بالفيديو.. "العربية نيوز" يتجول في حارة نجيب محفوظ التي أوصلته للعالمية "زقاق المدق".. أبناء "الجمالية" لايزالون يذكرون "أديب نوبل" في ذكرى وفاته العاشرة
البعض غائب عنا رغم حضوره، والقليلون حضروا بيننا فور رحيلهم ثم سرعان ما تناستهم ذاكرتنا، لا لقلة قيمتهم ولكن لطبيعة الإنسان التي أوجدها الخالق وأقرها "النجيب" نجيب محفوظ، "فآفة حارتنا النسيان"، لكن وبالرغم من ذلك كسر محفوظ كل القواعد كغيره من النادرين النابغين التي كتب لهم الخلود، وما أبقى شخصيته خالدة يمتد في مداها حتى الآن إلا سيرته الحية بيننا في كتبه وأفلامه، فعاشت قيمة النجيب وسيرته أكثر بكثير مما عاشه جسده وشخصه.
وما كان علينا في ذكرى رحيل نجيب محفوظ العاشرة، إلا السير إلى قلب نجيب محفوظ منطقة الجمالية والحسين والغورية، فذهبنا إلى مسقط رأسه الجمالية، وتوغلنا في عالم صغير أضيق مما يتصور هو زقاق المدق الذي كان أحد أسباب بزوغ نجم النجيب الأدبي، وما أعجب أن يكون ذلك البزوغ قادما من زقاق المدق الضيق والمتفرع من حارة الصنادقية الذي لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار. لكننا ذهبنا لنعايش ما عايشناه في أعمال الأديب العالمي صاحب جائزة نوبل عام 1988، لنراه بين عيون الناس وسكان منطقة الجمالية عموما، وزقاق المدق خصوصا، والذي اخترناه تحديدا لصفر حجمها الذي يعجب كيف خرجت منه رواية غاية في العمق والإنسانية، فهناك ولدت نوبل، وهناك ولد أديب.
الجمالية
ورغم أن حياة "النجيب" بالجمالية لم تتجاوز مرحلة الطفولة منتقلًا إلى منطقة العباسية الشرقية، إلا أنه علم أن روحه قد استقرت بين شوارع وحواري مصر القديمة وما تحمله من عبق التاريخ، فانتقل ماديًا وجسديًا مع أهله إلى العباسية الشرقية، ولكنه ظل باقيًا بمنطقة الجمالية والغورية وجميع شوارع وحواري المنطقة، متنقلًا بين مقاهيها، فكانت انفراجة "النجيب" الأدبية من هنا، رغم أن أدبياته حملت العديد من القصص المتعلقة بالعباسية أو غيرها، إلا أن قصص وحكاوي حواري الجمالية والحسين، غلبت على أجل أعماله، وكانت الأكثر قيمة وخلودًا.
تحدثنا مع صابر السيد عليش الصائغ والمولد بالجمالية في خمسينيات القرن الماضي، والذي حدثنا عن فخر الجمالية بامتلاكها نابغة كنجيب محفوظ، الذي وصف حياتهم كما هي حسب ما قال، فكان من حارة درب قرمز التي انتقل لها النجيب في فترة ما من حياته جزء كبير، حتي خلدها في فيلم "قصر الشوق"، حيث يسير "السيد أحمد عبدالجواد" واثقا الخطا، في مشاهد حياة عم صابر بنفسه حيث احترام الكبير حد الخوف والتبجيل كما أظهرها النجيب في شخصية "سي السيد".
زقاق المدق
من شارع المعز لدين الله الفاطمي، تقع حارة "الصنادقية" المميزة بمحلاتها المتعاقبة صغيرة الحجم، ومن حارة الصنادقية يتفرع زقاق صغير جدًا، في الأغلب أنك لن تراه من الوهلة الأولى، إنه "زقاق المدق" الذي لن تراه بسهولة، ولكن "النجيب" جعله ظاهرًا حتى صار بطلًا مشهورًا، فأوجد "حميدة"، الفنانة شادية بجمالها وعبقريتها التي تشعر بضيق الزقاق عليها وعلى تطلعاتها وطموحاتها، فتسعى للخروج منه بأي شكل حتى وإن عملت مع قواد، فأظهر "النجيب" الزقاق للمشاهد على ما هيته الحقيقية، بمقهى المعلم "كرشة"، والوكالة، وفرن "جعدة"، ومحل بسبوسة الحاج كامل، وصالون حلاقة عباس الحلو، ومشرابية الجميلة شادية التي قضت بجمالها على كل من في القصة، حتى وجدت نفسها ليست بالشخص القادر على الخروج من زقاق هي جزء منه بالأساس.
"زقاق المدق" في عصرنا الحالي، قد تغيرت معالمه كثيرًا وتدهور أحوال مسكن شادية كثيرًا، لكن الفرن والمقهى والوكالة لا تزال قائمة، بالرغم من تغيرات العصر على المنطقة فإن المقهى الذي جلس فيه النجيب، محل الشيخ درويش "حسين رياض"، كان طريقًا لتجسيد ملحمة إنسانية واسعة الأفق من ذلك "الزقاق الضيق، الذي اختنقت به ومنه الجميلة "شادية".
تقابلنا مع الحاج محمد عابدين حفيد "الصلاة على النبي" صاحبة الفرن الظاهر في فيلم زقاق المدق، وابن أخت "عباس الحلو" الظاهر في الفيلم بشخصية "الحلاق"، الذي أخبرنا عن ماهية كل شخص بالفيلم الحقيقيةـ والتي وأن أضفى عليها النجيب حبكة درامية وغير منطبيعة عملها أو مزاجها وحالتها النفسية والشخصية، إلا أن جميع أسماء من في الفيلم هي لسكان الزقاق الحقيقيين.
كما حرصنا على مقابلة حفيد المعلم كرشة، ابن الحاج علي يوسف، أصحاب قهوة زقاق المدق الشهيرة، الذي أخبرنا عن أماكن تواجد النجيب أثناء كتابة روايته، فاتحا معنا ألبوم الذكريات، معاتبا النجيب لأنه غير من شخصية جده وأبيه، ولكنها الحبكة الدرامية للعالمي التي خلدت المكان محترمة شروط الأدب وحريته التي لا تتقيد بواقع.
شكرا نجيب محفوظ
قبل أن ترحل عن منطقة الحُسين، عليك أن تتأكد من رحيلك، فالبعض يرحل عن الأماكن ولم يتأثر، إلا أن "النجيب" أبي أن يغادر المكان دون أن يحمل رسائله وقصصه وحكاويه، فلم يكتفِ بتوثيق الحدث وقت حياته، لكنه كتب بيده وقلمه ما منح منطقة بالكامل الخلود، حافظًا حق أهلها في التفكير والتعبير، مخلدًا حياتهم وأعمالهم وحرفهم البسيطة، كاتبًا بيده ما منح المكان خلودًا خاصًا، خلودًا محملًا برائحة النجيب "نجيب محفوظ"، فشكرًا منطقة الحسين، وشكرًا نجيب محفوظ.