القصة الكاملة لـ" أول متحولة جنسيا" في التاريخ
في قصة غريبة وصادمة، تعرف رجل يدعى إينار على شخصيته الدفينة "ليلي" بعد وقت قصير من زواجه بإمرأة تدعى جيردا في سنة 1904، وكانت جيردا رسامة موهوبة مختصة في رسم لوحات بورتريه للنساء في ثيابهن وحليهن الفاخرة لفائدة مجلات الموضة.
وخلال واحدة من جلسات الرسم خاصتها، تأخرت العارضة التي كان من المقرر لها رسمها ولم تحضر في نهاية المطاف، فاقترحت ممثلة صديقة كانت في الاستوديو آنذاك أن يكون إينار الزوج بدل العارضة المتغيبة لترسمه جيردا وكأنه امرأة. رفض الزوج ذلك المقترح في البداية لكن بإصرار من زوجته قبِل في نهاية المطاف، فارتدى ملابس راقصة باليه فاخرة وجلس لترسمه زوجته، وهناك عبّرت الممثلة عن انبهارها بجماله الأخاذ في هيئة امرأة. فقالت زوجته جيردا: "حسناً، سنسميك ليلي"، وفي ذلك اليوم وُلدت ليلي الشخصية الدفينة في إينار.
بعد سنوات من الصراع والمعاناة التي مر بها الرجل بعد اكتشاف الأنثى في داخله، هيمنت شخصية ليلي تلك المرأة التي لطالما شعر بأنها تمثل كل ما كان يرغب في أن يكون عليه، هذه المرأة التي ستصبح في المستقبل أول شخص يخضع لعمليات جراحية لتغيير الجنس، ممهدة بذلك الطريق لحقبة جديدة من فهم وحماية حقوق مجتمع الميم LGBT.
وصفت إلبي في سيرتها الذاتية كيف لعبت تلك الجلسة التي ارتدى فيها إينار ملابس راقصة الباليه دور العامل المفعِّل الذي فتح الباب أمام ليلي إلبي للبروز والخروج للنور في قولها: "لا يسعني نفي أنني استمتعت بنفسي كثيرا في ذلك الثوب، على الرغم من أن الأمر يبدو غريباً. لقد أُعجبت بملمس الثياب النسائية الناعم، لقد جعلني ارتداء تلك الملابس أشعر وكأنني حيث أنتمي لأول مرة في حياتي".
كانت جيردا دائماً تشجع زوجها إينار على ارتداء ملابس نسائية والتنكر تحت شخصية ليلي عندما كان الاثنان يخرجان معاً، وقد كانت الإثنتان تتأنقان في ثياب نسائية فاخرة وباهضة الثمن بالإضافة إلى الفراء النادر والحلي الفاخر، وكانتا تحضران الحفلات والتظاهرات الاجتماعية التي كانت تقام في المدينة، وكانتا تخبران الجميع بأن ليلي كانت شقيقة إينار العارضة التي أتت لزيارتهما ولمساعدة جيردا على رسم لوحاتها الفنية لفائدة المجلات.
بعد مرور الوقت بدأت الزوجة تشكك فيما إذا كانت شخصية ليلي مجرد لعبة صبيانية عابرة أم حقيقة متأصلة في نفس إينار، حيث أنه كان يبدو أكثر ارتياحاً وسعادة عندما يكون ليلي، وبعد فترة وجيزة اعترف إينار لزوجته بأنه لطالما كان ليلي في قرارة نفسه، وأنه أخيرا ترك شخصية إينار ترحل دون رجعة. على الرغم من أن علاقتهما كزوج وزوجة لم تعد قائمة بعد ذلك أبدا، غير أن جيردا لم تفارق ليلي وبقيت إلى جانبها دائما تؤازرها، ومع مرور الوقت أصبحت أكثر مشجعاتها والمدافعين عنها.
انتقل الزوجان إلى باريس، حيث كان بإمكان ليلي أن تعيش بحرية وانفتاح أكثر كامرأة مستقلة، واستمرت جيردا في الرسم مستعينة بـها كعارضة للوحاتها الفنية، التي كانت تقدمها لكل من كانت تتعرف عليهم على أنها صديقتها ليلي بدلاً عن كونها زوجها إينار. في تلك الأثناء كانت ليلي تعاني فيها من صراع داخلي مرير مع نفسها، فلم يكن العالم يعرف بعدُ للتحول الجنسي أي معنى، ولمدة ستة سنوات كاملة، عاشت ليلي إلبي في حالة اكتئاب قاتلة، فكانت تبحث باستمرار عمن يفهم مشاعرها ويساعدها في محنتها، وفي نهاية المطاف أصبحت تفكر جدياً في الانتحار، ثم علمت بأمر طبيب ألماني يدعى ماغنوس هيرشفيلد الذي افتتح في بداية عشرينات القرن الماضي عيادة عرفت باسم "المعهد الألماني لعلوم الجنس"، وفي هذا المعهد كان ماغنوس يدّعي أن كان يدرس أمراً عرّفه على أنه ”التحول الجنسي“، وأخيرا، وُجد مصطلح ومفهوم وتصور لما كانت ليلي تشعر به.
مما زاد حماسها، أن الطبيب ماغنوس افترض عملية جراحية يستطيع من خلالها تحويل جسم ليلي بشكل نهائي من ذكر إلى أنثى، ودون التفكير في الأمر بتاتا، قبلت بمقترحه وسافرت إلى ألمانيا مسرعة للخضوع للعملية الجراحية. خضعت ليلي لأربعة عمليات جراحية تجريبية كبيرة، والتي كان بعضها الأول من نوعه آنذاك. بقيت كل تلك الإجراءات الطبية التي خضعت لها مجهولة بتفاصيلها لأن المعهد الألماني لعلوم الجنس دُمِّر على يد النازيين في سنة 1933. بعد نجاح العمليات الجراحية أصبحت بذلك ليلي قادرة بشكل رسمي على تغيير اسمها بصورة قانونية، وحصلت على جواز سفر يصف جنسها على أنه أنثى لأول مرة في حياتها. للأسف لم تعش أحلامها طويلاً، فسرعان ما سقطت فريسة للمرض الشديد بعد خضوعها لعملية جراحية لزرع الرحم، وعلى الرغم من كونها كانت تعلم جيداً بأنها لن تشفى من مرضها ذلك، غير أنها كتبت رسائل كثيرة لأفراد عائلتها تصف فيها السعادة التي كانت تشعر بها بعد أن أصبحت أخيراً المرأة التي لطالما حلمت أن تكون عليها وبذلك حصلت أول عملية تحول جنسي في التاريخ، وفي عام 2015 أطلق فيلم يحكي قصتها تحت إسم "ذا دانيش غيرل".