محمد كريم.. حاكم الإسكندرية الذي رفض تسليم عروس البحر للفرنسيين
صرخ محمد كريم بأعلى صوت له، وهو مقيد اليدين والأرجل بزرد السلاسل والحديد "إذا كان مقدورًا عليّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدورًا عليّ أن أعيش فعلام أدفعها؟"، كانت هذه العبارة الثائرة الاعتراضية التي وجهها حاكم الإسكندرية في وجه المحقق المكلف بمحاكمته يوم 5سبتمبر، هى القشة التي قسمت ظهر البعير فأمر نابليون بإعدامه ونفذ الحكم في ظهر اليوم التالي الموافق 6 سبتمبر لعام 1798، في ميدان القلعة رميًا بالرصاص بميدان الرميلة.
نشأته
ولد محمد كريم بحي الأنفوشي بالإسكندرية، ونشأ يتيمًا فكفله عمه وافتتح له دكانًا صغيرًا في الحي، وشب بين أهل إسكندرية مشهودا له بوطنيته وشجاعته ولمع صيته في أرجاء المدينة، عمل في أول أمره وزانًا، ثم تمت ترقيته إلى أن تقلد أمر الديوان ثم رئاسة الديوان والجمرك بمنطقة الثغر بالإسكندرية، ثم أصبح حاكمًا للمدينة.
نضاله في وجه الفرنسيين
في عهد حكم محمد كريم للإسكندرية أخذ الناس يتداولون أقاويل مناهضة ضد حكم العثمانيين بعدما تجرعوا مرارة الظلم والنهب والسلب، ولكن القدر كان مخبئًا لهم قدوم ما لم يقل تجبرًا وظلمًا وتنكيلًا بأهالي المحروسة، ففي يوم 19 مايو 1798م أقلع أسطول فرنسي كبير مكون من 260 سفينة من ميناء طولون بفرنسا محملًا بالجنود والمدافع والعلماء وعلى رأسهم نابليون بونابرت قاصدًا الإسكندرية ومر في طريقه بمالطة.
وبلغ الإنجليز الخبر فعهدوا إلى نلسون باقتفاء أثر الأسطول الفرنسي وتدميره فقصد نلسون إلى مالطة وهناك علم أن مراكب نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة أيام متجهة إلى الإسكندرية ووصل إليها يوم 28 يونيه 1798.
وأرسل نلسون وفدًا إلى حاكم المدينة محمد كريم كي يسمح لأسطوله بانتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء وأن يسمح لهم أن يشتروا من المدينة ما يحتاجونه من زاد. لكن محمد كريم رفض طلبهم قائلًا "ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد فاذهبوا أنتم عنا".
قيادة المقاومة الشعبية
قام بقيادة المقاومة الشعبية المصرية ضد الفرنسيين عندما وصلوا إلى الإسكندرية؛ فقد بدأ في العمل مع الصيادين والعمال فوق حصون الإسكندرية ليصد الفرنسيين عن مصر، ثم إنه لم يستسلم حتى عندما دمرت المدافع حصون الإسكندرية، إذ أنه بدأ معركة أخرى في شوارع الإسكندرية ومداخلها لمقاومة زحف الفرنسيين إلى الداخل، مما أدى إلى اعتقاله وحمل إلى نابليون الذي أعجب بشجاعته فأطلق سراحه ورد إليه سيفه وأبقاه حاكما على الإسكندرية، وحاول إغراؤه بشتى الطرق لكسب صفه.
لكن محمد كريم فور إطلاق سراحة عاد إلى تغذية حركات المقاومة ولجأ إلى الصحراء لإعداد المجاهدين وإرسالهم إلى صفوف المقاومة. كما أنه قاد حركة واسعة في سبيل المقاومة السلمية حين حاول نائب نابليون الجنرال كليبر احتلال دمنهور. ثم اعتقله هذه المرة كليبر، وحبسه في إحدى البوارج الراسية في أبوقير ثم أرسله إلى نابليون بالقاهرة الذي قضى بإعدامه.
أمر كليبر بالقبض على محمد كريم يوم (20 يوليو 1798م) وأرسله إلى أبوقير حيث كان الأسطول الفرنسي راسيًا، ثم أرسل إلى رشيد ومنها إلى القاهرة على سفينة أقلعت به في النيل من رشيد يوم 4 أغسطس ووصلت إلى القاهرة يوم 12 أغسطس ووجهت إليه تهم التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية، واستمرت المحاكمة حتى 5سبتمبر حين أرسل نابليون رسالة إلى المحقق يأمره فيها أن يعرض على محمد كريم أن يدفع فدية قدرها ثلاثون ألف ريـال يدفعها إلى خزينة الجيش ليفتدي نفسه.. ورفض محمد كريم أن يدفع الفدية ونفذ فيه حكم الإعدام.