قوات حرس الحدود "عيون مصر الساهرة".. 5200 كيلو متر فى قبضة الرجال.. الفرد المقاتل "ركيزة أساسية".. تحديث ممنهج ومستمر للمنظومة.. والروح المعنوية سر النجاح
فى كل ليلة جديدة، تهدأ نفوس وتغمض عيون، على امتداد الأرض يخرج ملايين الناس من عالم الحركة إلى عالم الثبات، يغيبون عن إيقاع الحياة اللاهث والصاخب إلى مساحة من الراحة والوداعة والدعة، فقط يبقى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ليلهم كنهارهم، وإيقاع حياتهم واحد، وعيونهم مفتوحة على اتساعها لا يلتقى جفناها، رجال حرس الحدود الذين يحملون على عاتقهم مهمة تغليف هذا الوطن بغلاف من الأمن والثقة والاستقرار، كأنهم الضلوع التى تصنع قفصًا صدريًّا يحوط القلب ويحفظه، ومهما تخيلت أو أعملت فكرك فى تخيل واقعهم وشكل حياتهم، لن تقع على الحقيقة الكاملة إلا إن عشت عيشتهم وخضت تجربتهم، وكان لنا هذا الشرف بزيارتهم ومشاركتهم جانبًا من جوانب حياتهم الشريفة والملهمة.. ثلاثة أيام هى قوام رحلة "العربية نيوز" إلى الحدود الدولية الغربية، فى زيارة لقوات حرس الحدود المصرية، بدأت بالسفر من أحد المطارات العسكرية بالقاهرة باتجاه النقطة الحدودية، وكان الهبوط فى المطار العسكرى المقابل بعد رحلة مجهدة على متن الطائرة، كنوع من الوقوف على مسرح العمليات الحربية.
"كل الجيش المصرى سواء"
لا تتفاجأ وأنت فى الطائرة أن بجوارك جنديًّا يجاوره قائده، فكل الجيش المصرى سواء، كلهم فى طريق واحد لحماية الوطن والحدود، وكلاهما يسعى لحمايتك وحماية الشعب بأسره.
"الأمانة - الشرف - التضحية"، شعار أبطال قوات حرس الحدود، "عيون مصر الساهرة" كما يُطلَق عليهم، رجال يحمون ما يقرب من 5200 كيلو متر إجمالى حدود الدولة المصرية، سواء كانت حدودًا ساحلية أو برية، على 4 اتجاهات استراتيجية مختلفة، تتنوع تضاريسها وطبيعة أرضها ومسرح عملياتها، ما يزيد من مسؤولية هؤلاء الأبطال فى ضرورة اليقظة الدائمة لحماية الأمن القومى المصرى.
"عيون ساهرة ومواجهات قوية"
قوات حرس الحدود لها تاريخ مشرف من النضال الوطنى على مر عقود طويلة، ومنذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 حتى الآن، تجلى دور أبطال قوات حرس الحدود فى حماية أمن وسلامة الشعب المصرى وحماية مقدراته، إذ خاضوا مواجهات قوية مع المهربين وأباطرة التجارة غير المشروعة وتهريب السلاح والمخدرات وسماسرة الهجرة غير الشرعية، على مختلف الاتجاهات والمحاور، وبعد نجاح ثورة 30 يونيو 2013، ظهر واضحًا حجم التحديات التى تواجهها الدولة المصرية، ومنها تحديات تهريب الأسلحة والتجارة غير المشروعة، خاصة بعد الصراعات الحالية فى ليبيا، على تخوم الحدود الغربية لمصر.
"خطة القيادة العامة"
وقد وضعت القيادة العامة للقوات المسلحة بعد ثورة 30 يونيو، خطة من أجل القضاء على ظاهرة التهريب على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، وحاليًا تشهد الحدود الاستراتيجة للدولة المصرية أعلى جاهزية للمراقبة ورصد أية محاولات للتسلل أو التهريب والهجرة غير الشرعية، كما شهدت الفترة الماضية انضمام أحدث المعدات لقوات حرس الحدود، بما يساعد القوات فى كشف عمليات التهريب والتسلل التى تتم على الحدود المختلفة بشكل كامل وسريع، وتمتلك قوات حرس الحدود أجهزة عالية التقنية، رادارية وحرارية، وأجهزة رؤية ليلية، من أجل ضبط الحدود الغربية الملاصقة لدولة الجوار "ليبيا"، كما تستخدم تلك الأجهزة الحديثة على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية.
