سفير أمريكا باليمن لـ"الشرق الأوسط": ندعم جريفيث.. الحوثي نشر القاعدة.. وهذا رأيي في قضية الجنوب
قال السفير الأميركي لدى اليمن ماثيو تولر إن بلاده من مصلحتها أن يكون اليمن حراً من لعنة المجموعات المتطرفة، كما تريد رؤية اليمن يتمتع بالأمان براً وبحراً. وعلاقات متميزة مع جيرانه وقوية؛ مما يخدم مصالح المنطقة بأسرها.
وأضاف تولر في حوار لجريدة الشرق الأوسط "نحن في الولايات المتحدة حكومة وشعباً نتطلع إلى العمل على رفع المعاناة عن اليمنيين وإيجاد حكومة حرة مستقلة تخدم تلك المصالح".
وشدد السفير على أن بلاده لا تحمل أي خطط لتقسيم اليمن طائفياً، وأنها تدعم الحل بالمرجعيات الثلاث.
وأظهر تولر، الذي سيغادر قريباً ليبدأ صفحة دبلوماسية جديدة سفيراً للولايات المتحدة لدى العراق، ثقة ودعماً كاملين للمبعوث الأممي مارتن جريفيث، الذي قال: إنه استطاع كسب ثقة جميع الأطراف، ويملك خبرة واسعة في التوسط.
كما استحضر المبعوث الفكرة التي لطالما تتردد في حواراته، وهي مسألة النضج السياسي، وأعطى هذه المرة مساحة أكبر في حديثه حولها، ليشرح كيفية الوصول إلى نتائج قريبة تصب في النهاية بمصلحة الشعب اليمني.
نهاية الأزمة خلال شهر
وفي سؤال يتعلق باحتمالية عدم التوصل إلى ما دعت إليه واشنطن في مسألة بدء نهاية الأزمة خلال 30 يوماً، أجاب تولر: ستصيبنا خيبة أمل، لكننا سنعمل مع الشرعية على تلبية احتياجات اليمنيين وتطلعاتهم، وسنساعدهم على المضي قدماً في هذا الإطار. والحل السياسي يتطلب من الحوثيين أن يطوروا النضج السياسي.
وأردف "لا نستطيع أن نسمح للحوثيين بخطف الخطوات التي تحتاج المضي قدماً في البلاد بأسرها"، وتابع: " #اليمنيون يحتاجون إلى حكومة تثبّت صرف العملة الوطنية، وتقدم تسهيلات للواردات التجارية وتوفر فرص عمل وخدمات أساسية في المجال الصحي والكهرباء والمياه النقية ومنع انتشار الأمراض".
وألح السفير الأميركي قائلا: "سنعمل مع الحكومة اليمنية لتلبية هذه الاحتياجات، وبالتالي سيدرك أولئك الذين يدعمون الحوثيين أن مصالحهم تكمن مع تلك الحكومة".
وتعقيبا عن البيانات التي صدرت من وزيرَي الخارجية والدفاع (الأميركيين) اللذين دعيا إلى إنهاء الأزمة الأسبوع الماضي، قال تولر إن "العملية العسكرية لا تحقق الانتصارات، ولا تحقق مصالح لليمنيين؛ لأنه يجب الانخراط في العملية السياسية التي ستحقق تطلعات اليمنيين".
مخطط أميركي؟
وعن سؤال حول الأنباء المتداولة بأن هناك مخططاً يقضي باحتفاظ الطرفين بالمساحة الجغرافية الموجودة حالياً، وأنه لن يكون هناك تسليم بالفعل للأسلحة، رد السفير: "لا يوجد لدى الولايات المتحدة أي مخطط لتوفير أي مناطق حكم ذاتي مبني على أساس عرقي أو عقائدي. ندرك أن اليمنيين هم شعب واحد، في مؤتمر الحوار الوطني رأينا اليمنيين عبّروا عن رأييهم عن توفير منظومة حكم داخل البلاد، حيث تنتقل السلطة من المركزية إلى المستويات المحلية داخل البلاد. وهذا هو موقفنا الذي يتسق مع مخرجات الحوار الوطني".
بيد أن السفير فصل في مسألة الأسلحة حيث قال: إن "اليمن ليست الدولة الوحيدة التي تواجه تحدياً مع حرب، وعليها التعامل مع مسألة وجود أسلحة (...) داخل إطار الأمم المتحدة، وإذا أخذنا بالاعتبار المبعوث الأممي الجديد مارتن غريفيث الذي لديه خبرات كبيرة كوسيط في هذه الأمور، أنا واثق أن الأمم المتحدة سوف توجد آلية من خلالها تبني الثقة بين الأطراف ومن ثم تسحب الأسلحة من الأطراف المختلفة".
