عاجل
السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

الإرادة والإختيار


جلس يحملق في فنجان القهوة، مقطب الجبين زائغ النظرات، وقد نسي وجودي تقريبًا رغم أنني قد جئت بناءًا على طلبه. كان هذا حاله حين بادرته بالسؤال "خير إن شاء الله". بدأ يصف لي حالة الإحباط والإكتئاب التي أصابته في الآونة الأخيرة. لقد تخطي سن الأربعين مؤخرًا...وقد صدمه هذا الشعور..أحقًا مرت كل تلك السنوات من عمره؟.. وجعلت الأسئلة تتزاحم في رأسه.. من أنا؟؟ وماذا حققت لنفسي؟؟ كيف ولماذا وصلت إلى هذا الحد من الإنسياق وراء نمط حياة لا أذكر إني قد إخترت منه شيئا؟؟ وإلى أين تمضي بي الأيام دونما إرادة مني أو قدرة على إدارة دفتها كما أود وأرجو؟ هل بإمكاني أن أفعل شيئا حيال ذلك الوضع وأنا غارق حتى أذني في إلتزامات مادية وأدبية؟.

تركته يسترسل في وصف مشكلته النفسية ومشاعره حيالها ليفرغ تلك الشحنة السلبية التي صدمته وأربكت حياته ووقف أمامها عاجزا عن التفكير، ثم بادرته بالسؤال "هل تراك تذكر حديثي معك منذ ما يقرب من خمسة عشرة عاما، كنت وقتها قد بلغت الخامسة والعشرين من عمرك لتوَك، كنت ممتلئ حيوية ونشاط، تنظر للحياة نظرة متفائلة مستهينة بأي عقبات أو مصاعب. حكيت لي عن الوظيفة التي رشحها لك أصدقاءك من العاملين في أحد المؤسسات الكبري. يومها قلت لك إنتبه لسنين عمرك حتى لا تنساب من بين أصابعك دون أن تدري..فكل ما فعلته حتي الآن وما أنت بصدده، ساقتك إليه الظروف..أو مقترحات الآخرين...يومها قلت لك إبتداءا من الآن وحتى أعتاب الخمسين سوف تبني كفاءاتك وخبرتك الوظيفية بصورة تراكمية توصلك إلى المهنية في المجال الذي إخترته. ونصحتك أن تتوقف لتسأل نفسك ماذا أريد؟ وكيف أرى المستقبل؟ وأين وكيف سيكون وضعي بعد عشر سنوات من الآن؟ وما هي الكفاءات والقدرات التي سوف أحتاج إليها لأحقق ما أصبو إليه؟..هل تراني أمتلكها؟ أم أنني في حاجة لإكتسابها وتعلمها؟؟ هل تراها مهارات يمكن إكتسابها؟؟ أم إنها موهبة لا أملكها وبالتالي لا ينبغي أن أهدر طاقتي فيها.

قلت لك بالحرف يومها خطط لحياتك ولا تترك قيادها من بين يديك حتى لا تفاجأ في يوم من الأيام أن عمرك قد إنتصف ولم تنجز شيئا.. حتى لا تجد نفسك محصورا في إطار لا تحبه. ساقتك إليه الأقدار لكسب العيش، حتى إنسابت الأعوام من عمرك واحدة تلو الأخرى وأنت على درب لم تختره بإرادتك ولا تود أن تكمل فيه حياتك. ساعتها تكون المهمة أصعب، لأن هناك أوضاعا وإلتزامات مختلفة تكون قد ترتبت على ما أصبحت فيه.. ويصبح تغيير المسار، إن أمكن، عالي التكلفة وغير مضمون النتائج.
لماذا نترك أنفسنا وننساق أمام ما يراد بنا؟ لماذا لا ننظر إلى الحياة بجدية؟ لماذا نجري وراء الأسهل والمتاح والطريق الذي لن يكلفنا كفاحا وتعبا لنتعلم ونصل لما نطمح إليه؟

يا صديقي العزيز، أنا لا أؤنبك..أنا فقط أذكرك بأهمية أن تفهم نفسك جيدا وتفكر في ما تطمح لتحقيقه في حياتك..إرادتك الحرة وطموحك وقدرتك على تقييم ما تحتاج لإكتسابه من مهارات وقدرات هي التي سوف تحدد مسار حياتك..زمامها بيدك، فأحسن الإختيار وإبذل الجهد والعرق لتصل إلى مبتغاك. حدد طريقك بإختيارك وإدفع ثمنه كفاحا وجهدا وعرقا.. تصل إلي مبتغاك وتبدع في المجال الذي تحب وتهوي.. هذا هو الإستثمار الأمثل للعمر والجهد.. الإستثمار الذي لا يستطيع أحدا أن ينتزع منك ثماره.. هذا هو الإستثمار الوحيد الذي سوف يجنبك أن تجد نفسك في يوم من الأيام محبطًا مهزومًا تبحث عن نفسك فلا تجدها.