وهناك تعاون بين جميع أفرع وتشكيلات وإدارات القوات المسلحة، لمواجهة عمليات التهريب وضبط الحدود، إذ تعمل القوات المسلحة من خلال منظومة متكاملة، يتم خلالها تنفيذ عمليات استطلاع جوى على مدار 24 ساعة، ليلاً ونهارًا، بالتعاون مع عناصر حرس الحدود والقوات البحرية والبرية وأجهزة الاستطلاع وجمع المعلومات، فى إطار منظومة متكاملة تعمل بتناغم تام لحماية حدود الدولة المصرية المختلفة.
"العنصر البشري"
الفرد المقاتل هو الركيزة الأساسية والرئيسية فى منظومة القوات المسلحة بشكل عام، وفى قوات حرس الحدود، إذ توفر القيادة العامة للقوات المسلحة كل السبل المعيشية والإدارية لبناء فرد مقاتل، قادر على تنفيذ أيّة مهمة يُكلّف بها لحماية الأمن القومى المصرى، وعملية التطوير التى شهدتها وحدات قوات حرس الحدود خلال الفترة الأخيرة كانت كبيرة جدًّا.
وعملية تطوير قدرات الفرد المقاتل، سواء كانت تدريبية أو معيشية أو إدارية، لا تتوقف عند مستوى معين، فتوفير بيئة حياة كاملة، ملائمة للعمل ومحفزة معنويا ونفسيا، هدف رئيسى لكل القيادات، كى تتم الاستفادة من الفرد المقاتل لتنفيذ المهمات الموكلة إليه، ويحرص قادة قوات حرس الحدود على تأهيل المقاتل بشكل علمى وبدنى وتثقيفى وتدريبى، وبمستوى جيد، من أجل تنفيذ المهام الموكلة إليه بكفاءة وإتقان، فيتعلم جندى قوات حرس الحدود، الانضباط والاعتماد على النفس، والاستفادة بكل إمكانيات البيئة المتاحة، للوصول للشكل النموذجى للإنسان الذى يكون قدوة لكل من حوله.
"تحديث مستمر"
تتم عملية رفع كفاءة وحدات قوات حرس الحدود بصورة سريعة، وبأحدث الوسائل والتقنيات، سواء إداريًّا أو لوجستيًّا أو تدريبيًّا، إذ توفر قوات حرس الحدود الظروف والمناخ الجيد للمقاتل، وذلك فى إطار توجيهات من القيادة العامة للقوات المسلحة، بأهمية الاهتمام بالفرد المقاتل معيشيًّا وتدريبيًّا، والوصول به إلى أعلى معدلات الكفاءة الفنية والقتالية.
"مشاهد من الصحراء"
فى الثانية عشرة ظهر اليوم الأول من الزيارة، وبعد أداء الصلاة، اخترقنا الصحراء، كانت اللافتات تشير إلى أن كيلو مترات قليلة تفصلنا عن الحدود الغربية لمصر، لا يفاجئك وأنت تمر بتلك الصحارى الشاسعة، أن هناك رجالاً وهبوا أنفسهم للدفاع عنها وعنك، ويصطفون فى كتائبهم وسراياهم متيقظين لكل حدث طارئ وكل أمر جلل.
"القرار يتخذ فى ثانية"
زار محرر "العربية نيوز" إحدى كتائب قوات حرس الحدود، الواقعة فى المنطقة الغربية العسكرية، والقريبة من الحدود الليبية، حيث تغطى الكتيبة جزءًا كبيرًا من حدود مصر الغربية، ويتفرع من تلك الكتيبة عدد من النقاط والتمركزات المنتشرة على طول الحدود الدولية، وكما يؤكد قيادات السلاح فإن أبناء حرس الحدود مثل الجبال، قادة مناطقهم، وقادرون على اتخاذ القرار فى ثانية واحدة، للحفاظ على أرواحهم ومن ورائهم أرواح الآلاف.
شاهدنا داخل الكتيبة عرضًا لاصطفاف المعدات التى تستخدمها قوات حرس الحدود فى حماية الدولة المصرية وحدودها الممتدة، وتشمل أجهزة رصد ورؤية ليلية ورادارات ومركبات، إضافة لسيارات ضخمة مجهزة بوسائل معيشية وإدارية ولوجستية على أعلى مستوى، هى من يصاحب قلوب الرجل وعزائمهم فى مأمورياتهم الطويلة، التى قد تستمر أيامًا.
تحدثنا مع رجال الكتيبة وقادتها، فى البداية قال النقيب مقاتل محمد عبد المنعم، قائد سرية بقوات حرس الحدود، إنه يتم غرس روح الفريق الواحد داخل المقاتلين المستجدين بقوات حرس الحدود، وكل أفراد حرس الحدود، من قيادات وضباط وضباط صف وجنود، يفدون بعضهم فى ميدان العمل، ويتعاملون مع العدائيات المختلفة بروح واحدة، ليس فيها كبير أو صغير.
