الهجمات تتزايد ضد المساجد فى اسبانيا.. مرصد الأزهر: المواطنون يتأثرون بحملات الكراهية التى تشنها وسائل الإعلام على الإسلام.. وحكومة الباسك تتخذ تدابيرها لمنع العنف
رصدت وحدة الرصد باللغة الإسبانية التابعة لمرصد الأزهر للغات الأجنبية، موجة من العنصرية استهدفت بعض المساجد في إسبانيا، الدولة التي تربطها بالمسلمين علاقة تاريخية وثيقة، وعلى الرغم من الحضارة الإسلامية العظيمة للمسلمين التي خلّفوها في إسبانيا، وتركهم العديد من المساجد التي تعبر عن روعة الحضارة المعمارية الإسلامية، إلا أنه بعد سقوط غرناطة عام 1492 تهدمت تلك المساجد وحُول كثير منها إلى كنائس.
وقال المرصد فى تقريره، إنه لُوحظ خلال الفترة الأخيرة تزايد موجة الهجمات على المساجد في إسبانيا، من خلال رسومات عنصرية على جدران المساجد أو كتابة عبارات مسيئة للإسلام، أو التلطيخ بدماء الخنزير، أو محاولة حرقها عن طريق بعض الجماعات العنصرية المناهضة للإسلام والمسلمين، وذلك عقب الهجمات الإرهابية للمتطرفين باسم الإسلام في بعض المدن الأوروبية أو من خلال الفكر الأيديولوجي لتلك الجماعات، فضلًا عن الصعوبات التي تواجه المسلمين في بناء المساجد في إسبانيا خلال الوقت الراهن، والتي أدت إلى احتجاجات عدد من المواطنين ضد بناء المساجد نتيجة لتأثرهم بحملات الكراهية التي تشنّها وسائل الإعلام "ضد الإسلام" أو رفض السلطات المحلية بنائها، وعدد المرصد تنوع الهجمات العنصرية ضد المساجد في إسبانيا ومنها:
"رسومات عنصرية"
ففي أوائل عام 2015 على، ظهرت عدة رسومات عنصرية على جدران مسجد "استريتشو" Estrecho في مدريد، وهو ثاني أكبر مسجد في العاصمة، وهذه الرسومات تحمل عبارات مثل: "الإسلام خارج أوروبا"، "أبناء العاهرات"، "لا للإسلام"، "الكلاب"، وجميعها مرسوم يظهر بجوارها الصليب. كذلك ظهرت رسومات عنصرية باللون الأحمر في مقر الجمعية الإسلامية في بلدية "خريث دى لا فرونتيرا" Jerez de la Frontera في قادش، بها عبارات مثل: "هُنا يصلي القتلة"، "عودوا إلى بلدكم"، بالإضافة إلى بعض الصلبان المرسومة على الأبواب.
وحدث نفس الشيء على جدران مسجد "سان خوان دى لوس لاجوس" San Juan de los Lagos في مقاطعة برغش. وفي بلدية "تينيرياس" الإسبانية بتاريخ 09/11/2016 اكتشف المسؤولون عن المسجد الإسلامي رسومًا مسيئة ضد الدين الإسلامي والمسلمين، وقدّم القائمون على المسجد شكوي إلى الشرطة في إقليم الباسك وإلى المسجد المحلى لحذف هذه الرسوم.
"حرق المساجد"
وفي ظل تنوع العنف ضد المساجد، قام مجهولون في 14 /11 /2015 عقب هجمات باريس الإرهابية بمحاولة حرق مسجد ببلدية "دون بينيتو" الإسبانية، وكان المسجد في ذلك الوقت فارغًا ومغلقًا، وأسفر الحريق عن إلحاق أضرار بمدخل المسجد، ولم يسفر الحادث عن أية إصابات. كما ظهرت تهديدات جديدة للمسلمين في بلدة Ariznabarra في إقليم الباسك وذلك بعد الدعوة إلي يتم النداء عليهم ب"القتلة". ودعا مجهولون المسلمين بمغادرة إسبانيا، وكان نص الرسالة: "اذهبوا إلى بلادكم يا قتلة".
"دماء الخنزير"
في ظل متابعة هذا التنوع في تدنيس مقدسات المسلمين، قام مجهولون بتاريخ 15 /3 /2016 بتلطيخ جدران مسجد بدم الخنزير في حي "ثابالجانا" في مدينة "فيتوريا" الإسبانية، كما لطخوا بهذه الدماء سقف المسجد الذي لا يزال تحت الإنشاء، وقاموا بإلقاء قطع مختلفة من لحم الخنزير في أنحائه. وليست هذه هي الحالة الأولى في مدينة فيتوريا، بل حدث نفس الأمر في يوليو 2011 حيث ألقى بعض العنصريين بأجزاء من لحم الخنزير على المصلين.
وبعد استنفاد جميع السبل لمنع بناء مسجدٍ في منطقة "لاس بالماس" حيث يعيش ما يقرب من 20 ألف مسلم، ظهرت بعض الكتابات ضد الإسلام وكذلك رأسي خنزير في موقع كان يُخطط فيه لبناء مسجد، حيث شوهدت كتابات نحو: "العديد من السكان المحليين لا يريدون بناء المسجد والقيام بذلك يبدو مبالغًا فيه". كانت السلطات المحلية قد رفضت من قبل بناء المسجد بحجة التأثير البصري على السكان من خلال المئذنة، وأن ارتفاع المسجد لا يتطابق مع متطلبات خطة الإدارة العامة للمنطقة.
