جزيرة "السواكن" تحالف تركي سوداني لمحاولة السيطرة علي "باب المندب".. كيف تأهبت مصر للمخاطر المستقبلية من جهة الجنوب؟
قرار الرئيس السوداني
عمر البشير وموافقته على تسليم تركيا إدارة جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر، لفترة
زمنية لم يحددها، وذلك حسب ماء جاء في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان،خلال
زيارته لدولة السودان، هذا القرار من شأنه أن يؤثر في التحركات المستقبلية بشكل او
بأخر للدولة المصرية.
تحركات الدولة
المصرية في ضوء تسلم "تركيا" للجزيرة يأتي من منطلق حماية العمق الاستراتيجي
لمصر، وأي تواجد لقواعد أجنبية في هذا العمق يؤثر بشكل أو بأخر على مسألة الامن القومي
والاستراتيجي.
-الأهمية الاستراتيجية
للجزيرة
ومما لا شكل فيه
وبغض النظر عن إعتبار دولة السودان بشكل عام عمقاً استراتيجيًا هاما للدولة المصرية
فإن جزيرة "سواكن" التي تبلغ مساحتها حوالي 20 كيلو متر ، تعتبر إحد النقاط
الرئيسية في تلك الأهمية لعدة إعتبارات خاصة بعد وضع تركيا يدها عليها :
-الجزيرة تبعد
عن الحدود المصرية بحوالي 330 كيلو متر في حين أنها تبعد عن العاصمة السودانية الخرطوم
بحوالي 642 كيلو متر.
-أي تواجد أجنبي
على الجزيرة من شأنه أن يسمح للدولة الاجنبية أن يكون لها دورا مؤثرا في حركة الملاحة
بمضيق باب المندب ، لتواجد المضيق على نفس الخط الملاحي القريب من جزيرة "سواكن".
والتواجد التركي
من شأنة أن يكون في وضع المراقب القريب على الاقل للحركة من والى باب المندب وتضييق
الخناق على حرية الملاحة بشكل أو باخر.
وتكمن أهمية مضيق
باب المندب في أنه أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها احتضانا للسفن، حيث يربط
بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7% من الملاحة العالمية،
وتزيد أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز.
-بسبب وقوع الجزيرة
على مياه البحر الأحمر فذلك سيتيح للقوات الاجنبية (في حال موافق السودان على حرية
حركة تركيا داخل مياهها الاقليمية ) مراقبة حركة السفن سواء التجارية او الحربية ،
علاوة على السفن المارة من وإلى قناة السويس المصرية.
-الرئيس التركي
الحالي رجب طيب أردوغان ينصب العداء للقيادة السياسية المصرية الحالية ولا يعترف بها
"حسب تصريحاته المتكررة منذ الاطاحة بحكم الرئيس المعزول محمد مرسي"،وبالتالي
فتحركاته على الجزيرة لن تصب بأي شكل في مصلحة مصر.
-التواجد العسكري
المتوقع لتركيا على "سواكن" سوف يكسبها نفوذا اضافيا في القارة الافريقية
خاصة مع إفتتاحها قاعدة عسكرية في العاصمة الصومالية مقدشيو في شهر سبتمبر 2017 وهي
القاعدة العسكرية الأكبر لها خارج حدودها.
-"سواكن"
وبسبب موقعها الجغرافي البعيد عن الرقابة المباشرة للدول وملاصقتها لمياة البحر الاحمر
قد يجعلها ملجأ للعناصر الارهابية المتطرفة في ظل حصارها في عدد من الدول وصعوبة وصولها
الى أرض سيناء المصرية "وهو الامر الذي كان قد أشار له اردوغان في حديث له يوم
5 ديسمبر 2017 حول إنتقال الارهابيين الى سيناء بعد قطع السبل امامهم في سوريا وغيرها"،
وبالتالي سيكون المنفذ الوحيد هو البحر الاحمر والملاذ الآمن لهم هو جزيرة مثل
"سواكن".
القراءة المستقبلية
لمصر
وبغض النظر عن
الوضع الجديد لجزيرة سواكن فالدولة المصرية كانت تدرك منذ فترة أهمية العمق الاستراتيجي
الجنوبي وكان لديها قراءة مستقبلية للمخاطر المحتملة ولذلك فقد إتخذت عدة إجراءات استباقية
لتأمين هذة الاتجاه سواء من ناحية البحر أو من ناحية الحدود البحرية بمياه البحر الاحمر،وتمثلت
اهم تلك الخطوات في الآتي:
-قامت مصر بتدشين
الاسطول الجنوبي في 5 يناير 2017 ،وهو عبارة عن اسطول بحري نقطة انطلاقه في ميناء سفاجا
البحري بالبحر الأحمر مهمتة فرض الحماية على الثروات وأيضا صد الاخطار من ناحية البحر
الاحمر وحماية حركة الملاحة، ويشمل الاسطول وحدات مقاتلة من اللنشات والمدمرات وحدات
المرور الساحلي ووحدات من القوات الخاصة البحرية وكذلك حاملة المروحيات المسترال،وهو
ما يتيح فرض سيادة كاملة على المياة الاقليمية المصرية ومواجهة أي خطر يهدد الامن القومي
للدولة.
-حرصت مصر على
توطيد علاقتها بشكل كبير مع الدول الكبرى المشتركة معها في الحدود البحرية بالبحر الاحمر
وعلى رأسها المملكة العربية السعودية واقامة تدريبات عسكرية مشتركة تتضمن العمل المشتركة
على حماية المخاطر البحرية خاصة من خلال التدريب السنوي المشترك "مرجان".
-العمق الافريقي
لمصر،كانت أيضاً على رأس تحركات القيادة السياسية ، فمثلا قام الرئيس الحالي عبدالفتاح
السيسي خلال 2017 بالقيام بزيارة 7 دول افريقية ، وهو ما يعطي قوة تواجد مصرية بالدول
الافريقية تنسحب بشكل او باخر على الدول المرتبطة بشكل مباشر بالتحرك الاستراتيجي في
البحر الاحمر.
-حرص مصر على التواجد
لتأمين باب المندب بإعتباره بوابة الأمان للملاحة في قناة السويس ، والتعامل المصري
ايضا مع الأزمة اليمنية والصراعات هناك والتي تقوم على مبدأ واحد وهو توفير حياة كريمة
للشعب اليمني دون الدخول في تحالفات المصالح الشخصية،جعل الموقف المصري قويا دون عدائيات
صريحة مع أي طرف في التعامل مع أية مخاطر قد تأتي من ناحية البحر الاحمر .
الخطوات المستقبلية
ومن خلال القراءة
السابقة يمكن أن نتوقع أن التحركات المصرية خلال الفترة المقبلة في هذا الملف يتتمثل
في عدة نقاط أهمها:
-مصر ستتحرك وبشكل
قوي لتنفيذ مناورات مشتركة مع الدول الصديقة والشقيقة للتدريب على أي مخاطر مستحدثة
في مياة البحر الاحمر.
-الأسطول الجنوبي
سيشهد مزيد من الدعم من خلال قوات متخصصة للتعامل مع الاخطار الجديدة المتوقعة.
-التحرك في مزيد
من التعاون مع الدول الافريقية المشتركة في الحدود بالبحر الاحمر ومنها جيبوتي واريتريا
لانها تمثل عمق استراتيجي مهم في البحر الاحمر.
-التواجد المصري
سيكون اقوى ايضًا على الحدود البرية مع السودان لغلق الطريق أمام أية مخاطر محتملة.