منتدى تعزيز السلم يختتم ملتقاه الرابع بخارطة طريق لمعالجة الإسلاموفوبيا
اختتم معالي الشيخ عبدالله بن بيه أعمال الملتقى السنوي الرابع لـ "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، الذي عقد في أبوظبي على مدى ثلاثة أيام (11-13 ديسمبر 2017)، بمشاركة نحو 700 شخصية من العلماء والعقلاء والمفكرين وممثلي الأديان على مستوى العالم. وتوجه معاليه بخالص الشكر للمشاركين، راجياً أن يكون الجهد المبذول ثمرة يانعة تستفيد منها الإنسانية. وتلطف معاليه، على جري عادته، بالإشادة بالعلماء والمفكرين والباحثين وجميع المشاركين، الذي دفعوا بأعمال الملتقى الرابع إلى ذرى جديدة، في تعزيز السلم والعافية وترسيخ ثقافة التسامح، على طريق أن تتحول سلوكاً يومياً للاجتماع البشري. وقال معاليه مخاطباً الحضور شعراً: لوعلمنا قدومكم لفرشنا مهج القلب أو رموش العيون.
وكان الدكتور أحمد السنوني منسق اللجنة العلمية في المنتدى، تلا البيان الختامي الذي خَلُص إلى جملة من التوصيات، أهمها تأسيس مرصد دولي للإسلاموفوبيا، يكون منبراً لدراستها علمياً، وتنظيم ملتقيات دولية للحوار بين الثقافات والأديان، وتقويم المنجزات، وتبادل الخبرات، وتوحيد الجهود.
البيان الختامي
وجاء في البيان أن ظاهرة الخوف من الإسلام تؤدي إلى أضرار بالغة داخل نسيج المجتمعات المركبة، وتتسبب بضرر فادح بنموذج العقد الاجتماعي، القائم على أسس المواطنة المتساوية؛ فضلا عن كون الظاهرة مجافية لميزان العقل والأخلاق؛ لأنها تغذي الكراهية والتمييز في الغرب، وهذا يرفد التطرف في الضفة الأخرى؛ بأسباب يتمسك بها في اكتساب نوع من الشرعية الموهومة. والمرعب في المسألة أنها تحصل في مرحلة تمتلك فيها البشرية أسلحة دمار شامل، مع غياب الضمانات الكافية لعدم استعمالها. ومع ذلك لا يجعلنا هذ المشهد المتفاقم أن نتغافل عن مواقف العقلاء في الغرب، وهم يمثلون شريحة وازنة في الأحزب ومنظمات المجتمع المدني.
وأضاف البيان أن ظاهرة الخوف من الإسلام تخدم نوعين من المتطرفين ،أحدهما يركب على مفاهيم دينية، يعزلها من سياقها؛ ليحارب بها العالم ويدمر وشائج التعارف والتعايش بين بني البشر، والثاني يوظف نفس المفاهيم المحرفة ليتهم دينا وأمة بالعنف والدموية، واستحالة التوافق مع قيم العصر ومشتركات الإنسانية. فالقول بعلاقة مزعومة بين الإسلام والإرهاب، يستنهض الذاكرة التاريخية، ويؤسس لحروب مفتوحة.
ويرى البيان أن علاج ظاهرة الخوف من الإسلام، يمكن مقاربتها على مستويات عدة، منها، تجديد النظر إلى المفاهيم الشرعية والأحكام الجزئية في ظل القيم الأربعة الحاكمة في الشريعة، "قيم الرحمة والحكمة والعدل والمصلحة". ما يفضي إلى توسيع فضاء التسامح والتعايش، وينزع تبريرات المتطرفين. وهو جهد، نراه ضرورياً داخل البيت الإسلامي؛ لهزيمة الفكر المتطرف. وهذا ما جعل "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" أن يختار موضوع " السلم العالمي والخوف من الإسلام: قطع الطريق أمام التطرف" عنواناً لملتقاه السنوي الرابع.
