جمال الغيطاني في ذكراه الأولى.. العاشق لنجيب محفوظ في رحلة من الإبداع
"نعمْ.. الذكرّى لمَنْ كَانَ لَهُ قلبٌ". صدقت قولًا يا غيطاني فنصدقك فعلًا، أبهرتنا بوجودك وأحييتنا بكلماتك فحق لك علينا أن نذكرك بذكري رحيلك الأولي، فمن له قلب مثل قلبك حتي يستحق الذكري ويصل إلي الخلود.
" هكذا الحياة: إقلاع، وصول، ثم رحيل آخر"، لذا وجب علينا اقتحام عالم "جمال الغيطاني"، من مدخله الخاص، بدءًا بالاقلاع، مرورًا بالوصل، حتي الحزن التي سكبت من أجله الدموع، والفراق والرحيل الآخر.
الاقلاع
وُلد جمال أحمد الغيطاني علي، في التاسع من مايو عام 1945م، في قرية جهينة محافظة جرجا (سوهاج حاليا)، ثم انتقل ونشأ في القاهرة القديمة، حيث عاشت الأسرة في منطقة الجمالية، وأمضى فيها ثلاثين عامًا، حيث تلقى تعليمه في مدرسة عبدالرحمن كتخدا الابتدائية، ومدرسة الجمالية الابتدائية، ثم تعليمه الاعدادي في مدرسة محمد علي الاعدادية والتي حصل عليها عام 1959، ثم التحق بمدرسة العباسية الثانوية الفنية التي درس بها ثلاث سنوات فن تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان.
الوصول
تخرج عام 1962، وعمل في المؤسسة العامة للتعاون الانتاجي رساما للسجاد الشرقي، ومفتشا على مصانع السجاد الصغيرة في قرى مصر، أتاح له ذلك زيارة معظم أنحاء ومقاطعات مصر في الوجهين القبلي والبحري.
أعتقل عام 1966 بتهمة الانتماء الى تنظيم ماركسي سري، وأمضى ستة شهور في المعتقل تعرض خلالها للتعذيب والحبس الإنفرادي. وخرج من المعتقل في مارس 1967.
عمل مديرًا للجمعية التعاونية لخان الخليلي، وأتاح له ذلك معايشة العمال والحرفيين الذين يعملون في الفنون التطبيقية الدقيقة.
الصحافة
بعد صدور كتابه الأول عرض عليه محمود أمين العالم المفكر الماركسي المعروف، والذي كان رئيسا لمؤسسة أخبار اليوم الصحفية أن يعمل معه فانتقل للعمل بالصحافة.
وبعد أن عمل في الصحافة بدأ يتردد على جبهة القتال بين مصر واسرائيل بعد احتلال إسرائيل لسيناء، وكتب عدة تحقيقات صحفية تقرر بعدها تفرغه للعمل كمحرر عسكري لجريدة الأخبار اليومية واسعة الانتشار، وشغل هذا التخصص حتى عام 1976، شهد خلالها حرب الاستنزاف 1969م، 1970م على الجبهة المصرية، وحرب أكتوبر 1973 على الجبهتين المصرية والسورية، ثم زار فيما بعد بعض مناطق الصحراء في الشرق الأوسط، مثل شمال العراق عام 1975، ولبنان 1980، والجبهة العراقية خلال الحرب مع إيران عام 1980 حتي عام 1988.
منذ عام 1985 أصبح محررا أدبيا لجريدة الأخبار، وكاتبا بها. ثم رئيسا لتحرير (كتاب اليوم) السلسلة الشهرية الشعبية ثم رئيسا لتحرير أخبار الأدب مع صدورها عام 1993.
لمحات أخري
تزوج عام 1975، أب لمحمد وماجدة، كما كتب أول قصة قصيرة عام 1959، ونشر أول قصة يوليو 1963 وعنوانها (زيارة) في مجلة الأديب اللبنانية، وفي نفس الشهر نشر مقالا في مجلة الأدب التي كان يحررها الشيخ أمين الخولي، وكان المقال حول كتاب مترجم عن القصة السيكولجية.
منذ يوليو 1963 وحتى فبراير 1969 نشر عشرات القصص القصيرة نشرت في الصحف والمجلات المصرية والعربية، كما نشر قصتين طويلتين، الأولى بعنوان "حكايات موظف كبير جدا". نشرت في جريدة المحرر اللبنانية عام 1964، والثانية "حكايات مو.
رفقة النجيب
ارتبط الغيطاني بنجيب محفوظ ارتابط وجداني شديد ظهر من خلال مؤلفيه، نجيب محفوظ يتذكر، والمجالس المحفوظية، وفيهم تحدث عن علاقته بأديب نوبل وأثر ذلك علي أدبه الشخصي، ومدحه كثيرًا محفوظ كما أقر أنه صديقه المخلص وأبرز من كتب عنه.
كما تعرف الغيطاني علي العديد من الأدباء المعاصرين من خلال جلسات نجيب محفوظ التي أثمرت أبرز أدباء العصر الحديث كمحمد السالماوي ويوسف القعيد.
الأدب وأبرز المؤلفات
ظهر إبداع الغيطاني الأدبي في إنتاج غزير من الروايات والقصص القصيرة والمقالات، ولكن يبقي " الزيني بركات" أبرز أعماله.
الرحيل
قال الغيطاني في اسفاره، وكأنه يرثي نفسه: "أمنيتى المستحيلة أن أمنح فرصة أخرى للعيش.. أن أولد من جديد لكن فى ظروف مغايرة أجىء مزودا بتلك المعارف التى اكتسبتها من وجودى الأول الموشك على النفاد.. أولد وأنا أعلم أن تلك النار تلسع.. وهذا الماء يغرق فيه من لا يتقن العوم.. وتلك النظرة تعنى الود وتلك تعنى التحذير. وتلك تنبئ عن ضغينة.. كم من أوقات أنفقتها لأدرك البديهيات.. ومازلت أتهجى بعض مفردات الأبجدية".
ولن أجد كلمات أقولها في رثاء الأديب النقي صاحب السيرة العطرة، خير مما قاله رحمة الله عليه الذي رحل في 18 من أكتوبر العام الماضي 2015م، رحمه له وغفرله ذنبه وجعل مثواه الجنة.