"الصليب وشعار النازية"
وبطريقة أخري، وفي 12 /04 /2016 قام متطرف برسم العديد من الصلبان والرموز النازية على جدران مسجد "بارلا"، بالإضافة لوضع دم الخنزير في ساحة المسجد، وقد تمكنت الشرطة من القبض على الجاني الذي عبّر عن تعاطفه مع أيديولوجية اليمين المتطرف، وتبيّن أنه كان متورطًا بالفعل في هجوم مماثل على مسجد في "فيتوريا". وفي "سالامانكا" حَمَل مجموعة من النازيين العديد من اللافتات في الشوارع مثل "أوقفوا الإسلام" وقاموا بإلصاقها على أحد المساجد. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت رموز يهودية مثل نجمة داود المغلقة داخل دائرة سوداء، وتعتبر من أهم رموز الشعب اليهودي، وذلك على واجهة مسجد بلدية "إرون" في مقاطعة "غيبوثكوا" التابعة لمنطقة إقليم الباسك شمال إسبانيا .
"هجوم بقنابل الغاز"
وفي 23 /03 /2016 تعرض مسجد "M-30" وهو أكبر مسجد في إسبانيا لهجوم بقنابل غاز من قبل أنصار منظمة اليمين المتطرف، في أعقاب التفجيرات التي شهدتها العاصمة البلجيكية بروكسل. ونفذت المجموعة الهجوم، وقاموا بوضع لافتة كبيرة كُتب عليها "اليوم بروكسل وغدا مدريد؟". وتقول المجموعة المتطرفة إن هذا العمل كان موجها "ضد المساجد"؛ ولتبرير هذا العمل قال المتحدث باسم مجموعة إن "مسجد M-30 يتم تمويله من قِبَل تنظيم داعش، وهو الاتهام الذي تم نشره في وسائل إعلام مختلفة.
وسلط المرصد الضوء على قيام العديد من المنظمات الحكومية والغير حكومية بالتنديد بتلك الأعمال المتطرفة والتأكيد على السلام والتعايش ونبذ التعصب في إسبانيا؛ لأن تلك الهجمات تعزز الكراهية داخل المجتمع، لافتةً إلى أنه من الخطير ربط الأديان بالإرهاب.
كما أنه يجب التفريق بين الشعب المسلم وأولئك الذين يستخدمون الإرهاب لتدمير المبادئ والحريات الديمقراطية. فقد أكد "استيبان إيبارا" رئيس حركة ضد التعصب أن المستفيد الوحيد من هذه الأحداث هي الجماعات اليمينية المتطرفة، وندّد بالتهديدات والشتائم الموجهة ضد للمسلمين.
كذلك صرحت "أمبارو سانشيز" رئيسة المنظمة المدنية ضد الإسلاموفوبيا بأنه يجب التحرك بسرعة لمنع المسيرات والمظاهرات المعادية للإسلام والمسلمين، وضمان حماية الأماكن الرمزية للجالية المسلمة" كي لا تتكرر مثل هذه الأعمال.
كذلك أعربت حكومة إقليم الباسك عن رغبتها في عدم وجود حالات إسلاموفوبيا في الإقليم، بالإضافة إلي تعزيز التدابير الأمنية لمواجهة المتطرفين، وأصدرت أوامر لجميع وحداتها للتنديد بالإسلاموفوبيا أو العنصرية ضد الجالية المسلمة في إقليم الباسك، والتي يبلغ عددها 50000 مسلم.
ويري الكاتب "ايغور مارين أوتشوا" أن تكرار الاحتجاجات وأحداث العنف ضد المساجد تنشأ أساسًا من أمرين: أولهما الاعتقاد الشائع بأن معظم المساعدات الاجتماعية الكبيرة يستقبلها المهاجرون وخاصة المسلمين، وثانيهما الهجمات الإرهابية للمتطرفين في أوروبا، وهو ما أدّى إلى حالة من انعدام الثقة تجاه المسلمين. وفي تغريده على "تويتر" قال المجلس المحلي في مدريد: "لا لتجريم المجتمع المسلم، نحن نقاتل معًا ضد الإرهاب"، "التعايش = مدن آمنة". كذلك أدان الحزب الشعبي الهجوم على المساجد وقال إن الإرهابيين المتطرفين يسعون إلى تدمير الحرية والتعايش السلمي ومواجهات بين أفراد المجتمع. وعلى حسابه الشخصي، أعرب المتحدث باسم الحزب الاشتراكي رفضه القوي الاعتداء على المسلمين، وشدّد على أن الإرهاب هو قاتل العيش المشترك.
مما سبق يتضح لنا أن الجماعات اليمينية المتطرفة على كافة أشكالها ووسائلها المستخدمة تحاول توجيه خلق أجواء من الكراهية ضد المسلمين، محاولة منها لمنع بناء مسجد هنا أو أن يقوم المسلمون بنشاط هناك. وتتخذ هذه الجماعات من الهجمات الإرهابية الأخيرة على أوروبا سببًا للقيام بأعمالها المتطرفة تجاه المساجد، وهو بالطبع سيعمل على زيادة تعصب الرأي العام ضد الإسلام والمسلمين.
وأكد المرصد على أن الهيئات السياسية والجمعيات الأهلية لا ينبغي أن تخلط بين الإسلام والإرهاب، والتأكيد على أن مرتكبي هذه الهجمات لا ينتمون إلى الإسلام، دين السلام والحوار والتسامح والتعايش بين جميع الطوائف، وهو الدين الذي يرفض العنف والتطرف.
ويدعو مرصد الأزهر كافة وسائل الإعلام، ولا سيّما تلك الصحف التي لها تأثير لدى المتلقي، أن تلتزم بالمعايير الأخلاقية في تناول الأخبار وألا يتم تعميم الحكم على فرد أو مجموعة من خلال عمل لا يتسق وتعاليم الإسلام لتكون صفة تتطال جميع المسلمين.