ومن المقاربات في علاج ظاهرة الخوف، اعتماد "الحوار مع الآخر"، للتفاهم على أشكال للتعاون البناء، ذلك لأن الاختلاف، لا ينفي بالضرورة، الإتلاف، وبخاصة إذا ما انطلق من الاعتراف بمجمل الأديان، والدعوة لتبني قيم خلقية مشتركة. ذلك لأن الأخوة الإنسانية، والحق في الاختلاف، وحرية التدين، والجدال بالتي هي أحسن، واعتبار المسالمة على بساط البر والقسط أصلا في العلاقات مع الآخرين، هي قيم ومبادئ، من شأنها تعزيز سبل الحوار والتعارف بين المسلمين وغيرهم. هذا فضلا عن أمكانية التحالف مع أولي بقية من أهل الأديان ومحبي الإنسان.
وقال البيان إن المنتدى يتطلع إلى مقاربة جديدة في علاقات المسلمين بغيرهم بل وفي العلاقات بين الثقافات والأديان عموما قوامها القبول بالاختلاف بدل النقد والاتهام المتبادل، وتحالف الجميع لخدمة الإنسان على هذه الأرض. فالديانات الإبراهيمية عندما تتصالح وتتصافح تستطيع تعزيز روح السلام في العالم، وتسهيل الولوج إلى طريق العدالة والخير ومعالجة المظالم والمظلوميات. إذ من دون القيم المستوحاة من الأديان، يعيش عالمنا اليوم تدهورا أخلاقيا مريعا لا يمنع معه التقدم العلمي ولا التطور التكنولوجي من وصول القيم إلى الحضيض. وتحالف القيم يمكن أن يقوم على ثلاثة عناصر جامعة للقيم المشتركة: التسامح، وقبول الاختلاف والتعددية، والحوار والتواصل. أما بشأن الوسائل التي تمكن من الحوار البناء، فيرى المنتدون أن الحاجة ماسة إلى مراجعة المناهج الدراسية في المجتمعات المسلمة في ضوء قيم الإسلام الأصيلة بما تضمنته من تسامح واحترام لبقية الأديان وحث على حسن المعاملة مع معتنقيها وبما تختزنه التجربة التاريخية للمجتمعات المسلمة في هذا المجال من ثراء وعطاء. فهذه المراجعة محتاج إليها أيضا على المستوى الدولي للتحقق من مدى استجابة المناهج الدراسية عموما لمقتضيات العيش المشترك وإشاعة قيم احترام الاختلاف والتعارف والتسامح والتضامن. ومن ضمن متطلبات ذلك "ميثاق شرف إعلامي عالمي ينضم إليه المؤمنون بهذا التوجه ويسعون إلى توسيع أنصاره وتضييق شقة الخلاف بينهم وبين معارضيه لمصلحة التعايش والسلم بين البشر".
وختم البيان بالتوصيات التالية:
- تأسيس مرصد دولي للإسلاموفوبيا يكون منبرا للدراسة العلمية لأسبابها ومظاهرها وقوة اقتراحية لسبل التصدي لها والتوعية بمخاطرها.
- تنظيم ملتقيات جامعة على الصعيد الدولي لمؤسسات التواصل والحوار بين الديانات والثقافات لتقويم المنجزات وتبادل الخبرات وتوحيد الجهود.
- تأسيس برامج علمية ومنح دراسية لتشجيع التعارف وتبادل الخبرات بين أقسام الدراسات الشرعية في جامعات العالم الإسلامي والجامعات المعنية بتدريس الأديان في الغرب.
- تشجيع البحث العلمي في الدراسات الإسلامية والإنسانية والاجتماعية في موضوعات التعايش والتعارف وتخصيص جائزة سنوية لأفضل الدراسات في هذا المجال.
ويهنئ المؤتمرون منتدى تعزيز السلم على احتضانه للقافلة الأمريكية للسلام -المرتكزة على إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في المجتمعات المسلمة- باعتبارها دليلا على إمكانية؛ بل ضرورة الشراكة الإيجابية من أجل التعايش السعيد. ويحدو المؤتمرين الأمل في أن تتطور هذه القافلة وترتقي إلى حلف فضول؛ لتجسيد القيم المشتركة، قيم السلام والمحبة والوئام بين ديانات العائلة الإبراهيمية؛ لتشع بعدها على الديانات والثقافات لصالح الإنسان والإنسانية.
