عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

اولاد الشوارع .. اولاد الوطن وهم اولي بالوطن منا جميعا!


كعادتي اتكلم كلما تكون الكلمات تعطي قدراً كبيرا من الإلحاح بداخلي فكما تعلمون اننا اصبحنا في وقت الكلمات فيه لا يعطي لها أهمية كبيرة بل لأشياء أخرى نعلمها ويعلموهاً ولا يعلم تداعياتها و مداها الا الله بالرغم من أن كل الأنبياء جميعاً قد بٌعثوا وحاربوا من اجل كلمة!

وحتى لا نتطرق إلى قضايا يسميها البعض انها فلسفة التعامل بين البشر والقائمين علي أمور دنياهم وانها تعد من القضايا الثانوية التي يحرم التحدث فيها حتى لا يقوم البعض بالتصنيف المباشر!؟

بعيداً عن ذلك وفي مشهد من المشاهد التي لن انساها ابداً في حياتي مادمت حياً مشهد لم يكتبه أعظم الروائيين ولا أكبر المفكرين مشهد كنت فيه انا مجرد دور ثانوي أمام البطل الصغير،
بطل مصري فريد من نوعه عمره لا يتجاوز ست أو سبع سنوات معدودات حتى لم يتعد سنه حدود اليدين الاثنين، كان يمشي كعادته أمام المقهى الذي يرتاده دوما اصدقائي وانا معهم كنت اراه دوما يمد يده علي زوار المقهي من اجل حفنة من الجنيهات المعدودة، بمنتهي قسوة القلب الذي لم اعتد عليها ابدا،
تصورت انه من الأطفال الذي يتبعون عصابات جمع الأموال عن طريق استجداء عواطف المارة فرفضت حتى النظر اليه، كنت ارفض دوما التعامل معهم تصورا اني بذلك اعطيهم شرعية لفعلتهم وتنظيماتهم،حتى كنت في هذا اليوم المشؤوم كنت جالسا وحدي ويأتي هذا الصغير يمد يده من أجل جنيهاً أو نصفه أو حتى ربعه،

نظرت في عينيه بعمق فارتعدت خوفاً من الله تعالى وارتعدت علي الوطن!
نعم ارتعدت خوفاً ليس منه ولكن خفت علي وطني الذي رأيته داخل عيون هذا الصغير الجميل الذي تسكن روحه فطرة بيضاء خلقها الله تعالى فينا جميعاً بداية من أغنى الناس قوة ومالا وحتى أكثرنا حاجة وضعفاً، فما كان مني إلا أن كنت سائلاً بضعة اسئلة ليتني ما سألتها،
• انت اسمك ايه؟ وكانت اجابته "أنا عبد الله"
• عندك كام سنة يا عبد الله؟ وكانت اجابته هي إشارة بأصابعه الصغيرة مكونا بها 6 أصابع مرفوعة وبعدها رفع السابع وقال "هما بين 6 أو 7 انت اختار"

وبدأ يكون أكثر الحاحاً علي طلب المال من أجل أن يكمل جولته علي من يرتادون المقهى المعروفين بالسخاء معه، فتكون داخلي الحاحاً اكثر حتى اسمع منه أكثر فكنت واعداً بإعطائه ما يريد فقط يجيب علي اسئلتي وما كان لي إلا أن أكملت معه اسئلتي مدفوعاً،
• انت بتشحت ليه يا عبد الله حد بيخليك تعمل كده غصب عنك؟
وكانت اجابته بمنتهى البراءة "لأ"
• طب انا مصدقك انت باباك فين؟ وكانت اجابته "بابا مات من وانا صغير"
• ومامتك فين؟ "امي .. امي مشوفتهاش"
• اخواتك أي حد من اهلك؟ قال "اخواتي موجودين علي باب الله كل واحد لوحده"
بعدها أخذ ما في يدي من نقود اعددتها من أجله ثم ركد في الشارع كأي طفل يمارس أدنى حقوقه علي وطنه وشركائه في الوطن بل علي الانسانية جمعاء!
هل تأثرت بما قاله البطل الصغير الذي يقاتل كل يوم من أجل البقاء نقياً بينما نحن نتحارب علي الهضبة وبرج الحوت ومن سيتزوج من ومن يقوم بشتم من ومن سيقوم من خلفهم بجني الأرباح!

هذه التجربة دعتني اركض نحو الانترنت حيث البحوث والنسب والاستقصاءات ومن ثم كتابة موضوع جيد لعلي أصيب من الحقيقة ولو قطرة ولكن توقفت للحظة بعد أن اكتشفت انني حتى اكون علي دراية بالمشكلة يستوجب علي عقلي أن يكون أكبر من فكرة دراسة السببية في صنعها،

