عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

الغلاء الفاحش


لا تكاد تخلو جلسة أو حديث بين المصريين الآن إلا وتكون الشكوي من الاسعار والوضع الاقتصادي شاغلة للحصة الكبري من وقت تلك الجلسة أو ذاك الحديث، ولا تقتصر تلك الشكوي علي فئة دون اخري أو طبقة دون أخواتها.. فالوضع أصبح صعبا علي جميع المواطنين تقريبا باختلاف انتمائهم الطبقي سواءاً كان المواطن ينتمي إلي الطبقة الفقيرة (وهي الآن أصبحت تمثل السواد الأعظم من الشعب المصري) أوالطبقة المتوسطة (والتي تمثل الترتيب الثاني من حيث التعداد أو ما يطلق عليهم باللغة العامية فئة الناس المستورين، والتي تتقلص باستمرار وتفقد قوامها لصالح الطبقة الفقيرة) أو الطبقة المتوسطة العليا (والتي تشكلت في السنوات العشر أو الخمسة عشر الأخيرة من صغار ومتوسطي المستثمرين، والموظفين الكبار سواءا حكوميا أو في الشركات المالتي - ناشونال .. تلك الفئة التي تتراوح دخولها الشهرية الآن بين مبلغ 20 إلي 30 ألف جنيه) فحتي تلك الفئة الأخيرة لم يعد بمقدورها أن تحتفظ بنفس نمطها المعيشي والاستهلاكي التي كانت تعيشه !! ولا نستطيع أن نستثني الآن من التأثر بالوضع الاقتصادي سوي الطبقة الغنية والتي لا تتجاوز نسبة 5% من التعداد السكاني لمصر بأية حال!!>

وفي الوقت الذي تشير فيه الأصابع نحو الدولة وقياداتها باعتبارهم المسئولين عما وصلت غليه الأمور؛ وبين مهاجم ضاريا لهم ومنافح مستميتا عنهم دعونا نحن نحاول أن نتفهم الوضع الحالي بعقلانية الحصيف وأن نفنده بتريث الفطن بعيدا عن ولولة وعواء المتربصين وكذا أوهام وبطلان المتملقين، ليكن السؤال حاليا والذي أهدف للإجابة عنه هو: ما الذي يحدث حاليا؟ وما الذي تهدف له الدولة؟!.

وفي معرض الاجابة عن هذا السؤال يجب التأكيد علي كون إجابتي عبارة عن رؤية خاصة، وما هي إلا محض استنباط لمجريات الامور.. فلا أدعي العلم ببواطن الأمور وخفاياها، وأيضا لا أدعي الإطلاع علي حقيقة الأشياء وما في ثناياها.

الاجابة ببساطة شديدة هي أن كل ما يحدث من غلاء للمعيشة بصورة ضارية ، وارتفاع للأسعار بشكل مبالغ فيه، وكساد رهيب للأسواق، وارتفاع لسعر الدولار بشكل جنوني ، وانهيار لسعر الجنيه بشكل غريب.. إلخ إلخ كل ما يحدث هذا يصب في صميم مصلحة الدولة والحكومة لتعزيز وضعها الاقتصادي والمالي مما يؤكد أن ما آلت إليه الأمور هي من صميم الخطة الاقتصادية التي تسير عليها الدولة وليس بأن الأمور خرجت عن السيطرة كما يحلو للبعض أن يُظهر!!.

وقبل أن يسارع أحد باتهامي بالتملق والتطبيل للدولة والحكومة دعوني أشرح كيف يكون هذا الوضع المعيشي الصعب في مصلحة الدولة والحكومة، ومفتاح الشرح هنا يكمن في سعر الدولار.. فالجميع يعرف أن مصر دولة استهلاكية وليست منتجة، وأن الثقافة السائدة عند الشعب المصري هي ثقافة استهلاكية لا تتلائم مع مستوي الانتاجية الضعيف لمصر.. فبشكل عام لا مانع أن يكون المجتمع استهلاكي شرط أن يكون منتجا كذلك، لكن أن يكون مستهلكا فقط فهنا تكمن المشكلة التي تسببت في هذا الوضع الصعب للاقتصاد المصري مثل العجز الكبير في الميزان التجاري المصري (الفارق بين الواردات والصادرات) ليصل إلي 37.6 مليار دولار في العام المالي 2015/2016، وتسببت أيضا في وصول مستوي التضخم إلي 25% كما تسببت في العديد من المؤشرات السلبية الاخري، وقبل أن يبادر أحد لإلقاء المسئولية علي الشعب أو يتهمني برفع اللائمة عن الحكومة والدولة أقول أن هذه الثقافة الاستهلاكية مسئولية مشتركة بين الشعب والحكومة، كما أن التأخر الشديد في اتخاذ الخطوات والقرارات الاقتصادية ساهم في استفحال تلك المشكلة!.

وعليه أقول أن ما يحدث حاليا هو الدواء المر الذي رأت الدولة أنه لابد من الالتزام به.. فخطوات الدولة الآن تعمل علي مشكلة الثقافة الاستهلاكية اللعينة.. بأن تجعل الاستهلاك أمرا صعبا في ذاته فيتجه السوق رغما عنه للانتاج.. فالسوق كان يعتمد علي الاستيراد بشكل اساسي وكامل أما الان فإن عملية الاستيراد أصبحت مغامرة محفوفة بالمخاطر.. فالمستورد وبعد تضاعف سعر الدولار أصبح لزاما عليه أن يضاعف سعر سلعته كذلك، ومع ثبات مستوي الدخول والاجور أصبح لا يستطيع أن يبيع سلعته ولكي يبيعها فإنه يضطر إلي تقليل هامش ربحه أو إلغائه من الاساس مما يجعله لا يعيد كرة الاستيراد مرة اخري، ومما يخلق حالة من الكساد في كافة الاسواق المعتمدة علي الاستيراد ومن ثم تقليل عملية الاستيراد برمتها.