واستطرد "وبالتالي، لدينا ثقة مطلقة إذا ما انخرطت الأطراف بنية حسنة وبمساعدة المجتمع الدولي والأمم المتحدة، فإنه بالإمكان سحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من الأطراف غير المخولة بامتلاك الأسلحة خارج إطار الدولة".
وعن رأيه بغريفثس أجاب: "المبعوث الحالي مارتن غريفثس أتى بثراء من المهارات والخبرة في هذا المجال، وأعتقد أنه أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بطاقة ومهارات في التواصل مع مختلف الأطراف عبر رحلاته المكوكية، وأثبت أنه يستطيع العمل مع مختلف الأطراف".
ونوه السفير إلى قناعة لديه مفادها أن تلك اللحظات "التي لا نرى فيها أي تقدم في الملف، فإنه ليس بالضرورة أن ينمّ ذلك عن قصور في أداء المبعوث، بقدر ما هو ناجم عن عدم رغبة أطراف معينة في الصراع في تقديم التزامات قوية للتوصل إلى حل يفضي بالخروج من الصراع.. أنا متفائل جداً بما يفعله مارتن غريفيثس، وأدعمه بشكل كامل لجهوده كافة.
ثقته بالحوثي؟
واعتبر السفير الأميركي أن الحوثيين "جزء لا يتجزأ من اليمن. لا يوجد من يفهمهم أكثر من اليمنيين أنفسهم. هم جزء من اليمن وسيبقون كذلك. وبالتالي الحل سيبقى لدى اليمنيين على كيفية رؤيتهم لهذا الحل، ولدى الأطراف الأخرى التي ستشاركهم في هذه السلطة".
واستدرك قائلا: أعلم أن هناك قدراً من عدم الثقة بالحوثيين والتزامهم بأي اتفاقيات على ضوء التجارب الماضية.
النضج السياسي
وفي رده عن سؤال حول ما إذا كان لا يزال يصر على اختبار نضج الحوثيين سياسياً"؟ أجاب: نعم؛ لأن هذه هي طبيعة أي مفاوضات، لأن كل طرف يختبر مدى نضج الطرف الآخر واستعداده لتقديم تنازلات والتوصل إلى تسويات، ومدى مقدرة الأطراف المختلفة بالالتزام بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها.
وتابع تولر: عندما تحدثت في المقابلة السابقة عن النضج الحوثي السياسي، كان الحديث عن نتيجة سلوكياتهم التي تشارك مباشرة في تثبيت الانطباع لدى الطرف الآخر عنهم. النضج السياسي هو مقدرة طرف معين على رؤية كيفية تفكير الطرف الآخر، وبالتالي السعي وراء إيجاد أرضية مشتركة قد تجمع الطرفين معاً".
واسترسل شارحا: "ليحقق الحوثيون هذا النضج السياسي والتوصل إلى اتفاقية ثابتة يجب عليهم أن يطوروا قابليتهم لإدراك أن هناك شرعية، وأنها يجب التعامل معها على هذا الأساس... كررت منذ بداية الأزمة أن الحكومة والأحزاب السياسية الأخرى ظلت تسعى وراء إيجاد سبل للتعامل عن المظالم التي يتحدث عنها الحوثيون، وكان هناك إدراك أن حوثيين كثراً قتلوا خلال الحروب في صعدة، وهناك الكثير من العائلات كانوا في حاجة إلى تلقي مساعدات اجتماعية من الدولة، وكان هناك انطباع بأن الحوثيين تم عزلهم من الاستفادة من الخدمات والمساعدات التي كانت تقدمها الدولة للمواطنين الآخرين".
وأكمل "لكن ما نفتقده الآن أنه رغم العروض التي تم تقديمها فإننا لا نرى أي أيد حوثية تتلقف هذه العروض. مرة أخرى، أنا متفائل بما أن هناك مفاوضات مقبلة في الأفق، وربما هذه المفاوضات تستغرق أعواماً كثيرة."
وأوضح السفير أن هناك عودة للنضج السياسي: "آمل أن يدرك الحوثيون أنه داخل إطار دولة القانون والنظام والدستور؛ عليهم ألا يتوقعوا أن يتم التعامل معهم بطريقة مستثناة عن بقية المواطنين اليمنيين. وعندما يتحقق هذا النضج السياسي عند الحوثيين وأتباعهم فعندها يمكن تحقيق حل طويل المدى ودائم لليمن".