من جانبه، قال الملازم مقاتل موسى صلاح، أحد ضباط قوات حرس الحدود المنوط بها تأمين الاتجاه الاستراتيجى الغربى، إن وظيفته تحتم عليه إبلاغ قائد السرية بأى تحركات مشبوهة داخل المناطق الحدودية المحظور التواجد بها، والتى يستخدمها المهربون فى أعمالهم، مؤكّدًا أنه يخدم فى حرس الحدود منذ ستة أشهر تقريبًا، كقائد فصيلة على خط الحدود الدولية الغربى، ومهمته مراقبة واستطلاع والإبلاغ الفورى لقائد السرية عن أى جديد فى حينه، ومن مهامه أيضًا مكافحة الإرهاب بكل صوره وأشكاله، والقبض على المتسللين وتسليمهم للجهات الأمنية، متابعًا: "شاركت قبل ذلك فى عدة ضبطيات، منها أسلحة وسجائر مهربة وترامادول، وغيرها من الممنوعات، فالمهرب هدفه جمع الأموال، ولهذا ينقل كل شىء ولكل من يدفع له".
بدوره، يؤكد الملازم أول سعيد العزب، أنه يخدم فى قوات حرس الحدود منذ عامين، وتتبقى له ثلاثة أشهر فى خدمته كضابط احتياط بالقوات المسلحة، إذ يعمل قائدًا لفصيلة الإشارة، ومهمته المكلف بها الحفاظ على كل الوصلات اللاسلكية بين السرايا والنقاط، والتبليغ بأى عدائيات أو مطالب للنقاط المنعزلة، مشيرًا إلى أنه طوال خدمته أبلغ القيادات بكثير من قضايا التهريب المختلفة.
وشدد الملازم أول "العزب"، على أن الحدود الغربية آمنة تمامًا، ولا يمكن لأى مهرب أو متسلل أن يعبر من الأراضى المصرية أو إليها، فى كل الأحوال سيقع فى أيدى قوات حرس الحدود، متابعًا: "ضمن مهام عملى المراقبة والاستطلاع ومكافحة الإرهاب والقبض على المتسللين، ورصد تحركات مهربى المواد المخدرة والأسلحة والمواد غير الخالصة جمركيًّا".
ويقول الجندى مقاتل رجب جمعة، أحد أبطال قوات حرس الحدود المستجدين، إنه خلال ثلاثة أشهر فقط تعلم قوة التحمل والجدية ومعنى الرجولة والفداء، مضيفًا: "رأيت بعينى كيف يدافع أبطال القوات المسلحة عن تراب الوطن فى أصعب الظروف دون تقصير، ومدى تضحيتهم فى الدفاع عن أمن وسلامة الشعب المصري ضد المخاطر والتحديات المختلفة التى يواجهونها يوميًّا".
وعن تفاصيل يوم فى حياة بطل بقوات حرس الحدود، يقول الجندى مقاتل عبد العزيز محمد، إنه يستيقظ مع زملائه فى السادسة صباحًا، مع سماع نوبة الصحيان، ثم يتم التجمع فى أرض الطابور لعمل تدريبات طابور اللياقة لمدة ساعة، بعدها يتوجهون لتناول وجبة الإفطار فى صالة الطعام "الميس"، ثم بعد ذلك يصطفون فى أرض الطابور مرة أخرى، لتوزيع المهام عليهم، إذ يقوم كل فرد بمهمة محددة يتم التدريب عليها باستمرار بشكل يومى.
من جهته، أكد العريف مقاتل عماد كمال، أنه يقوم بتدريب وتعليم المستجدين من أبطال قوات حرس الحدود على أساسيات الأجهزة التى يستخدمها المقاتل فى تنفيذ مهام التأمين للاتجاه الاستراتيجى الغربى، وكذلك تدريبهم عمليًّا من خلال تدريبات واقعية فى أثناء عمليات التفتيش والتأمين الدورية، لشرح كيفية تنفيذ كل المهام بمنتهى الدقة والسرعة، سواء فى تحديد موقع الهدف أو الوصول إليه والتعامل معه، وكشف عن أن الأجهزة الأساسية التى يتدرب عليها المقاتل تتنوع بين "أجهزة رؤية ليلية متنوعة يتم تثبيتها علي البنادق المستخدمة أثناء العمليات - أجهزة تحديد المواقع Gps - نظارة الميدان - بوصلة لتحديد الاتجاهات - أسلحة خفيفة ومتوسطة يتم استخدمها لتنفيذ المهمات وفقًا لتقديرات الموقف وظروف كل مهمة".
