخرى ذات العلاقة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي، حيث نص الاتفاق على الانتهاء من تعديل القانون الأساسي العام للعاملين بقطاع الوظيفة العمومية، والبالغ عددهم حوالي 680 ألف مواطن، وكذلك تكوين لجنتين أخريين تتعهد الأولى بالنظر في إصلاح المؤسسات العمومية، التي تشكو صعوبات مالية واقتصادية، فيما تتولى الثانية تقييم منظومة الدعم، وتقديم مقترحات عملية لتصويبه لاستفادة المستحقين من الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة. وهي قضايا مهمة تتعلق بعملية إصلاح الوضع الاقتصادي في تونس وتسريع وتيرة التنمية فيها، والتقدم أكثر على درب العدالة الاجتماعية.
وأؤكد أننا لا نتعامل مع الاتحاد العام التونسي للشغل كمنظمة نقابية فحسب، ولكننا نتعامل معه أيضا كشريك أساسي في مسار مجتمعنا نحو تعزيز الحريات والديمقراطية، وتطوير قدرات بلادنا في المجال الاقتصادي، والتقدم إلى أبعد مدى على طريق التقدم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.
وأذكر بأن النقابات في بلدان الجنوب بدأت تعي دورها في عملية التنمية، وفي مجال المشاركة في صياغة قوانين التحولات المجتمعية، إلا أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان سباقا في ذلك، بل إنه نشأ كمنظمة نقابية مستقلة، تحمل مشروعا مجتمعيا يتعلق بالمجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى السياسية.
وأشدد على أن تونس تعتبر محظوظة، بأن تكون لها نقابات بمثل هذا الحجم، وهذه الرؤية، وقد أكدت الأحداث التاريخية لبلادنا ذلك، منذ نشأة الحركة النقابية التونسية في مطلع القرن الماضي.
فيما يتعلق بأزمة الحوار بين وزارة التربية ونقابة مدرسي التعليم الثانوي، لماذا تأخر الاتفاق مع النقابة قبل حل الأزمة؟
لا شك أن وضع المدرسين في جميع مراحل التعليم يتطلب العناية وتحسين الظروف المادية والمهنية، بل إنه لا يمكن الحديث عن إصلاح منظومة التربية والتعليم في أي بلد، دون النهوض بأوضاع المدرسين وتمكينهم من أجور مجزية وظروف عمل لائقة.
النقابة اختارت في اعتقادي التوقيت الخطأ لطرح بعض مطالبها، خاصة أنه تزامن مع التفاوض مع الاتحاد العام التونسي للشغل، حول رفع أجور الموظفين، ومن بينهم أسرة التربية والتعليم بكامل مراحلها، فقامت النقابة بفتح خط تفاوضي مواز، يتضمن مطلبا يتعلق مباشرة برفع أجر أساتذة التعليم الثانوي، كما أن الحكومة بصدد الإعداد لعرض مشروع تعديل قانون التقاعد للموظفين على مجلس النواب، بعد رفضه التصديق على نفس المشروع في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويقضي المشروع في أحد بنوده برفع سن الإحالة للتقاعد بسنتين اجباريتين، بثلاث سنوات أخرى اختيارية. وفي نفس هذا الوقت أيضا طرحت نقابة مدرسي التعليم الثانوي التخفيض في سنوات العمل لمنظوريها.
ولقد لبى اتفاق 9 فبراير ، عددا من المطالب المهنية الأخرى للمدرسين، وهي مطالب تتعلق بخصوصية المهنة إضافة إلى تمتعهم بالزيادات العامة في أجور الموظفين، وأعوان الدولة التي جاءت بها اتفاقية 7 فبراير الموقعة مع قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل.
كما اتفقت النقابة مع وزارة التربية على آليات لتدارك استكمال البرنامج المدرسي، وإنجاز الامتحانات، بما يعني انتهاء الأزمة.