كما يهنئونه باختيار المؤسسة المصرية "بيت العائلة" المجسدة لقيمة التعايش والشراكة بين الأزهر الشريف والكنيسة القبطية في تعزيز اللحمة الوطنية للفوز بجائزة مولانا الحسن بن علي للسلم.
وتركزت فعاليات اليوم الأخير على ثلاثة محاور رئيسية، وكل محور تضمن ثلاث ورش.
المحور الأول: تناول موضوع "إسلاموفوبيا اليوم"، فنظمت لهذا الغرض ثلاث ورش، عقدت الأولى بعنوان " الخوف من الإسلام .. الأسباب والسياقات"، وترأسها الدكتور يوسف حميتو عضو اللجنة العلمية في المنتدى. وتحدث فيها كل من: السيدة خولة حسن، مستشار في المجلس الإسلامي، وأستاذة في "إمام أونلاين"- بريطانيا. والدكتور جوزيف مسعد، أستاذ تاريخ الأفكار في جامعة كولومبيا، والدكتور نصر محمد عارف، رئيس قسم الحضارة الإسلامية في جامعة زايد، والدكتورة عائشة العدوية، رئيسة جمعية "كرامة".
أما الورشة الثانية فعقدت تحت عنوان "الخوف من الإسلام من منظور المسلمين في الغرب". وترأست الورشة الدكتورة أماني لوبيس، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، وتحدث فيها كل من: الدكتور محمد البشاري عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، والدكتور ستيفان ويدنر محرر مجلة "فكر وفن"، والدكتور شرمان جاكسون أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة ميتشغان، والدكتور هشام هيلر نائبا رئيس فريق عمل الحكومة البريطانية في معالجة التطرف .
في حين تناولت الورشة الثالثة موضوع "الإسلاموفوبيا والإعلام ووسائل الاتصال"، وترأسها بيتر ويلبي، مستشار في مركز "الدين الجيوبولوتيك" في بريطانيا، وتحدث فيها كل من: الدكتورة ربيعة شوذري، مستشارة قانونية ومقدمة برامج في نيويورك تايمز، والأستاذ إدريس الكنبوري، خبير بمركز أبحاث في مجلس الجالية المغربية بالخارج، والدكتور مدثر أحمد شريك مسير UNTAS للتواصل في بريطانيا، والدكتور مقصود كروز المدير التنفيذي لمركز "هداية".
المحور الثاني من أعمال اليوم الثالث جاء بعنوان "الإسلام والعالم – رؤية إسلامية للسلام العالمي". ونظمت لهذا المحور ثلاث ورش، حملت الأولى عنوان "من الدار إلى الجوار"، وعقدت برئاسة الدكتور محمد الخلايلة، مفتي الأردن، وتحدث فيها كل من: الدكتور عبدالله الجديع، مدير "مركز الجديع للبحوث والاستشارات" في ليدز – بريطانيا، والدكتور أحمد عبد العزيز الحداد، مدير إدارة الإفتاء بإمارة دبي وعضو مجلس حكماء المسلمين، والدكتور أحمد شحلان، أستاذ جامعي – المغرب.
أما الورشة الثانية فحملت عنوان "الجهاد في خدمة السلام"، وعقدت برئاسة الدكتور عبد الكريم شوقي علام، مفتي مصر. وتحدث فيها كل من: فضيلة الشيخ أسلمو ولد سيد المصطف، مستشار الوزير الأول الموريتاني، والدكتور عبد الحميد عشاق، عضو اللجنة العلمية في المنتدى، ومعالي الدكتور قطب سانو، وزير مستشار برئاسة جمهورية غينيا.