ويضيف العريف مقاتل محمد قاسم، أنه يستقبل الدفعات الجديدة بعد انتهاء فترة إعدادها الأساسية فى مركز التدريب، ثم يبدأ دوره فى التأهيل النفسى والمعنوى لهم، وشرح قيمة الدور الوطنى الذى يقوم بها أبطال حرس الحدود فى منع تهريب المواد المخدرة لداخل البلاد، والتى تسبب فى تدمير الشباب المصرى، وكذلك تعريفهم بخطورة الأسلحة والمتفجرات التى يحاول المهربون إدخالها إلى البلاد بطريقة غير شرعية، بهدف ترويع الآمنين وإرهابهم.
"أكمنة على الطريق"
فى اليوم الثانى من الزيارة، كان الاستيقاظ قبل صلاة الفجر، وعبر سيارات مجهزة، دخلنا عمق الصحراء، لمسافة تزيد على 100 كيلو متر، بدون شبكات هاتفية، قابلنا على الطريق مجموعة أكمنة تحكّم، يقف فيها جنود وضباط وضباط صف، لتأمين الطريق وقطعه أمام أى عناصر تهريب قد تكون أفلتت من القوات المتقدمة، وصلنا فى السادسة صباحا، ومع أشعة الشمس الأولى، إلى إحدى نقاط الربط الحدودية.
فى البداية أكد لنا الرائد مقاتل "محمد"، قائد نقطة المرور، أن هناك مجموعات عمل تنفذ الربط على الحدود الدولية على مدار 24 ساعة، وإذا تم رصد أى اختراق أو تحرك غير قانونى، يتم إبلاغ جميع نقاط الربط للتنسيق واتخاذ اللازم، مشيرًا إلى أن مواجهة العناصر الإجرامية وعمليات التسلل والتهريب ومكافحة الإرهاب، تمثل أهم مهام النقاط والتمركزات الثابتة على خط الحدود الغربى، وكذلك تأمين الأفواج السياحية.
وأضاف الرائد محمد: "علشان نرتقى بالمقاتل يجب رفع لياقته البدنية، للوصول به إلى معدلات أداء قوية، ولازم مقاتل حرس الحدود يتحلى بالصبر والجلد، والتدريب الجيد على البقاء داخل الصحراء لأسابيع، وتعليمهم الاعتماد على أنفسهم فى تجهيز كل مستلزمات معيشتهم والحفاظ عليها، وعلى الجندى أن يثق فى إمكانياته، ويحافظ على سلاحه، ولذلك يتم رفع روحه المعنوية بشكل كافٍ، ليشعر أن كل مشاكله محلولة، وكل فرد فى موقعه أثناء العلميات، يعتبر صاحب قرار، ويتخذ ما يلزم من إجراءات فى أسرع وقت ممكن، وفق ما تدرب عليه فى مواجهة التحديات المختلفة والمتنوعة، التى تختلف من منطقة لأخرى، ومن ظرف لآخر"، مشدّدًا على أن الروح المعنوية هى العنصر الأساسى فى نجاح مقاتل حرس الحدود.
"مطاردة حية"
كما شارك محرر "العربية نيوز" فى عملية ملاحقة للمهربين عبر الحدود الغربية، إذ وردت معلومات من قوات الاستطلاع الخاصة بإحدى نقاط المرور، تفيد باختراق سيارة دفع رباعى الحدود إلى داخل البلاد، وعلى الفور تم تجهيز وحدة من قوات حرس الحدود، وفى أقل من خمس دقائق تحركت المعدات اللازمة لضبط الهدف بعد تحديد مكانه بدقة.
وداخل بحر الرمال المتحركة، كانت معدات قوات حرس الحدود تتحرك بسرعة الريح، حتى وصلت إلى الهدف فى أثناء تسلله لداخل الأراضى المصرية، وحاولت إيقافه، إلا أنه حاول الفرار، فكان الرد بطلقات تحذيرية أجبرت سائق السيارة المستخدمة فى عملية التهريب على التوقف، وتبين أنها محملة بـ 80 كرتونة سجائر مسرطنة، يقودها شخص يدعى "صافى مصطفى"، وبصحبته أربعة آخرون، وبسؤاله قال إنه يهرّب السجائر والمواد المخدرة من الجانب الليبى، من خلال أحد السماسرة، مقابل 60 ألف جنيه للعملية الواحدة.
"سلاح الرؤساء"
من واقع حرس الحدود إلى تاريخها، تحمل هذه القوات المهمة تاريخا كبيرا وناصعا، شهد أسماء وقيادات مهمة فى تاريخ العسكرية المصرية، ومن أشهر رجال حرس الحدود كل من الرئيس الراحل محمد نجيب، والرئيس الراحل أنور السادات، والمشير عبد الغنى الجمسى، كما أن قوات حرس الحدود هى من نجحت فى القبض على صفوت حجازى، أحد أبرز الداعمين السابقين للرئيس المعزول محمد مرسى وجماعة الإخوان الإرهابية قبل هروبه إلى ليبيا.