انها مصر يا سادة
وما مصر مصرٌ ولكنها .. جنة فردوس لمن كان يبصر.
بهذه الكلمات وصف عمرو بن العاص بلدنا الطيب هذا بعد أن من الله عليه بفتحها قبل مايربوا علي أربعة عشر قرنا ً من الزمان, لم يكن الفاتح عمرو مبالغاً في وصفه هذا فهكذا رآها ومثله نراها نحن الذين أكرمنا الله بالإنتماء إليها.
وإن كنا نري أن مقولته هذه لم تكن هي التكريم الأعلي لمصر , فقد أكرمها الله وكرمها من فوق سبع سماوات بأن خصها بالذكر في كتابه العزيز لمرات عديدة , ولعل في ذلك دلالة علي إنفراد مصر علي سائر بلدان الدنيا بأنها في معية الله يحفظها بقدرته التي لا تضاهيها قدرة , مهما حاول الأشرار أوالموتورين استهدافها أو النيل منها.
وظلت علي مدار عمرها المديد الضارب في عمق الزمن رسوخاً وطناً واحداً وجسداً صامداً ً بمسلميه ومسيحييه رمحاً ردينياً يفقأ عين كل حاقد أو متآمر.
وسأقوم هنا بإذنكم وسماحكم بالحديث عن الحادث الأخير, وأعني به الجريمة البشعة التي إقترفتها أيدي آثمة لفرد مغيب أو مجموعة من المجرمين الذين لا يرعون سالت علي أثرها دماء مصرية لمواطنين مصريين يقومون بأداء طقوسهم الدينية في رحاب بيت من بيوت الله أقيم علي أرض مصرية !!.
وعلي عكس ماهو متوقع ..
فإنني سأبتعد بالحديث عن الجريمة ذاتها وكيفية وقوعها , فلن أتحدث لا عن اجراءات الأمن والتأمين بالطرق التقليدية , في الوقت الذي تستخدم فيه الدول المتقدمة للأشعة السينية في الكشف عن المتفجرات , ولا عن ضرورة تزويد المنشآت بكاميرات المراقبة , بل لن أتحدث عن الإرهابي المنفذ أو عن ظرفه الاجتماعي الذي حوَله من شاب في مقتبل عمره ناهيك عن كونه طالب بكلية العلوم أي أنه من المتفوقين في الثانوية إلي إرهابي , لن أتحدث أيضاً عن مايمكن إتخاذه من تدابيرأمنية , أو توجيه المواطنين إلي أهمية المشاركة المجتمعية , وأن يكون المواطن إيجابياً في الابلاغ عن أي ساكن جديد بشارعه أو منطقته , لايعرفه وتدعوا تحركاته للريبة , لضمان عدم تكرار مثل تلك الجرائم مرة أخري , سأترك الحديث في هذه الأمور إلي أهل الإختصاص.
وسأكتفي بالحديث عن مشهد واحد استوقفني وترك في نفسي بالغ الأثر , مشهد واحد لكنه قام بتلخيص الحالة المصرية في لقطة لم تتجاوز الدقيقتين.
شيخ أزهري جلس يقرأ آيات من القرآن الكريم ( قرآن المسلمين ) في سرادق عزاء مسيحي تعلوا رأسه سورة للعذراء يحيط به المسيحيين منصتين خاشعين إلي تلاوة من سورة مريم !!
مشهد لايمكن بأي حال من الأحوال أن تراه في بلد غير مصر , سأكتفي فقط بالإشارة إلي هذا المشهدوماحواه من دلالات علي ترابط للشعب المصري.
قد يبدو الأمر طبيعيا ً لو ذهب الشيخ لتقديم العزاء في جاره المسيحي , ولكن أن يقوم بالتلاوة دون أن يعترض طريقه أحد الحضور , وكلهم أو أغلبهم بالطبع من المسيحيين , فهو مشهد لم تعتده العين!!.
ولكن فيم العجب ؟ إنها مصر تسمي ..
مصر التي حار العالم في فهمها ووقف عاجزاً علي مر الزمن في أن يفك طلاسمها أو أن يجد لها كتالوجاً يمكنه من خلاله التعرف علي طريقة السيطرة عليها ولكنه فشل , تماماً مثلما فشل كل من حاول النيل منها عن طريق الغزو أوالحروب , وكانت أرضها دائماً مقبرة للغزاة الطامعين.
مشهد الشيخ المسلم القارئ للقرآن الكريم في السرادق المسيحي هذا رسالة من مصر إلي كل أشرار الأرض مفادها .. أنكم لن تقدروا علي أيها الأشرار مهما كيدتم لي أو تآمرتم علي فكفوا عن غيكم وعودوا.
وإن أردتم الدليل علي فشلكم .. فقط انظروا إلي ذلك المشهد.
وأخيراً نقول..
بدأت مقالي هذا بعبارة لعمروإبن العاص , وسأنهيه بمقولة للحجاج بن يوسف وإن إختلفت معه عن أهل مصر يصفهم فيها بأنهم " صخرة في جبل كبرياء الله تتحطم عليها أحلام أعدائهم وأعداءالله".