المناقشة
الورشة الثالثة حملت عنوان "السلم في مقاصد الشريعة الإسلامية"
وعقدت برئاسة فضيلة الشيخ محمد مختار ولد امباله، رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم في موريتانيا. وتحدث فيها كل من: السيد علي الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين، والدكتور عبد المجيد الصغير، أستاذ بجامعة محمد الخامس – المغرب، والدكتور عبد الناصر أبو البصل، رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية سابقا- الأردن.
المناقشة
المحور الثالث والأخير، كان بعنوان "الإسلام والعالم - مسارات التعارف والتضامن"، فحملت الورشة الأولى عنوان "من جهاد القتال إلى جهود الوصال.. من الصدام إلى التعارف"، وعقدت برئاسة الدكتور رافع طه الرفاعي مفتي العراق، وتحدث فيها كل من: الدكتور عطاء الله مهاجراني، عضو مجلس أمناء تعزيز السلم، والدكتور إبراهيم مشروح، عضو اللجنة العلمية في منتدى تعزيز السلم، والدكتور محمد السماك، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم.
أما الورشة الثانية فحملت عنوان "جسور التعارف ودوائر التضامن"، وعقدت برئاسة الدكتور عثمان بطيخ، مفتي تونس، وتحدث فيها كل من: الدكتورة عائشة حدو، مديرة مركز حوار الأديان وبناء السلام للبحث والتكوين التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، وتحدث فيها كل من: الدكتور أيريك جوفروي، متخص في دراسات الإسلام بجامعة ستراسبورغ، والدكتورة أمينة هوتي، المديرة التنفيذية لمركز "الحوار والعمل" في الولايات المتحدة.
في حين حملت الورشة الثالثة والأخيرة من أعمال الملتقى الرابع؛ عنوان "استشراف مستقبل التعارف والتضامن في المجال الدولي"، وترأسها محمد فطريش بن بكرام، مفتي سنغافورة، وتحدث فيها كل من: الدكتور مصطفى شريف، أستاذ جامعي - الجزائر، والدكتور عبد الجبار الرفاعي، أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة بغداد، والدكتور برين جريم، رئيس مؤسسة الحرية الدينية والأعمال - الولايات المتحدة، والدكتور إلواد علمان مدير البرامج والتنمية في مركز "إلمان للسلام وحقوق الإنسان" - الصومال.
النص الحرفي للبيان الختامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ومصدقا لإخوانه من الأنبياء والمرسلين عليهم سلام الله أجمعين؛ وبعد فانطلاقا من قول الله عز وجل (ياأيها الناس إنا خلقنكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. إن الله عليم خبير- سورة الحجرات: 13)
ووفاء من "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" بعهده ووعده في التصدي لدعوى الربط بين الدين والعنف بتفكيك منظومة المفاهيم التي يتوسل بها المتطرفون في تبرير العنف بالدين.
وقطعا للطريق على التطرف بتجفيف أحد منابعه وفك الارتباط بينه وبين أحد روافده المتمثل في إعلان المفاصلة النهائية بين المسلمين والعالم كله لإشعال حرب عبثية أبدية يخوضها الجميع ضد الجميع؛ مما يحقق للتطرف الديني ما يسعى إليه ويمنح في الآن نفسه لمشاعر الخوف ودعوات التخويف من الإسلام والمسلمين مسوغات التفاقم والتمدد.
ونظرا لكون هذا الخوف اكتسب أبعادا جديدة في الاتساع والتأثير؛ إذ تجاوز العالم الغربي فضلا عن تحوله إلى الإسهام في صناعة السياسات العامة في دول كبرى فيما يتعلق بالهجرة، وبتحديد الموقف من الأقليات المسلمة، بل وحتّى في توجيه السياسة الخارجية كالقرار الأخير باعتبار الولايات المتحدة القدس الشريف عاصمة لدولة إسرائيل الذي يخدم المفاصلة الدينية ولا يسعد به دعاة السلام؛ بل يسهم في الربط النكد بين الدين والعنف باستفزاز المشاعر وإذكاء نار التطرف والاحتراب.
فقد اختار منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة لملتقاه السنوي الرابع موضوع " السلم العالمي والخوف من الإسلام: قطع الطريق أمام التطرف".
