تجريم الدروس الخصوصية أم تقنينها
حين يصف وزير للتربية والتعليم معلمى دولته بانهم مجرمين لأنهم يعطون الدروس الخصوصية يصبح الوصف حقيقيًا حين يكون راتب المعلم عند تعيينه 5000 جنيها على سبيل الافتراض، ويكون من حق الوزير والدولة توقيع أقصى العقوبة على كل معلم يخالف القانون (المفترض وجوده)، إذا كان الحد الأدنى لأجور المعلمين هو الحد الأدنى الذى أقرته اليونسكو كأجر للمعلم وهو 750 دولار.
ولا يعني هذا أننى أؤيد الدروس الخصوصية بل العكس هو الصحيح فهى أكثر خطرًا على المجتمع من تجارة المخدرات أو تجارة الأعضاء البشريةـ ولكن مايثير دهشتى في واقع الأمر هو التناقض العجيب والفج الذي يبدو جليًا في تعامل الدولة مع تلك الظاهرة الكارثية.
ففى الوقت الذي يهاجم فيه وزير التربية والتعليم الدروس الخصوصية، نجده يطرح حلولاً تؤدي في النهاية إلى تقنين الدروس الخصوصية، فما معنى أن يختار التلميذ أو الطالب المعلم والمكان والوقت، فهذا هو الفارق بين المدرسة والدرس الخاص مف تغير بالاسم فقط (مجموعات التقوية)، وفى الوقت الذى يتهم فيه الوزير الدروس الخصوصية بإهدار واستنزاف أموال الأسرة المصرية نجده يحول الوزارة بديلاً فس استنزاف الأسرة المصرية لكن وكعادة تمرير السياسات بالتدريج وصناعة القناعات بها بالترغيب عبر التخفيض الجزئى في أسعار مجموعات التقوية كبداية "لجذب الزبون" وفقا لمنطق السوق واساليبه.
الجريمة الاخطر هي أن محاولة تعميم مجموعات التقوية كبديل للدروس الخصوصية هى فى الحقيقة خصخصة تدريجية للمدارس الحكومية؛ فمن خلال التراكم الزمني تصبح علاقة التلميذ بالمدرسة (مجموعات التقوية او الدروس الخصوصية الرسمية)، ومن ثم تتلاشى تدريجيًا فكرة المجانية في التعليم ومعها تنتهى المدرسة الحكومية المجانية ويتحول التعليم الجيد من حق لكل المواطنين الى حق للقادرين فقط اى من يملكون.
وبالنظر إلى سياسات وزارة التربية والتعليم بل والسياسات الحكومية عامة تجاه التعليم نجد توجهًا صارمًا لا يحيد في مسار خصخصة التعليم المصرى والدلالات على ذلك كثيرة منها إدخال المدارس التجريبية لغات بمصروفات، ثم انشاء المدارس التجريبية العربية ( الرسمية ) تحت حجة ( تعليم جيد بتكلفة اقل ) مع رفع شعار تخفيف العبء على الاسرة المصرية وبدأ فى من عواصم المحافظات ثم بدأ انشاء التجريبيات فى مدن المراكز.
وهذا العام بدأ تطور جديد وهو احلال التجريبيات تدريجيا محل المدارس الحكومية فى قرى مصر من خلال انشاء ( فصول رياض الاطفال المسماة KG1 , KG2 ) حيث فرض على المدرسة توفير فصول تجريبيى فى السنوات القادمة فى صفوف المرحلة الابتدائية ....ولن يتم ذلك الا بتقليل قبول التلاميذ فى المدرسة المجانية، إن سياسة الافاعى الناعمة فى التسلل إلى الضحية عبر الترغيب ثم التمكن ثم التحكم وفرض الامر الواقع هو منهج اتبعته حكومات مصر السابقة طوال اكثر من (35) عامًا.
دلالة اخرى أكثر فجاجة إن جاز التعبير في وصفها على استمرار ذات التوجه فى خصخصة التعليم هو ما طرحه الوزير الحالي الدكتور الهلالى الشربينى واسماه (مشروع الاستثمار فى التعليم) بحجة بناء المدارس لتقليل الكثافات بالاستعانة بالمستثمرين حيلة آخرى وألية جديدة يتم بها الالتفاف على حق التعليم المجانى لكل مواطن فابسم هذا المواطن الفقير يتم منح أرض الدولة التي هى ملك للشعب لأصحاب المال لبناء مدارس عليها لمدة 30 سنة قد تزيد ( 10 سنوات اخرى ) وهذه المدارس هى مدارس خاصة.
يرجع تحديد شريحة مصروفاتها إلى اصحابها ماعلاقة الفقراء بتلك المدارس؟ واين ستكون؟ وهل ستستفيد ( 2367 قرية مصرية ) محرومة من كل انواع التعليم من هذا المشروع ؟ ومامدى دستورية هذا المشروع ؟.
الاسئلة كثيرة، لأن الأزمة تراكمت فتفرعت إشكالياتها وتباين خطوطها لكن يبقى خيط واحد علينا أن نتمسك به وندافع عنه ونناضل من اجل بقائه ألا وهو أن التعليم حق من حقوق المواطنة وليس سلعة يستطيع الحصول عليما من يملكون فقط.