هذه الاتفاقيات مع الاتحاد العام التونسي للشغل تفاقم من ارتفاع كتلة الأجور مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، والتي تعتبر من بين الأعلى في العالم، وهو ما يعقد العلاقة مع صندوق النقد الدولي والمانحين، فكيف توفق الحكومة بين اتفاقياتها مع اتحاد الشغل من جهة، وتعهدات سبقتها لدى صندوق النقد بالسيطرة على حجم الأجور في حدود 0.12 % من جهة أخرى؟
رفع الأجور يندرج ضمن التزام الدولة بحماية القدرة الشرائية للعمال وعموم الأجراء، وفي اعتقادنا فإن دفع الطلب الداخلي هو أحد محركات النمو، حيث أن الجزء الأكبر من هذه الزيادات يعاد استثماره في السوق الوطنية والإنتاج المحلي، وفي نفس الوقت تسعى الحكومة إلى عدم الارتفاع في التضخم، أو تفاقم عجز الميزانية نتيجة الزيادات، واعتقد أن الحكومة قادرة على التوفيق بين التزامها مع الاتحاد التونسي للشغل، والاتفاقات التي أبرمتها الحكومة السابقة مع صندوق النقد.
وأؤكد أن الأساسي بالنسبة للحكومة هي الاستحقاقات الداخلية، وتغليب الوحدة الوطنية، واستكمال البناء الديمقراطي، وتوفير مناخ من السلم الاجتماعي يسمح بإنجاز الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية.
ما هي الإجراءات التي تضمنها "قانون الأمان الاجتماعي" الذي تقدمتم به وزارتكم، وما هي الشرائح الاجتماعية المستهدفة؟
لأول مرة بتونس وربما أيضا بالبلاد العربية، نتجاوز النصوص العامة المتضمنة لمبادئ مناهضة الفقر والنوايا الطيبة لمحاربته، واعتماد مقاربة جديدة لهذه المعضلة، التي يعاني منها ربع سكان المنطقة العربية، والتي تبلغ في تونس حوالي 15% من السكان، بين عائلات معوزة و عائلات محدودة الدخل.
ولم يكن لنا بتونس استراتيجية خاصة بمقاومة الفقر والحرمان والتصدي لتوارثه أو تأبيده، حيث كانت هناك إجراءات اجتماعية، عادة ما تكون مصاحبة للتخفيف من وطأة سياسات اقتصادية، لها انعكاسات سيئة على الفئات الشعبية عموما والفقراء بالخصوص.
قانون الأمان الاجتماعي الذي تقدمت به الحكومة، وحظي بمصادقة نواب الشعب، يعطي للفقراء مرجعية قانونية للمطالبة بحقوقهم في العيش الكريم، ومقاضاة الدولة إن لزم الأمر لنيل تلك الحقوق، وأهم ما يميز القانون أنه يعرف لأول مرة الفقر، ويحرره من المقاربة النقدية الضيقة، ليرتقي إلى الفقر متعدد الأبعاد، باعتماد مؤشرات متعددة، تتعلق بالعمل والسكن والمرافق العامة والصحة والتعليم والعزلة الجغرافية والإعاقة والأمية.
وبمقتضى القانون سيتم تحديد خط الفقر حسب مجمل هذه المؤشرات، واعتماد نظام تنقيط (Scooring) لكل أسرة، مهما كان عدد أفرادها، بما يساعد على معرفة موقعها من خط الفقر، وتحديد احتياجاتها بدقة، ثم تصويب تدخل الدولة في مجال التحويلات الاجتماعية.
كما يضمن القانون منحة لكل أسرة معوزة، تساوي اليوم نصف الأجر الأدنى المضمون بتونس، إضافة إلى منحة للأطفال في سن الدراسة، تسند شهريا و تضاعف هذه المنحة بالنسبة للأطفال المعاقين، بالإضافة إلى التغطية الصحية بالتعريفة المنخفضة، والمساعدات الظرفية والموسمية، وهناك برامج أخرى موجهة لتلك الشرائح، تتعلق بالسكن أو العمل أو إحداث مواطن رزق لفائدتهم.
ما هي آخر نتائج لجنة البحث عن المفقودين من الذين توجهوا إلى إيطاليا سنوات 2011 و 2012 بصورة غير قانونية؟
حسب أخر إحصائية بلغ عددهم حوالي 500 شخص، فقد أثرهم عند محاولتهم العبور إلى إيطاليا بطريقة غير قانونية عن طريق البحر، وأكد بعض الأهالي أن أبناءهم لازالوا على قيد الحياة، وفق إفادات وشهادات وصلتهم من الأراضي الإيطالية، وقد سعت الدولة التونسية إلى التعاون مع أهالي المفقودين لمعرفة الحقيقة والتأكد من مصيرهم، وقد أذن رئيس الجمهورية بتكوين لجنة تشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية للقيام بالإجراءات الضرورية للإلمام بالملف، وجمعت بيانات لحوالي 300 من المفقودين، تعلقت بالبصمات وبالحمض النووي وتقديمها للجانب الإيطالي.