وقررت اقتحم دوائرهم المغلقة مجتمعهم الموازي مجتمع رغم ما يحدث فيه لكنه خالي من الزيف، كل يعرف حقيقة الآخر متقبلها اخوة متحابين يقدرون حجم ما فيه من معاناة اقتحمتها وهم يُقدرون من يقتحمها و يشعرون بالطمأنينة من خلال عينيه،
نعم يا سادة هذا ليس مشهد درامي ولا خيال مؤثر ولا حساسية مفرطة ولا هي سعي نحو الأفلاطونية الحديثة، انهم يشعرون وهم أكثرنا جميعاً ذكاء وفطنة وقوة وجلد،
وعند التفكير العميق في أن صغارهم حين يكبرون ماذا سيصبحون في صراعات الشارع علي البقاء والوجود سيصبحون أكثر شراسة وحدة في تعاملهم مع المجتمع، وكبارهم وهم تائهين هائمين يمكن للبعض أن يكون جزء من تشكيلات عصابية تضر بأمن المجتمع، أو قد يستغلها البعض في الإضرار العمد باعمق درجات الأمن القومي، فـ شعور المواطن بالأمن لا يتوقف علي درجة الجاهزية الأمنية فقط، فالأمن شعور ينبع من داخل الشعور المجتمعي وله عدوي الانتشار بين أقرانه،

والان ارى من بعيد من يتكلم بمنتهى الاستعلاء والفوقية ويقول أن الفلسفة الأمنية هي وحدها الكفيلة بالتعامل مع هذا الملف، فمن يتكلم بهذا المنطق إنما هو لا يملك الا عين من زجاج وقلب بارد ولو تصور لحظة أن يكون في صراع الوجود وكيف له من تحولات في المؤشرات الاجتماعية النفسية الجماعية لما قال هذا بشكل ابسط لو تخيل نفسه مكانهم لما قال هذا!

فكان حواري مع هؤلاء الاولاد الشباب يتلخص في سؤال هام ووجودي ويغفل الكثير عنه بعيداً عن الأسئلة المعتادة سؤال سهل وغير معقد وبالعامية هو
" إذا حد قالكم خد الكيس ده وارميه هناك ولا هنا وخد أي فلوس تطلبها تعمل كده!؟ "
وكان الرد صاعق حيث قالوا جميعهم بعقل جماعي متوازي متوازن رغم العشوائية في ترتيبهم للكلمات قائلين
"لا يا بيه احنا ممكن نكون فينا كل العبر انما احنا فاهمين يعني ايه اللي بتقوله ممكن يكون الكيس ده فيه حاجه تأذي الناس، احنا مش قتالين قتله احنا عارفين يعني ايه أذي... "

وما كان إلا سؤالا آخر متلاحق للأول وهو لما لم تذهبوا إلى أحد الملاجئ التي نعرفها!؟
وكانت الإجابة منطقية وهي أنهم كيف يذهبون إلى ملجأ لرعاية الاولاد والشباب القائمين عليه يتعاملون معهم علي أنهم حشرات يجب إبادتهم حتى يستطيع المجتمع أن يبيت في امان وانهم يكفي انهم يبيتون في مأوى عليهم أن يكتفوا بذلك!
وقالوا حرفياً " يا بيه بياكلوا عرقنا لو اشتغلنا ولو حد جابلنا حاجه بياخدوها ويمنعوها علينا وبياكلوا من ورانا عيش احنا فاهمين، ومحدش يحب الشارع وعيشته بس هو احن علينا وأحسن لينا من كل الناس ! "

خرجت وانا احمل ذيول الخيبة ورائي لا املك سوى كلمة طيبة وابتسامة وفكر قد تحول وتغير تماما وأفكار عديدة تصول في رأسي،
هذا وانا ادعو علي نفسي بأني جزء من المجتمع المدني ولي باع فيه وواحد من الذي يقول ويتكلم وله القدر القليل من توصيل الكلمة إلى من هم أولو الشأن بالوصول إليها،
وبكل هذا أحسست بالعجز الشديد تجاه الطفل البريء الذي لا يعرف في الحياة من يحنو عليه سوى ربه ولا عن فاقدي الأمل من شبابهم علي مستقبل أفضل ينشدونه، وهو أن يكونوا نافعين في المجتمع جزء هام فعال للوطن،

ومن ثم شعرت بالخجل من نفسي أكثر علي كل ما كنت اتنافس عليه والجميع فيها متنافسون عارفين ومقدرين، المجتمع المدني حقاً وبمنتهى الصدق اقول لكم:
"نحن مجتمع مدني عاجز" لا يعبر لا عن المدنية ولا عن المجتمع! ورسالتي لن تكون لكم ابداً

ورسالتي إلى السيد الرئيس وهو المعني كونه مسؤول عن أمور البلاد وأحوال العباد، انظر لهم جيداً، قد ذكرت في حديث سابق أنك لا تريد للمجتمع أن يصبح مجتمع مشردين بسبب ارتفاع معدلات الطلاق.

السيد الرئيس أود أن أقول ومع احترامي أن العشوائية الحقيقية هي عشوائية العقول في التعامل مع مثل هذه الأزمات، فلنجعل من هؤلاء الشباب طاقة وقوة يد يمتاز بها المصريين.

من يستطيع منهم التجييش فليكن ويدخل في زمرة المقاتلين والله سوف يكونوا أكثر شعورا علي الوطن وشجاعة من غيرهم، ومن ليست لديه القدرة على الجيش وتدابيره فليكن منتج نافع لوطنه فهو أولى به مننا جميعاً وأحق بالرعاية ايضاً
وشكرا سيادة الرئيس..