عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

القضاء على الفساد


الفساد ليس فسادًا أخلاقيًا فحسب، لكنه الفساد المطلق الذى لا يترك مجالًا من مجالات الحياة إلا وسيطر عليه، فى الأخلاق والاجتماع والسياسة والاقتصاد والإدارة. ومؤشر الفساد هنا يزداد ويتصاعد، ففى ستينيات القرن الماضى تحدث رئيس الجمهورية عن عسكرى المرور الذى يتعاطى رشوة خمسة قروش، وكان الرئيس يعتبر أن هذا سلوك يهدد سلامة الدولة، وكانت أكبر جريمة وأكبر عار يلتصق بالأسرة وبالعائلة إلى الأبد عندما يكون أحد أفرادها مرتشيًا.. كانت الفتيات والنساء لا يلبسن حجابًا ولا نقابًا، بل يلبسن «مينى جيب»، ولا نجد هناك نسبًا للتحرش تذكر ذلك الحين، بل لم يكن التحرش هذا قد تم تداوله، كان التدين تدينًا حقيقيًا، نابعًا من إيمان حقيقى واقر فى القلب ويصدقه العمل.. إيمان موجّه إلى الله وحده، بلا مزايدة ولا مظاهر ولا متاجرة، ولذا كان الصدق حاضرًا، فكانت الأقوال تتسق مع الأفعال.. وهنا قد ضربنا المثل بالستينيات، حيث كانت هناك نتائج عملية معيشة لعدالة اجتماعية طالت الجميع وتقارب، وإزالة للفوارق بين الطبقات أشعرت المواطن بقيمته وبكينونته كمصرى يشعر أنه قد أصبح شريكًا فى ملكية وطنه، ولذا كان من الطبيعى أن تكون هناك حالة انتماء حقيقى، لا مظهرى ولا شكلى ولا شعاراتى لمصر.. وطن كل المصريين، ولكن رويدًا رويدًا كانت قد تغيرت السياسات، وتناقدت التوجهات، وتبدلت المبادئ، وغابت المشروعات القومية، فعادت طبقات جديدة بأساليب جديدة وعصرية، كان هدفها ومحتواها تزاوج الثروة بالسلطة، فوجدنا أصحاب الملايين المتوارين وراء السلطة نفاقًا وتملقًا يسيطرون على كل شىء وأى شىءو بلا مشروعية ولا شرعية، مسقطين القانون، مستهينين بالأخلاق، ومتظاهرين بالدين، فتحولت ملايينهم إلى مليارات بين لحظة وضحاها، فأصبحت لهم الأراضى والمشروعات والاستثمارات، وهم قلة قليلة لا تناسب على الإطلاق بينهم وبين جموع الشعب، الذى زاد عدده وتضاعف نسله، فزيادة نسل وغياب المشروعات القومية، وإلغاء التوظيف، وعدم تناسب فرص العمل مع الواقفين على بابه.. هنا تحول الانتماء إلى شكل وشعارات وأغان لا علاقة لها بواجبات الانتماء لمصرنا.. وكان من الطبيعى أن يسعى الفرد لأى طريق يسد به رمقه، فسقطت الأخلاق واختفت القيم، ولغياب الرؤية السياسية والاقتصادية الصالحة لمواجهة الواقع، ولتسيير دفة الحكم، تراكمت المشاكل، وتجذرت القضايا، وأصبحت المشكلة الاقتصادية همًا وذلًا طوال الوقت، ففقد الداخل أى قيمة حقيقية فى مواجهة أعباء الحياة، والتهم التضخم كل سبل المعيشة، هنا توفرت ماديًا إضافة للخواء الروحى، ولتناقض الفكر الدينى، وظهور تجار ومستغلى الدين.. كل أسباب ومسببات بل مبررات الفساد «لو كان الفقر رجلًا لقتلته».

كما أن ذلك الواقع الفاسد الذى كان يتوارى خلف شعارات كاذبة قد ظهر جهارًا نهارًا بلا حياء بعد الفوضى فى يناير 2011، وأصبح الفساد طبيعيًا، بل أصبح حقًا مشروعًا، علنيًا لا مخفيًا، فهلوة وشطارة وحق للانحراف وفضيحة، وبالطبع توازى مع كل ذلك الاستهانة بالقانون، نتيجة الرشوة الرسمية والمعلنة، وأصبح من يملك هو صاحب القرار، وهو فوق القانون، الشىء الذى أوجد خللًا فى العلاقات الاجتماعية بين الطبقات، مما أثر على العلاقة مع الدولة، حتى أننا وجدنا الفساد هو فساد دولة لغياب القانون وتطبيقه على الفقير وغير القادر.. جاءت 30 يونيو لتعيد الأمن والأمان وهيبة الدولة، وهناك محاولات للسير فى كل الطرق التى تحدثنا عنها سابقًا، خاصة إعلان السيسى محاربة الفساد بلا هوادة وبلا استثناء، وجدنا هيئة الرقابة الإدارية تقوم بالمهمة بشكل يعيد الثقة فى الدولة وفى القانون، الشىء الذى يعيد الانتماء إلى مكانه الصحيح والطبيعى ، رغم صعوبة العمل.