واحتضنت أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة في عام زايد الخير وفي كنف رعاية كريمة من راعي المنتدى سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة -حفظه الله- هذا الملتقى الذي دعي إليه حوالي 700 مشارك من بلدان العالم المختلفة من علماء ومفتين وقادة دينيين ومفكرين وباحثين وإعلاميين، مع حضور وازن لصفوة من الوزراء ومسؤولي وممثلي منظمات دولية وإسلامية.
تطرق المؤتمرون في هذا الملتقى إلى موضوع الخوف من الإسلام من زاوية تأثيره على السلم العالمي في سياق دولي يطبعه الاضطراب والاحتراب، وتناولوا بالدراسة والتحليل أسباب الظاهرة وخطورتها وآثارها على السلم الاجتماعي والدولي مبينين في المقابل الرؤية الإسلامية الصحيحة للسلم العالمي المنسجمة مع مقاصد الدين وكلياته والمعززة بالتجربة التاريخية المتفردة في مجال التعارف والتعايش. كما قدم المؤتمرون رؤى استشرافية لمسارات التعارف والتضامن بين المسلمين وغيرهم وتجارب رائدة في هذا المجال كقافلة السلام الأمريكية التي احتضنها منتدى تعزيز السلم في أبو ظبي والرباط هذه السنة.
وبعد مناقشات طبعتها الصراحة والبحث عن تجاوز الأعراض والظواهر والاختلاف في التفاصيل إلى ملامسة الإشكالات الجوهرية في موضوع الملتقى والتحديات المشتركة التي يمثلها بالنسبة المجتمع الإنساني؛ خلص المشاركون في الملتقى الرابع لمنتدى تعزيز السلم إلى ما يلي:
أولا- خطورة ظاهرة الخوف من الإسلام وآثارها:
- إن خطاب الخوف من الإسلام يؤدي إلى أضرار عظيمة وشروخ جسيمة داخل نسيج المجتمعات المركبة ويضر بنموذج العقد الاجتماعي القائم على أسس المواطنة المتساوية؛ فضلا عن كونه مجافيا لميزان العقل والأخلاق.
- إن تنامي خطاب الكراهية وسياسات التمييز في الغرب يرفد التطرف في الضفة الأخرى بأسباب يتمسك بها في اكتساب نوع من الشرعية الموهومة ويمده بأوعية متجددة لتجنيد المزيد من الأتباع والدماء الجديدة.
-إن المرعب في واقعنا اليوم سواء تعلق بالتطرف الديني والمذهبي العقائدي، أو تعلق بظاهرة الخوف من الإسلام؛ أنه يواكب فترة زمنية تمتلك فيها البشرية أسلحة دمار شامل في إطار نظام عالمي قائم على توازن الرعب مع غياب الضمانات الكافية لعدم استعمالها؛ وخروج بعضها عن مراقبة الدول وسلطتها.
- إن هذا المشهد المتفاقم لا يجوز أن يُنسينا المواقف الحكيمة لحكومات غربية، ولأحزاب وازنة، ولقيادات دينية وشخصيات فكرية غربية مرموقة، ولغالبية هيئات المجتمع المدني التي تصدَّت لخطاب العنف والكراهية ضد المسلمين بالمبادرات القانونية وحملات التوعية والتضامن.
ثانيا- أسباب الظاهرة:
- إن أسباب الظاهرة متنوعة ومركبة ولكن تعاظمها نتيجة نقصان التكاثف والتواصل بين العقلاء والحكماء من الضفتين لقطع الطريق على خطاب الكراهية والتطرف وصيانة الأفراد والمجتمعات من الإرهاب المادي والمعنوي.
- إن هذه الظاهرة تكشف عن تخادم نوعين من التطرف: أحدهما يركب على مفاهيم دينية يعزلها من سياقها ليحارب بها العالم ويدمر وشائج التعارف والتعايش بين بني البشر، والثاني يوظف نفس المفاهيم المحرفة ليتهم دينا وأمة بالعنف والدموية واستحالة التوافق مع قيم العصر ومشتركات الإنسانية.