تفشي "القاعدة"
وحول جزئية أخرى تتعلق بتقييمه لوضع المجموعات الإرهابية في اليمن؟ أجاب تولر: "دعني أوضح هذه النقطة التي قد تغيب عن كثيرين. لم يعانِ أحد في العالم من (القاعدة) و(داعش) كما عانا اليمنيون. فهؤلاء المجموعات المتطرفة قتلت من اليمنيين أكثر ممن يسمونهم أعداء في الغرب. لذلك؛ فقد تسببوا في معاناة اليمنيين وجلبوا الفقر وزعزعوا الأمن في المناطق التي عملوا فيها".
وأضاف قائلاً: "أعتقد أن نتيجة ما فعله الحوثيون منحوا حرية كبيرة جداً لعناصر (القاعدة) والمجموعات المتطرفة أن يتحركوا داخل البلاد بحرية أكثر. عندما أتى الحوثيون إلى صنعاء وكنت هناك في ذلك الحين وبالتالي تمكنت من التواصل معهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. كانوا يحاولون إقناعي بأنهم أتوا إلى صنعاء فقط لمحاربة الفساد الإداري والمالي ومحاربة (القاعدة) و(داعش)".
واسترسل السفير قصته مع الحوثيين بالقول: "قلت لهم إن ما تفعلونه سيكون هدية عظيمة لـ(القاعدة)، وإن سلوكياتهم سترفع الفساد المالي والإداري وتشتيت موارد الدولة الاقتصادية. وأنا بكل أسى أقول إن الوقائع على الأرض كانت على حق آنذاك". الطريقة التي يستخدمها الناس لمواجهة الفساد المالي والإداري و"القاعدة" وغيرها تتمثل في إيجاد دولة قوية وثابتة ومستقرة، ويضيف: "باختطاف مؤسسات الدولة وتدميرها فإن الحوثيين شاركوا بتعزيز مواقف القاعدة والجماعات المتطرفة، ورفع مستوى الفساد الإداري".
المؤتمر الشعبي
وعن الانقسام الحاصل بين قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام، أوضح تولر أنه يرغب في رؤية إنهاء الجدل القائم داخل الحزب "لأن حزباً كالمؤتمر الشعبي العام بهذا الشكل لا يفيد، فهو يضم كثيرا من التيارات السياسية في البلاد. وما يمكن أن أقدمه كنصيحة لأصدقائي في المؤتمر الشعبي العام هو أنه كلما طال الأجل قبل لملمة صفوفهم لتوحيد الحزب، فإنهم سيجعلون أولئك الذين لا يريدون خيرا للبلاد يتمتعون براحة أكثر. وآمل في أن يتمكن (المؤتمر) من تجاوز الأزمة والخروج منها، لأنه ليس حزبا خاصا بفرد، بل هو لليمنيين بأسرهم. وأعتقد أن هذا ينطبق على بقية الأحزاب اليمنية التي ينبغي عليها تقديم نظرة بعيدة عن الطائفية أو المناطقية بل أحزاب تخدم اليمن بكل شرائحه الاجتماعية".
قضية الجنوب
وأكد السفير تولر أن الملف الجنوبي كان مهما جدا في إطار الحوار الوطني. "فاليمنيون بأسرهم وليس فقط أولئك القادمون من الجنوب أدركوا أن هناك قضايا سياسية معينة معنية بالجنوب وكذلك الخلافات الموجودة، خصوصا أثناء الهيمنة السياسية آنذاك"، لذلك يعتقد السفير أن "أصوات الجنوبيين يجب أن تكون مستمرة في إطار أي عملية سياسية مستقبلية، ولا أعتقد أن أي مجموعة تحتكر ادعاء تمثيل الجنوب، وأنا أعتقد أن هناك البعض في الجنوب يرون أن مصالحهم مرتبطة بالبنية السياسية القائمة حاليا. وهناك آخرون يرون إيجاد مجموعات سياسية للتعامل مع مظالم يرونها".
"ولأن هذا هو الواقع في الجنوب"، يقول تولر "فإني أعيد وجهة النظر للمبعوث لأنه قبل التعامل مع القضية الجنوبية يجب أن تكون هناك حكومة قوية تعنى بشؤون اليمنيين بأسرهم قبل التعامل مع القضية الجنوبية". وتابع: "أعتقد أن أفضل السبل التي يتم التعامل خلالها مع القضية الجنوبية هي الحكومة اليمنية الأكثر شمولية". ويكمل: "أتفهم أن البعض يقول يجب أن نحل هذه القضية قبل القضية الجنوبية، وليس هذا ما أقوله وليست هذه رغبة المبعوث الأممي. جميعنا ندرك ونحترم القضية الجنوبية ومظالمها وجميعنا يرغب في التعامل مع هذا الأمر بأن تنتهي هذه المشكلة بشكل يضمن الديمومة والاستقرار".