"اشتباك".. هي دي الأوامر
شاهدت العرض الخاص لفيلم "اشتباك"، الذي نظمته شركة التوزيع MAD Solutions بحضور نجوم الفيلم، فأخذت أتحدث مع أبطال العمل - قبل دخولي العرض- عن أصعب المشاهد التى تم تصويرها فيه، وكانت الإجابة صادمة بالنسبة لي؛ وهي أن "جميع مشاهد العمل صعبة جدًا"، فشعرت لفجأة بأنهم يبالغون للغاية، وأن الغرور قد أصابهم؛ بسبب مشاركة الفيلم فى مهرجان "كان" السنيمائى الدولى بفرنسا، فقررت أن أشاهد الفيلم، وأوجه كل مجهودى الفكري والنقدي إلى محاولة البحث عن موضوع العمل، وطريقة التصوير، وأداء الفنانين؛ لأخرج في النهاية برؤية شاملة عن هذا الفيلم المحيّر.
وعندما دخلت لأشاهد الفيلم، ومع الدقائق الأولى، سمعت أصوات الرصاص وهتافات المتظاهرين، فشعرت بواقعية العمل، وأيقنت أن محمد دياب مخرج ينتمي إلى المدرسة الواقعية، فمنذ البداية أخذني الفيلم إلى نفس الشعور الذى أصابنى عندما وقفت لأول مرة على أرض "ميدان التحرير" فى ثورة 25 يناير، وهتفت أول هتاف فى أول اعتصام أشارك به على مدار حياتى، فقررت أن أبذل كل طاقتى لكى استمتع بأحداث العمل وأبرز أوجه القصور فيه.
وتدرجت الأحداث داخل سيارة ترحيلات بها كل طوائف الشعب المصرى، فنجد الشيوخ والرجال والنساء والأطفال، وكان فكر كل شخص بهم يختلف عن الآخر تمامًا؛ فكان بهم الإخوانى والعلمانى والليبرالى، وكان هناك طبقات مختلفة في المجتمع فنجد "ابن الزوات والفقير"، وكانت أيضًا الأديان تختلف بين المسلم والمسيحى، فأصبحت سيارة الترحيلات هى "مصر" التي تجمع شعبها فى مكان واحد مهما كان مدى الاختلاف بينهم.
وشعرت بالانبهار عندما وجدت أن طوال عرض الفيلم، الكاميرا لم تخرج من سيارة الترحيلات، حيث إن العمل كان يبرز جميع المواقف والتصرفات التى كانت تحدث داخل السيارة، على الرغم من شدة الالتحام الذى يحدث بين المتظاهرين وقوات الأمن خارج السيارة، لتظهر للمشاهد عبثية المشهد في النهاية، وسلط العمل الضوء على شهامة المصريين فى أوقات الشدة، وأنه عندما تعرضت شخصية "عائشة" التى تجسد شخصيتها الفنانة الشابة مى الغيطى إلى موقف محرج داخل السيارة، فطلبت الفنانة نيللى كريم من جندي الأمن المركزي، أن الطفلة عائشة تخرج من السيارة، وتفعل الذى تريده، فرفض بسخط شديد وصاح فى وجهها وقال لها: "مش هينفع ادخلى جوه"، فردت: "بس دي طفلة"، فصاح في وجهها أكثر، وقال لها: "هى دى الأوامر ادخلى جوه"، فتعاون مع الفتاة جميع الأشخاص بداخل السيارة؛ لكى تفعل ما تريد بشكل إنسانى ومحترم، وظهرت على وجهها ملامح القهر، فصدقت أداءها وجعلتنى أشعر وقتها بمعنى كلمة الذل والقهر الحقيقى، وكأنى أنا الذى فعل بى هكذا، أخى الجندي رسالة سوف أوجهها لك: "كلنا مصريون".
وبتدارج الأحداث فى العمل، قام أحد أعضاء الجماعة الإرهابية بخطف سيارة الترحيلات؛ لكى يخلص زملاءه الإخوان من داخل السيارة، وكان من ضمن الأشخاص داخل السيارة الجندى صاحب مقولة "هى دى الأوامر"، فعندما فشل خاطف السيارة فى فتح الباب، انقسمت السيارة التى أشبهها بـ"مصر" إلى رأيين مختلفين تمامًا، وهما أن أعضاء الجماعة الإرهابية يريدون أن يذهبوا إلى مظاهرة الجماعة لكى تخلصهم، وباقى الأشخاص داخل السيارة يريدونه ألا يذهب؛ لأن الإخوان سوف يقتلونهم.
وعندما قام خاطف السيارة بالذهاب إلى مظاهرات الجماعة، فوجئ بمظاهرة لأنصار الدولة فرددت مظاهرة أنصار الدولة هتافات "خونة خونة خونة"، وقاموا بتكسير باب السيارة، والتقطوا بعض الأشخاص من السيارة وقتلوهم والبعض الآخر اتحد، وظل يهتف "تسلم الأيادى"، ويقاوم فتح الباب، وانتهى الفيلم على ذلك، ويبقى السؤال الذى يحيّر الجميع، ويطرح نفسه على الشعب، وقيادات الدولة، إلى متى سوف يستمر هذا التنازع والتناحر على كرسي السلطة الزائل وسط حقيقة واحدة هي أن الوطن باقٍ؟.