- إن السبب المهيمن الذي ينبغي تخصيصه بمعظم المعالجة هو العلاقة المزعومة بين الإسلام والإرهاب. ذلك أن الأحداث الدموية المروعة التي جنت فيها أقلية جاهلة مجرمة على صورة الإسلام وسمعة الغالبية العظمى من المسلمين عززت الذاكرة التاريخية المختزلة في الصدام بين الضفتين.
- إن الأديان ليست متهمة بالعنف ولكن صناعة التدين التي هي صناعة بشرية أحالت الدين من طاقة للسلام إلى وقود للنزاعات الدينية والسياسية فأضرت بمصالح المجتمعات والأوطان في حاضرها ومستقبلها.
- إن من المفارقات التي ترتبط بهذه الظاهرة في علاقتها بالمسلمين أنهم ضحايا من جهتين: فهم من جهة أكثر ضحايا الإرهاب، ومن جهة أخرى هم المتهمون الدائمون في جميع قضايا الإرهاب.
-إن ذكر الأسباب لا يعني محاكمة جهة ما أخلاقيا أو قانونيا. فالمنتدى يعتبر نفسه وشركاءه إطفائيين يبحثون عن مقاربة إيجابية تعيد الثقة بين المسلمين وغيرهم، وتجلي الصورة الحقيقية للسلم في الإسلام: دينا وثقافة وحضارة وتاريخا.
ثالثا- مقترحات للعلاج:
- إن "المنتدى" يعتبر أن وسائل تعزيز السلم التي يتبناها في المجتمعات المسلمة هي نفسُ الوسائل التي تنشر السلم في كل المجتمعات الإنسانية، لأن منغصات السلم وعوائقه واحدة في كل مكان، وهي جزء من ظاهرة الرُّهاب والخوف من الإسلام.
-إن "المنتدى" انسجاما مع مبادئه وطبيعة مشروعه لا يدعي الوصاية على مواطني الدول الأخرى فيما يلجئون إليه من الوسائل القانونية المتاحة لهم للتصدي لخطاب العنف والكراهية ولنيل حقوقهم، فلكل سياق خصوصيته ولكل مجتمع تنزيلاته الملائمة لأطر نظامه العامّ.
- إن علاج ظاهرة الخوف من الإسلام يمكن مقاربته من خلال دوائر ثلاث:
1- إعادة ترتيب البيت الإسلامي:
- إن المنظومة الفكرية في نطاق المجتمعات المسلمة في أمس الحاجة إلى تجديد بإبراز المناهج الصحيحة والمآخذ السليمة في التعامل مع نصوص الكتاب والسنة، فيعود الكلي حاكماً على الجزئي، ويجمع بين الأدلة عوض تجزئتها، وتصبح المقاصد مترجمة لمغزى النصوص ومبينة مدى تطبيقها ومبرزة سبيل انسجامها وتنسيقها.
- إن من أعمدة هذا التجديد النظر إلى المفاهيم الشرعية والأحكام الجزئية في ظل القيم الأربعة الحاكمة في الشريعة: قيم الرحمة والحكمة والعدل والمصلحة، واعتبار خطاب الوضع من شروط وأسباب وموانع ورخص وعزائم...شريكا في إنتاج الأحكام خاصة أننا نعيش اليوم واقعا جديدا يتمازج فيه البشر وتتجاور فيه المعتقدات ويحتكم فيه إلى مواثيق دولية؛ مما يجعله فضاء للتسامح والتعايش برغم ما يحدث فيه من اختلالات.
- إن ذلكم التجديد يعيد المفاهيم الشرعية التي يبرر بها الفكر المتطرف إرهابه الأعمى كالجهاد ودار الإسلام وغيرها إلى مضامينها الحقيقية ووظائفها الأصلية سياجا للسلم وصيانة للعيش المشترك.
