"الثانوية العامة" الطريق إلى الهاوية الأخلاقية.. كيف تنبأ طه حسين بالغش الجماعي والتسريبات؟.. خبراء: الحصول على "شهادة" يقضي على مستقبل مصر الثقافي
منذ 78 عامًا من الآن، وبالتحديد عام 1938 كتب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" الذي يعتبر رغم صغره ضمن أبرز مؤلفاته وأكثرها قيمة.
وتحدث عميد الأدب العربي فيه عن فكرة الامتحان، وإرتباط التعليم بالامتحانات كوسيلة لتحديد المصير والمستقبل، وأن ذلك الارتباط قادر أن يؤدي إلى الانهيار الأخلاقي للمجتمع ككل، خصوصًا وإن كانت المنظومة التعليمية مترهلة.
فكانت توقعات حسين، وكأنه حي بيننا الآن، فالنظرة المجتمعية لكليات القمة والقاع زادت، والغش الجماعي تفشي، وتسريب الامتحانات على الملأ أصبح بدون أي حياء وبتبجح شديد، فمتى نقرر أن التعليم بحاجة إلى التطوير، أو حتى العودة إلى ما كُتب من 78 عامًا.
"طه حسين" يتنبأ بكارثة الثانوية العامة
قال طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" إن "هناك مشكلة عسيرة إلى أبعد حدود العسر، سخيفة إلى أقصى غايات السخف، يتأثر بها تعليمنا كله على اختلاف أنواعه وألوانه، أشد التأثر، فيفسد بها أعظم الفساد، وهي لا تفسد التعليم وحده، ولكنها تفسد معه الأخلاق، وتكاد تجعل بعض المصريين لبعض عدوا، وهي لا تفسد التعليم والأخلاق فحسب، ولكنها تفسد السياسة أيضًا، وتكاد تجعل التعليم خطرًا على النظام الاجتماعي نفسه، وأظنك قد عرفت هذه المشكلة، ولم تحتج أن أسميها لك، فهي مشكلة الامتحان."
علينا فض الاشتباك بين الثانوية والتنسيق
فى البداية، قال الدكتور طارق منصور، وكيل كلية الآداب بجامعة عين شمس، ورئيس قسم الفلسفة سابقا، في تصريح خاص لـ"العربية نيوز"، إن المجتمع المصري عمومًا يعاني من تخلف نظم التعليم، وعدم مواكبته للتطور العالمي للتعليم، موضحًا أنه بكل تأكيد يعود ذلك التأخر العلمي على المجتمع ككل، وخلقه على وجه الخصوص.
وأضاف وكيل كلية الآداب بجامعة عين شمس أن الهوة الواسعة بين ما نمتلك من الشبه تعليم، والتعليم العالمي يكمن بالأساس في تكاتف منظومة الثانوية العامة مع مكتب التنسيق، فيصبح التعليم جزءً من المصير، بعيدًا عن قيمته للطالب، ومدى الاستفادة منه.
وأشار منصور إلى أن مكتب التنسيق أمر غير موجود إلا في مصر، وحتى يمكننا التطور علميا، فإنه من الواجب علينا أن نفض الاشتباك بين الثانوية العامة والجامعة، ولكن في ظل تقاعس الجميع عن الإصلاح يبقى الوضع على ما هو عليه.
"الثانوية" تحدث خللًا في معايير الطالب الأخلاقية
وأكد الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة، في تصريح خاص لـ"العربية نيوز"، أن ترهل المنظومة التعليمية يعد خداعًا بالأساس للطالب، الذي يشعر باختلال المعايير من خلال ملاحظته لطلبنا منه عدم الغش في حين نغشه نحن ونخبره بأننا نمنحه تعليما.
وأضاف أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة، أن وضع الطالب تحت ضغط عصبي ونفسي، وإشعاره بمصيرية الثانوية العامة وخطورتها نسبة له ولمستقبله، قد يتسبب في كثير من الانحلال الأخلاقي والمجتمعي والفكري والثقافي، مشيرًا إلى أن كارثة هذا العام هي تشجيع العديد من أولياء الأمور لعمليات التسريب ودعمها ماديا.
وأوضح زايد، أن حل المنظومة التعليمية، يتحقق بالنظر إلى أي شيء نرغب ونهدف من التعليم في مصر، وما هو مستقبلنا الذي نسعى إليه، حينها فقط نعلم كيف ندير ملف التعليم خير إدارة.
الرغبة تقتصر على الحصول على الشهادة فقط
وأشار الدكتور شبل بدران، عميد تربية إسكندرية السابق في تصريح خاص لـ"العربية نيوز" إلى أن ما ذكره دكتور طه حسين عن أن الامتحانات وارتباط التعليم بتحديد المصير، يمكن أن يؤدي إلى انهيار أخلاق المجتمع ككل، خصوصًا عندما يكون التعليم مترهلا، أمر لا يؤخذ به الآن، حيث يعتبر وصفا لرفض عميد الأدب العربي نظام الامتحانات في المدارس البريطانية بمصر، والتي تقبل طلابها من خلال لمتحانات القدرات، خلاف السيولة المادية بالطبع.
وأضاف بدران أن طه حسين كان ينادي بحق المواطن المصري الفقير في التعليم قبل أن ينص حقوق الإنسان على ذلك، فأغلب المدارس بمصر كانت المدارس البريطانية التي لا يقدر عليها المصريون.
وأوضح عميد تربية إسكندرية السابق أن أسباب التعليم للبشرية إما بناء الإنسان أو الحصول على شهادة أو التأهيل إلي سوق العمل، ويبقى النظام السياسي هو الأساس الذي يحدد رغباته، وحاليًا ومع الأسف فإن الرغبة تقتصر بالحصول علي الشهادة فقط، والتي لا تحتاج إلى الحفظ والتلقين، وتطوير قدرات الوصولية والتلاعب من أجل تحقيق النجاح، الذي اكتفى معناه بالحصول على شهادة.
وأشار بدران إلى أنه يسهل على العيان أن يعلم رغبة القائمين علي المنظومة التعلمية وأهدافهم، فأن يكون عدد الأماكن بالجامعات أقل من عدد طلاب الثانوية، هو ظلم كبير لغير القادرين على التعليم الخاص، وقضاء على مستقبل الطلاب وأمالهم أمام قرارات مكتب التنسيق، مضيفًا أن المعدلات العالمية تنص أن كل 2 مليون طالب يجب أن يكون لهم جامعة، فمع عدم التوسع في بناء الجامعات، والاكتفاء بحصول الطالب على شهادة، ستظل المنظومة قائمة على إنتاج حاملي شهادات سلبيون.