عاجل
الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

ومضات من حياة العارف بالله "عبدالحليم محمود".. شيخ الأزهر وقطب الصوفية

 الشيخ عبد الحليم
الشيخ عبد الحليم محمود

مخلص إلى ربه ورسوله، ودين الحق، متيقنا أنه كلما زاد العبد إيمانا، وإصرارا يعلو في الإيمان والحب، إنه الإمام العارف بالله عبدالحليم محمود، رمزا للزهد، وقطب للصوفية والحب الإلهي في العصر الحديث، وأحد أبرز العقول المفكرة المتأملة المتدبرة في التاريخ الإسلامي بوجه خاص، والفكري بوجه عام.

كان الإمام العارف بالله، روحا نقية تسير علي الأرض، وقلبا شجاعا يواجه الظلم، والتطرف، والعنف، ويكفينا إرثه الغني الذي خلفه لنا، من مؤلفات وكتب، وفتاوي، وخطب، ويذكر في ذلك قوله في كتاب "الإسلام والعقل".

"فإن الإنسان إنما سبيله أن تفيده الملل بالوحى ما شأنه ألا يدركه بعقله وما يخور عقله عنه، وإلا فلا معنى للوحى ولا فائدة إذا كان، إنما يفيد الإنسان ما كان يعلمه، وما يمكن غدا تأمله، أن يدركه بعقله. ولو كان كذلك لوكل الناس إلى عقولهم، ولما كان لهم حاجة إلى نبوة ولا إلى وحى لكن لم يفعل بهم ذلك، فلذلك ينبغى أن يكون ما تفيده الملل من علوم: ما ليس فى طاقة عقولنا إدراكه، ثم ليس هذا فقط، بل ما تستنكره عقول بعض منا فإن ما تستنكره بعض العقول وتستبشعه بعض الأوهام قد لا يكون فى الواقع منكرا ولا بشعا".

نشأته

وُلد الشيخ عبدالحليم محمود في قرية أبو أحمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في 2 جمادى الأولى سنة 1328هـ، 12 من مايو 1910م، ونشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، التحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة 1932 م، ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراه في سنة 1940م.

الحياة المهنية

تولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم تولى وزارة الأوقاف، وصدر قرار بتعيينه شيخًا للأزهر في 27 مارس 1973م.

مشيخة الأزهر

تولى الشيخ عبدالحليم محمود مشيخة الأزهر في وقت اشتدت فيه الحاجة لإقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التي تقلص عددها وعجزت عن إمداد جامعة الأزهر بكلياتها العشرين بأعداد كافية من الطلاب، وهو الأمر الذي جعل جامعة الأزهر تستقبل أعدادا كبيرة من حملة الثانوية العامة بالمدارس، وهم لا يتزودون بثقافة دينية وعربية تؤهلهم أن يكونوا حماة الإسلام.

أدرك الشيخ خطورة هذا الموقف فجاب القرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية، فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين، ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آمال الشيخ في التوسع في التعليم الأزهري، فكفاه الناس مؤونة ذلك، وكان لصلاته العميقة بالحكام وذوى النفوذ والتأثير وثقة الناس فيه أثر في تحقيق ما يصبوا إليه، فزادت المعاهد في عهده على نحو لم يعرفه الأزهر من قبل.

مواقف في حب الأزهر

ومن مواقفه أنه بعد عودته من فرنسا كان يرتدي البدلة غير أنه بعد سماع خطبة للرئيس عبدالناصر يتهكَّم فيها على الأزهر وعلمائه بقوله: "إنهم يُفتون الفتوى من أجل ديكٍ يأكلونه" فغضب الشيخ الذي شعر بالمهانة التي لحقت بالأزهر، فما كان منه إلا أنه خلع البدلة ولبس الزيَّ الأزهريَّ، وطالب زملاءَه بذلك، فاستجابوا له تحديًا للزعيم، ورفع المهانة عن الأزهر وعلمائه.

كما كان له موقفه الشجاع نحو قانون الأحوال الشخصية الذي روَّج له بعضُ المسئولين بتعديله؛ بحيث يقيَّد الطلاق، ويُمنَع تعدد الزوجات، فانتفض الشيخ فقال: "لا قيودَ على الطلاق إلا من ضمير المسلم، ولا قيودَ على التعدد إلا من ضمير المسلم، مستشهدا بـ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: من الآية 101) ولم يهدأ حتى أُلغي القرار.

وفي يوليو 1974م صدر قرارٌ جمهوري رقم 10981974 م بتنظيم شئون الأزهر وتحديد مسئولياته على أن يكون الأزهر تابعًا لمسئولية وزير شئون الأزهر؛ مما أفقد الأزهر استقلاله، فأسرع الشيخ بتقديم استقالته في 1 من أغسطس؛ احتجاجًا على القرارِ ولم يعُد لمنصبه إلا بعد إلغاء القرار وصدور اللائحة التنفيذية التي تخوِّل للأزهر شئونه.

كما لا ينسى أيُّ أحد مواقفَه من المحاكمات العسكرية ضد جماعات التكفير، وموقفه الشديد ضد قانون الخمر؛ حيث ندَّد به في كل مكان، وموقفه أيضًا من الشيوعية والإلحاد، وموقفه العظيم من الوفد البابوي.

لقد حاول الشيخ إعادة تشكيل هيئة كبار العلماء من الأكفاء ومِن حِسَان السمعة والعدول، وكانت حياة الشيخ عبدالحليم محمود جهادًا متصلًا وإحساسًا بالمسئولية التي يحملها على عاتقه، حتى لَقِي الله بعدها في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 15 من ذي القعدة 1397 هـ، 17 من أكتوبر 1978 م.