- إن هذا الجهد داخل البيت الإسلامي ضروري لهزيمة الفكر المتطرف الذي يشوه الإسلام ويقدم الذرائع للكراهية والبغضاء، لأن العلاقة بين متطرفي الإرهاب ومروجي الكراهية علاقة تلازمية، فكل منهما يمد الآخر، ويؤثر كلاهما على الآخر تأثيراً طردياً وعكسيا.
-إن من المهام الحاقة لعلماء المسلمين أن يبصروا المجموعات المسلمة في المجتمعات ذات الأغلبية غير المسلمة، بأهمية تعزيز روح الاندماج في المجتمعات المحتضنة لها، والتصرف بحكمة إزاء ما قد يصيبها من تمييز وكراهية. فذلك لا يتعارض مع ولاء المسلم للدين والوطن الأم، لأن الولاءات لم تعد دينية محضة، بل صارت ولاءات مركبة ومعقدة تتحكم فيها عوامل متداخلة لا تنفصل عن بعضها، ودوائر ومراتب بإمكانها أن تتواصل وتتفاعل بدلا من أن تتصادم وتتقاتل.
2- الحوار مع الآخر:
- إن كل المجتمعات صارت خليطا من الأجناس والأعراق والأديان واللغات، وهذا التنوع في المنطق الديني والإنساني ينبغي أن يكون محفزا على العمل الإيجابي والتعارف والتعايش.
- إن الإيمان بالمطلق لا ينافي الاعتراف بالاختلاف ولا يناقضه فالاعتراف بأديان الآخرين مقتضى عدم جواز الإكراه في الدين.
- إن تبني قيم خلقية مشتركة مع الآخرين تقود إلى الانسجام والتعاون معهم والتصرف بإيجابية إزاء التحديات المشتركة.
- إن الأخوة الإنسانية، والحق في الاختلاف، وحرية التدين، والجدال بالتي هي أحسن، واعتبار المسالمة على بساط البر والقسط أصلا في العلاقات مع الآخرين هي قيم ومبادئ من شأنها تعزيز سبل الحوار والتعارف بين المسلمين وغيرهم.
3- التحالف مع أولي بقية من أهل الأديان ومحبي الإنسان:
- إن أمام العالم وأمام الأديان -وخاصة العائلة الإبراهيمية منها -تحديا تجب مواجهته لاقتراح حلول إبداعية تستثمر فيها مشتركات العدل والتنمية الاقتصادية والسلم الاجتماعي في أقصى الحدود. وهي متطلبات يجب أن تتبوأ أعلى سلم أولويات العالم مع وضوح في الرؤية يبعد شبح الحروب العبثية.
- إن المنتدى يتطلع إلى مقاربة جديدة في علاقات المسلمين بغيرهم -بل وفي العلاقات بين الثقافات والأديان عموما- قوامها القبول بالاختلاف بدل النقد والاتهام المتبادل وتحالف الجميع لخدمة الإنسان على هذه الأرض ليبادر الجميع إلى الفعل في الوقت المناسب؛ لأنه يخشى أن تصبح الأجيال المقبلة أسيرة سيرورات ليس لها عليها سلطانٌ كالنمو السكاني والتدهور البيئي والتفاوت بين الشمال والجنوب أو التمييز الاجتماعي.
- إن الديانات المنتمية إلى العائلة الإبراهيمية عندما تتصالح وتتصافح تستطيع تعزيز روح السلام في العالم وتسهيل سلوك طريق العدالة والخير ومعالجة المظالم والمظلوميات.
- إنه بدون القيم المستوحاة من الأديان يعيش عالمنا اليوم تدهورا أخلاقيا مريعا لا يمنع معه التقدم العلمي ولا التطور التكنولوجي من وصول القيم إلى الحضيض.
- إن تحالف القيم يمكن أن يقوم على ثلاثة عناصر جامعة للقيم المشتركة: التسامح، وقبول الاختلاف والتعددية، والحوار والتواصل.
رابعا- الوسائل:
- إن من الضروري إشاعة قيم السلم والتعايش والمحبة بين الأديان وبين بني الإنسان في مختلف منابر التأثير والتنشئة وخاصة تلك الموجهة إلى الطفولة والشباب، مع مزيد عناية بالجوانب الرمزية والإبداعية وبشبكات التواصل الاجتماعي لسهولة استعمالها واتساع نطاقها وفاعليتها.
