السياسة ضحية السياسيين
في إحدى الجلسات الخاصة مع بعض الأصدقاء والمعارف، وبينما كان الحديث يدور عن الشأن السياسي وما آلت إليه الأمور في مصرنا الحبيبة، انطلق أحدهم مُتحدثًا عن قناعته بخصوص أمر ما، واقترح صديقنا هذا اقتراحًا يعتقد أن فيه المصلحة والصواب، ولكنه لم يكن مهتما لأمر الجانب الأخلاقي لمُقترحه هذا، والذي اعتقد فيه أنه قد جانب الأخلاقية وفقًا لمعايير المجتمع.
وبينما كان اللغط يثار في النقاش حول مقترح صديقنا، فإذا بفكري يطير صوب الماضي، حيث حدث معي موقفًا شخصيًا مشابهًا عندما كنت شابًا يافعا غِرًا، ففي إحدى الجلسات مع عائلتي وقت الانتخابات منذ حوالي عشرة أعوام، وقد كان عمي مرشحًا لعضوية مجلس نيابي وقتها، وكان الحديث يدور عن إدارتنا للحملة، وانطلاقا من حماستي أنا الشاب المُندفع وقتها اقترحت على عائلتي اقتراحًا دعائيًا معينًا منافيًا للأخلاقية لكونه لا يعود بالنفع الحقيقي على المواطن، أو بعبارة أخرى إن هو إلا مُقترح دعائي فقاعي أجوف لا يمكن بأية حال أن يكون واقعًا ملموسًا يستفيد منه الناخب الذي سيصدقه.
وبعد أن أدليت بمقترحي منتظرًا سماع الثناء والإشادة من أفراد عائلتي فوجئت بنظراتهم المستنكرة، ثم بكلمات أبي الحادة الشديدة المنتهرة !!!، وإذا بعمي المرشح وقتها يقول لي "يا بني مش معنى أننا هانخش في السياسة أننا نعمل زي غيرنا، ونمشي في الغلط عشان نوصل للي عايزنه، إحنا بنتحرك في السياسة زي ما بنتحرك في أي شيء تاني، وأنه لا يصح إلا الصحيح، وأن رضا ربنا قبل أي حاجة تاني، علشان اللي عند ربنا مش هانوصله غير برضاه ومش هانوصله أبدًا بالضحك على الناس"، فكانت تلك الكلمات ومن قبلها نظرات عيونهم المُستنكرة بمثابة دش بارد تلقيته فوق رأسي في شتاء قارص!.
لربما لا يتذكر أفراد عائلتي هذا الموقف، ولكنني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أنساه أبدًا، فهذا الموقف كان وسيظل بالنسبة لي درسًا هامًا تعلمته ليكون نبراسًا ومرشدًا لي ما حييت، لتظل جملة "لا يصح إلا الصحيح" دستورًا شخصيًا التزم به وأسير على دربه مسترشدًا بنور الحق المنبعث منه، وإن لم أكن أعرف من أمور السياسة سوى هذه الجملة، فهي حسبي وكفى بها.
فما بال أقوام نراهم الآن يراوغون ويتلاعبون بمقدرات هذا الوطن مدعين إرادتهم مصلحة الوطن، وكيف لمصلحة الوطن أن تتحقق بأساليب ملتوية غير صحيحة، وحتى بفرضنا سلامة ونبل النية والهدف، فهل ينسينا هذا اعوجاج وحقارة الوسيلة؟! ثم كيف لنا أن نتعجب من نظرات أبناء شعبنا للسياسيين باعتبارهم حفنة من الحواة والمراوغين الذين لا يرقبون في أحد إلّا ولا ذمة ؟!.