مجتمعات عربية بلا مناعة: هل هي أزمة وجود أم أزمة هوية؟
عندما تنتشر الخرافة ويكثر الفساد بأنواعه والتطرف الفكري بشقيه القبيح والشحيح فتوقع أن تكون النتيجة تفكك المجتمعات وإنحراف التفسير وتحريف الحقيقة.
كل الذي عشناه وما نواكبه اليوم من أحداث على كل المستويات، خاصة بعد ما سمي بثورات الربيع العربي يستوجب أن نطرح العديد من التساؤلات حول واقع مجتعاتنا العربية ومدى قدرة المواطن العربي على حمل قضاياه ومواجهة هذا الكم من المشاكل و الهجمات والفتن.وكذلك لا نستطيع المرور دون أن نتحدث عن أسباب ضعف مناعة مجتمعاتنا العربية وهشاشة جدارها الفكري والعقائدي في مواجهة مختلف التحديات،لننطلق بسؤال محوري وهو: هل أن المجتمعات العربية تعاني من أزمة وجود أم أزمة هوية؟.
الإعتبار الأول:مجتمعات عربية تعاني من أزمة وجود
إن البحث عن المعنى يستوجب الرجوع إلى الأصل كما هو البحث عن الوجود يستوجب الرجوع إلى الذات،وهو ما يدفعنا إلى النظر في المعنى الوجودي للمجتمعات العربية في خضم ما عاشته من حروب تدميرية استباحت كل الحقوق الإنسانية و خلفت مظاهر التقتيل والتهجير وتصاعد العنف بكل أنواعه.فأصبح المواطن العربي مرتهنا وفاقدا لكل السبل التي توصله إلى تحقيق أهدافه وإثبات وجوده،وكل الذي مرت به الدول العربية من أحداث سياسية نتج عنه زعزعة قوية في ذات كل فرد عربي وأسس للتطرف والغلو في الفكر والعقيدة لتنقسم المجتمعات لثلاث توجهات،التوجه الأول هم من فقدوا معنى وقيمة لحياتهم داخل مجتمعاتهم فأصبح النموذج الغربي في جانبه السلبي قدوة لهم،ضاربين بعرض الحائط كل القيم الأخلاقية والسلوكية العربية ودخلوا في منطق من لم يكن مثلنا فهو عدو لنا،وهو ما زاد من إنتشار الفساد وتزايد عدد الجرائم وتفكك الأسر ضف إلى ذلك الإضطرابات النفسية والجنسية التي انتشرت بشكل ملفت للنظر في السنوات العشر الأخيرة.
وأما التوجه الثاني من مجتمعاتنا العربية فقد إختار إثبات وجوده بتبني أفكار الجماعات الإرهابية والمتشددة ليكون له في حمل السلاح وإمتهان التفجير قضية تخرجه من حالة اليأس والبؤس التي خلفتها الأنظمة الحاكمة وحتى احزاب المعارضة لم تقدم لهم سوى الأوهام والشعارات.وهاهي اليوم مجتمعاتنا العربية تدفع ثمن سياسة فاشلة أفلست أفكارها من قبل أن تبدأ فكانت النتيجة أن دمرت بيد أبنائها وبناتها .
وأما المجموعة الأخيرة فقد اختارت أن تحمل ما تبقى من القضية الفلسطينية عساهم يثبتوا أن العرب لازالوا يتنفسون وأنهم يحاربون من أجل إسترجاع مجدهم المفقود دون أن يدركوا أن التماهي مع الشيء أو القضية يلغي ذواتهم ووجودهم ويدخلهم في منطق الغلو واللغو و هو لا يبتعد كثيرا عن منطق ما ليس منا أو معنا فهو ضدنا وعدو لنا.فبحثهم عن الإنتصار أمام ضعفهم و جهلهم يفقدهم الإنتصار على العدو.
الإعتبار الثاني:مجتمعات عربية تعاني من أزمة هوية
قبل ثورات الربيع العربي لم يكن الحديث عن مسألة أزمة الهوية في المجتمعات العربية مطروحا بإعتبار أن المنطقة العربية كانت تعيش تحت صراعات دينية ومذهبية و طائفية اختلقها العدو لتكون الفتيل الدائم لإشعال المنطقة من حين لأخر.ولكن بعد التحولات التي شهدتها الدول العربية في فترة ما سمي بالثورات أصبحنا أمام مخطط صهيو-أمريكي جديد لتفكيك المجتمع العربي من الداخل و هو إفتعال أزمة جديدة تحت مسمى البحث عن القيمة في ترسيخ الهوية و البحث عن الجذور دون الخوض في المعنى.
فتنامت بذلك الحركات الإنفصالية وتنامت عندهم نزعة التطرف القومي سواء الذي يهدف إلى العزلة أو الإنفصال ليتناقض بذلك مع فكرة الوحدة الوطنية والقومية العربية في معناها ومبناها. وهذا التوجه الجديد المفتعل لا يقل خطورة عن التطرف الديني للحركات المتشددة و الإرهابية من حيث رفض الأخر والسعي إلى إلغائه.
فأصبحت المجتمعات العربية تواجه خطر التفكك و عدم الإستقرار،فيصح القول بإزدواجية الأزمة أمام ضعف المناعة الفكرية والعقائدية والثقافية للمواطن العربي.مما سيؤدي حتما للعب بهذه الورقة لتطويع الشعوب والضغط على الحكومات العربية لتنفيذ الأجندة الصهيو أمريكية في كل المنطقة العربية.فأي نموذج بديل يمكن للعرب أن يصنعوه لكي ينقذهم من وطأة الإستعمار الجديد ؟!!