عاجل
السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

"تهجير أهالي النوبة" مأساة الحاضر والماضي.. وعود لا تنتهي وأراض ضائعة.. العودة للديار أهم احتياجات أبناء بلاد الذهب التي يضرب بها عرض الحائط.. والمشروعات القومية آخر الصدمات

تهجير أهالي النوبة
تهجير أهالي النوبة

رغم ما قاله الرئيس جمال عبدالناصر في يناير 1960 إلى جموع النوبيين في أرضهم قبل بناء السد العالي واعدًا إياهم بحياة كحياتهم في أرضهم القديمة، وبعودتهم بعد بناء السد العالي، وحفظ آثار النوبة من التلف فأخبرهم بأن السد العالي لن يعطى الخيرات للشمال فقط ويحرموا هم منها؛ لأن خيرات السد العالي هى لأبناء الوطن جميعًا، إلا أنهم حتي الآن لم يتلقوا إلا وعودًا لم تتحقق فلا يزالوا يحلمون بالعودة إلي مهد حضاراتهم، بلاد الذهب "النوبة"، في حين تم طرح أراضي النوبة ضمن مشروع المليون ونصف فدان التابع لشركة الريف المصري للمزارعين، ليزيد من آلامهم وتطلعاتهم في العودة إلي الوطن.

كواليس التهجير
ومن هنا بدأت رحلة التهجير الرابعة لأهالي النوبة فجاءت في ظروف صعبة على متن مركب صندل نيلي الذي يحمل على متنه أمتعتهم وكل شيء حتى حيواناتهم دخلوا صحراء كوم إمبوا ولم يبق معهم طفل واحد على قيد الحياة، زهقت أرواح المواليد والعجائز واحد تلو الآخر بسبب الظروف التي مروا بها وعند هبوطهم كوم إمبوا تفاجأوا ببيوت غير مكتملة أعدادها برغم الحصر الذي تم قبل التهجير مما أاضطرهم لتسكين 3 أسر في منزل واحد وفوجئ الأهالي بطبيعة المكان الصحراوية وانقطاع المياه عن القرية حتى لم يوجد غير صنبور مياه واحد فقط صالح للشرب لجميع الأهالي وعند بناء السد تجمعت مياه كثيرة سميت فيما بعد ببحيرة ناصر، أغرقت معها أملهم ووارت النوبة القديمة بأكملها وتلف 70% من الآثار.

أكثر من نصف قرن عن آخر تهجير ووعد العودة يلازم النوبيين ومآسي رحلة التهجير التي استمرت 8 أشهر لم تبرح أذهانهم أسطورة السد العالي التي أغرقت 8 قرى وهجرت أكثر من 17 ألف نوبي، يرى البعض منهم أن الصمت الإعلامي والشعبي المحيط بقضيتهم أدى إلى تكرار الأمر.

مراحله
فيحكي التاريخ إن التهجير تم على أربعة مراحل، أولهم في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني هُجر جيل 1902 مع بناء خزان أسوان الذي ارتفع منسوب مياهه خلف الخزان ليغرق 10 قرى فهاجروا الأهالي طواعية إلى البر الغربي، وتحملوا وحدهم خسائر محاصيلهم وبيوتهم وأرواح بعضهم.

وجاءت 1912 بتعلية الخزان ليغرق 8 قرى أخريات (قورته والعلاقي والسيالة والمحرقة والمضيق والسبوع ووادي العرب وشاترمة). وما لبثوا إلا أن هجروا للمرة الثالثة في عام 1933 مع التعلية الثانية للخزان الذي أغرق بدورة 10 قرى.

وتروي الحقائق والشهود أن الأهالي لم يتلقوا التعويضات المناسبة ولم يجدوا البيوت نفس البيوت كما فى نموذج النصب، ولم يجدوا أراضى زراعية صالحة، وأثناء حصر 1960 تم فقط رصد عدد المقيمين بالنوبة أما المغتربين وبعد 52 عاما لا يزال حقهم على طاولة المفاوضات والوعود.

وما زال النوبيين يتجرعون مرار التهجير والغربة، ولا يزالون يتلقون وعود على مدى الحكومات المتعاقبة ولكن يبقى الحال كما هو عليه فبات حلم العودة إلى الديار مستحيلا حتى الآن.

مشاكل النوبي المتعددة
في البداية، قالت جليلة الأمين المفكرة والناشطة النوبية، في تصريح خاص لـ"العربية نيوز"، إن مشاعر أهل النوبة أثناء التهجير تمثلت في عدم الرضا عن القرار والتضحية من أجل الوطن والسخط والدعوات على عبدالناصر من البعض ولفتات الحب والرضا من البعض الآخر؛ ولكن مهما اختلف المشهد كان الحزن هو المشهد الرئيس في الصورة.

وعن المشكلات الحقيقية لأهل النوبة، أكدت الخبيرة بالشئون النوبية أن إعادة التسكين لأهل النوبة في مناطق جنوب السد هي أبرز حقوقهم التي يود النوبي الحصول عليها، وينص عليها القانون الدولي بوجوب استقرار المواطن في بلده أو أقرب نقطة لها.

أين الأرض الآن؟
كما أعلن الاتحاد النوبي العام، أنه وفي ذكري تهجير النوبيين من أرضهم تم طرح أراضي النوبة في مشروع المليون ونصف فدان التابع لشركة الريف المصري لصغار المزارعين، مؤكدًا أن ذلك ضرب بعرض الحائط النصوص الدستورية الملزمة لها.

وعن ذالك أقر محمد عزمي الناشط والحقوقي ورئيس الاتحاد النوبي العام، أن أهل النوبة لم ينتظروا ولا يستحقون هذا الفعل كرد لجميلهم وتضحياتهم وقت بناء السد وبحرب اكتوبر، واصفا ما حدث ضرب لنصوص الدستور بعرض الحائط ونهب لأراضيهم.

المأساة الحقيقية
ومن جانبه، قال عبدالعزيز زين العابدين، الشاعر النوبي، لـ"العربية نيوز"، نه قد حان الوقت لتتضح الحقيقة النوبية التي لا يعلمها كل مواطن مصري فعمليات التهجير إلى الشمال كانت الأقصى، والأصعب في التاريخ النوبي، فتم نقلهم في مراكب صغيرة "صنادل" مع الأغنام والممتلكات كل على بعض في خلط مهين للبشرية.

وأوضح الشاعر والكاتب النوبي، أن أهل النوبة حضارة وفكر وثقافة ولقد طال الأمد في البعد والفراق بينا وبين وطننا ومهد حضاراتنا، ولقد حان الوقت لعدم الاستخفاف بمشاعرنا الوطنية والبدء بقرار ملموس في إعادة تسكيننا لوطننا الجنوبي.

وأضاف الشاعر النوبي، أنه لا يوجد عقل يصدق أن يترك إنسان بيته ووطنه ويخرج سعيدًا مبتهجًا، مؤكدًا أن الشعب النوبي دائمًا مهان في مصر بشكل غير مفهوم.