التعويم.. دعوة للفهم
لا شك أن القرارات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذتها بعض أجهزة الدولة المصرية" ولا أقول الدولة المصرية مُتعمدا التبعيض، حيث أن برلماننا المُوقر لم يكن على أي دراية بهذه الإجراءات!! وأصبح شغلاً شاغلاً وهما مؤرقًا لكل مصري أيًا كان منصبه أو وضعه الاجتماعي، حيث أنها تمس كل من يحمل الجنسية المصرية.
أقول هنا وبعد نظرة متأنية ودراسة مستفيضة وتفكير عميق، أن قرار تحرير سعر الصرف الذي اتخذته الحكومة المصرية، كان قرارًا اقتصاديًا موفقًا تبعًا للمعايير الاقتصادية المجردة !! فلنفكر في الأمر بكل حيادية.
هل من المعقول أن يتحول الدولار إلى سلعة تقوم الدولة بتدعيمها وهل من! الأفضل للمستثمر الخارجي، أن يعاني بين ندرة الدولار البنكي ونار الدولار السوقي فلا يستطيع أن يحدد تكاليفه، ومن ثم أرباحه - إن وجدت - أو خسائره ؟!، كيف سيفكر هذا المستثمر في هذا العك الاقتصادي ؟!، وهل يشجعه هذا المناخ المتناقض كي يجلب عملة صعبة للسوق المصرية ؟!، وماذا عن أساطين الاستيراد الذين كانوا يتذرعون باستيراد السلع الأساسية منتهزين فرصة توفير الدولار لهم بسعره البنكي المدعم، ومن ثم تحقيقهم أرباحًا خيالية ؟!، وماذا عن مئات الألاعيب الأخرى التي كانت تُمارس من قوم لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة من أجل تحقيق أرباحًا شخصية خيالية وليذهب الوطن باقتصاده وفقرائه إلى الجحيم؟.
فما وصل إليه حال الاقتصاد المصري في الأيام الأخيرة جعل قرار تعويم الجنيه أمرًا ضروريًا ومحتمًا مع عجز موازنة يتجاوز 11.5 % هذا العام ومع معدل نمو ضعيف يقدر بـ 2.3% ومع معدل تضخم هائل يصل إلي 14.1 % "، وفقًا لأخر تحديثات البنك الدولي والبنك المركزي المصري"، وتلك حتمية أكيدة بغض النظر حتى عن قرض صندوق النقد الدولي الذي تنتويه الدولة المصرية.
بل أصبح اليوم الذي تتأخر فيه الدولة المصرية عن اعتماد هذا القرار يمثل عبئا إضافيا وتدهورا للاقتصاد المصري نفسه !!، لأن هذا القرار يعتبر ثورة حقيقية ببساطة شديدة!!، ثورة على نمط اقتصادي عقيم أكل على الدهر وشرب، ثورة على نموذج الدولة الأبوية الفاشل الذي تطعم فيه الدولة مواطنيها في أفواههم، ثورة على أفكار بالية ونظريات مغلوطة أصبح يتعامل معها العالم وكأنها الأساطير!!.
ولكن دعونا نتصارح سادتي، هذا القرار الضروري والمحتم الذي اتخذته الحكومة المصرية ليس هو الفارق أو المفصلي في ذاته !! نعم هذا القرار على أهميته وحتميته ليس هامًا بقدر أهمية ما سيعقبه من قرارات وتحركات وخطط من جانب الدولة المصرية لمواجهة أثار تداعي قيمة الجنيه، فوفقًا لوكالة "أسوشيتيد برس فإن" خفض العملة المصرية، سيتسبب حتمًا في ارتفاع حاد في مستويات الأسعار، ما سيزيد الضغط بالطبع على حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي".
وبتبسيط أخر، فإن هذا القرار وضع مصر على مفترق طرق فإما أن تنتهج الدولة المصرية سياسات وإجراءات سليمة لتشجيع التصدير وإعادة السياحة وجذب الاستثمار الخارجي، مما يعني عبور مصر مرحلة عنق الزجاجة إلي مرحلة جني ثمار التضحية والبذل وذلك بعد أن تُزال العقبات من أمام المستثمرين ولا شك أن وجود سعرين للدولار كان من أكبر العقبات أم المستثمر، وإما أن تنتكس الحكومة المصرية وترتكس وتستمر في السياسات العقيمة بالاستغراق التام في مشاكل السلع التموينية والمحروقات وما شابهما، وكذا الاعتماد على الاستيراد وعمَّ دعم وتشجيع التصدير والاستثمار الخارجي، وهذا ما سيعني أن الدولة ستتجه نحو حافة الإفلاس والعياذ بالله.
أو بعبارة أخرى، فإن القطار قد انطلق ولا يوجد أمامه سوي خيارين: إما أن يتجه بسرعته القصوى نحو محطة السلامة والاستقرار، وإما أن يطيح ويضيع في تيه قاتم مظلم.
وقى الله مصر كل سوء وشر، ووفقنا إلى كل خيرٍ ورشاد،،،