- إن الحاجة ماسة إلى مراجعة المناهج الدراسية في المجتمعات المسلمة في ضوء قيم الإسلام الأصيلة بما تضمنته من تسامح واحترام لبقية الأديان والثقافات وحث على حسن المعاملة مع معتنقيها وبما تختزنه التجربة التاريخية للمجتمعات المسلمة في هذا المجال من ثراء وعطاء.
-إن هذه المراجعة محتاج إليها أيضا على المستوى الدولي للتحقق من مدى استجابة المناهج الدراسية عموما لمقتضيات العيش المشترك وإشاعة قيم احترام الاختلاف والتعارف والتسامح والتضامن.
- إذا كان ربط حرية الإعلام بالمسؤولية عن السلم الاجتماعي والدولي موضوع نقاش بسبب اختلاف السياقات الفكرية والثقافية؛ فإن الحاجة ماسة إلى ميثاق شرف إعلامي عالمي ينضم إليه المؤمنون بهذا التوجه ويسعون إلى توسيع أنصاره وتضييق شقة الخلاف بينهم وبين معارضيه لمصلحة التعايش والسلم بين البشر.
خامسا- التوصيات:
- تأسيس مرصد دولي للإسلاموفوبيا وأنواع الكراهية يكون منبرا للدراسة العلمية لأسبابها ومظاهرها وقوة اقتراحية لسبل التصدي لها والتوعية بمخاطرها.
- تنظيم ملتقيات جامعة على الصعيد الدولي لمؤسسات التواصل والحوار بين الديانات والثقافات لتقويم المنجزات وتبادل الخبرات وتوحيد الجهود...
- تأسيس برامج علمية ومنح دراسية لتشجيع التعارف وتبادل الخبرات بين أقسام الدراسات الشرعية في جامعات العالم الإسلامي والجامعات المعنية بتدريس الأديان في الغرب.
- تخصيص جائزة سنوية لأفضل الدراسات الإسلامية والإنسانية والاجتماعية في موضوعات التعايش والتعارف.
ويهنئ المؤتمرون منتدى تعزيز السلم على احتضانه للقافلة الأمريكية للسلام -المرتكزة على إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في المجتمعات المسلمة- باعتبارها دليلا على إمكانية بل ضرورة الشراكة الإيجابية من أجل التعايش السعيد. فقد أظهرت هذه المبادرة إلى أي حد يمكن للعائلة الإبراهيمية أن تمارس قيم التعايش والأخوة الإنسانية عمليا وليس فقط نظريا. ويحدو المؤتمرين الأمل في أن تتطور هذه القافلة وترتقي إلى حلف فضول لتجسيد القيم المشتركة قيم السلام والمحبة والوئام بين ديانات العائلة الإبراهيمية لتشع بعدها على الديانات والثقافات لصالح الإنسان والإنسانية.
كما ينوهون باختيار "المنتدى" للمؤسسة المصرية "بيت العائلة" للفوز بجائزة مولانا الحسن بن علي للسلم؛ نظرا لما تجسده هذه الشراكة بين الأزهر الشريف والكنيسة القبطية من قيم التعايش والتعاون وتعزيز اللحمة لوطنية.
ويطيب للمشاركين في الملتقى الرابع لـ"منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" ، أن يعبروا عن شكرهم الجزيل وثنائهم الجميل لدولة الإمارات العربية المتحدة على كرم الضيافة وحسن الوفادة؛ رافعين أسمى عبارات الامتنان إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وأمتعه بدوام الصحة والعافية، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وإلى أصحاب السمو حكام الإمارات؛ حفظهم الله.
وفي الختام يضرع المشاركون إلى العلي القدير أن يتغمد بواسع رحمته الأب المؤسس الشيخ زايد ويديم على دولة الإمارات ثمار ما غرسه في هذه الأرض الطيبة رحمة ورخاء وأمنا ومحبة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.