بعد ذلك طلب الجانب الإيطالي معلومات أخرى إضافية، وقدمت إليه ضمن فريق عمل مشترك، ضم وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارتي الداخلية والعدل، وممثلين عن الأهالي، ونتابع الملف بحرص شديد، كما نعمل على إنهائه بما يسمح بمعرفة مصير المفقودين.
ما أخر المستجدات في إصلاح أنظمة التقاعد، خاصة بعد رفض مجلس النواب التعديلات التي تقدمت بها الوزارة ديسمبر الماضي؟
صوت مجلس الشعب على التعديلات الستة التي تقدمت بها الوزارة فصلا فصلا، لكن الغريب أن نفس النواب لم يصوتوا على هذه التعديلات برمتها، حيث كنا نحتاج لصوتين اثنين فقط، لتمرير هذا الإصلاح… هذا الإصلاح أصبح اليوم أولوية قصوى لإعادة التوازن المالي لصناديق الضمان الاجتماعي، حتى تستطيع تقديم الخدمات الجيدة، خاصة مع التغيرات الديمغرافية والتطورات التي يشهدها عالم العمل، وتنوع التدخلات التي تقوم بها الصناديق، إضافة إلى تنامي أشكال التشغيل الهش، وارتفاع نسبة التهرب الاجتماعي، مما يؤثر سلبا على مداخيل الضمان الاجتماعي. ونحن بصدد الإعداد لعرض هذا الإصلاح من جديد على المجلس في مارس/آذار المقبل، بعد إدخال بعض التعديلات والإضافات على المشروع الأول.
برأيك كيف تؤثر الخلافات السياسية بين التكتلات النيابية الكبرى بتونس على عمل الوزارات؟
قانون إصلاح نظام التقاعد الذي لم يصوت عليه مجلس نواب الشعب، هو أحد ضحايا هذه الخلافات، لكنها قواعد الديمقراطية، وعلينا احترامها، إذ لا ديمقراطية دون تباينات ومنازعات وخلافات سياسية. إنها جزء من المشهد الديمقراطي، ومن الممارسة الديمقراطية طالما ظل ذلك في إطار احترام القانون. نحن في مرحلة انتقالية، وهي مرحلة لها قوانينها وقواعدها، ولها مخاطرها أيضا، ولكننا نسير في الطريق الصحيح لتجاوز هذه المرحلة بنجاح، وبتجربة أكبر لقيادة المرحلة التي تليها، بعد أن يصبح خيار الحرب والديمقراطية خيارا لا رجعة فيه.
ما هي المشروعات المستقبلية للوزارة؟
نعمل في المرحلة المقبلة على تمرير مشروع إصلاح أنظمة الضمان للتقاعد، بعرضه من جديد على مجلس نواب الشعب، كما نسعى مع شركائنا الاجتماعيين إلى تفعيل المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، كما نعمل على استكمال الإجراءات القانونية والعملية لإرساء المجلس الوطني للتونسيين بالخارج، بصفته أحد مؤسسات البناء الديمقراطي، بما يتيحه من إطار لمشاركة التونسيين في الخارج في صياغة قوانين وقواعد هذه المرحلة الانتقالية. غير أنه من أهم المشاريع التي نعمل على إنجازها هو إرساء قطب جامعي بحثي اجتماعي، بالشراكة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، يتم فيه تجميع المعاهد العليا التابعة للوزارة، كمعهد علوم الشغل والمعاهد العالية للتربية المختصة، ومركز صناعة الأعضاء، تضاف إليها كليات ومعاهد عليا تدرس علوم الضمان الاجتماعي والاقتصاد الاجتماعي والهجرة.
لقد قدمت مشروعا أوليا في هذا المجال، وتم تبنيه مبدئيا من طرف مجلس وزاري، وسنعمل مع وزارة التعليم العالي لبلورة خطة عملية، والبحث عن موارد التمويل لبعث القطب البحثي والدراسي الجامعي الذي نريده أن يكون فريدا في المنطقة، ومفتوحا للتونسيين وللأجانب على حد السواء.