"كعك العيد" عادة تاريخية في حياة المصريين.. الفراعنة لقبوه بـ"القُرص".. سلاطين الدولة العثمانية وزعوا الكعك على الفقراء والمتصوفين والطلاب.. الخليفة الفاطمي خصص 20 ألف دينار لصناعته
ينتظر المصريون في آخر أيام شهر رمضان الكريم حلول عيد الفطر المبارك، حيثُ البهجة والفرح والسرور تعمّ أجواء العالم الإسلامي، وتظهر عادات الشعوب وطريقتهم في الاحتفال بعيد الفطر، فمِن شراء الملابس والخروج للنزهات والحدائق وزيارة الأقارب، يأتي فوق ذلك كله الكعك حيث يعبره المصريون أساسيا لاستقبال عيد الفطر المبارك.
وكعك العيد وكما تعارف عليه الناس هو الذي يصنعه المصريون بالأخص في عيد الفطر. وتعود هذه العادة إلى العهد المصري القديم حيث كان يُعَد الكعك على أشكال دائرية وتُقَدَّم في الأعياد أو عند زيارة الموتى والقبور، ولكنها ارتبطت بالأكثر لدى المصريين في الأعياد وأجواء الفرح والسرور، وأُطلق عليه أيضا كعك العيد في بلدان أخرى كالجزائر.
كعك العيد في عصور ما قبل الإسلام
كانت البداية الحقيقة لظهور كحك العيد منذ ما يقرب من خمسة آلاف سنة، وكان ذلك تحديدا في أيام الفراعنة القدماء، فقد اعتادت زوجات الملوك على تقديم الكعك للكهنة القائمة لحراسة الهرم خوفو في يوم تعامد الشمس على حُجرة (خوفو)، وكان الخبَّازون في البلاط الفرعوني يتقنون صُنعَهُ بأشكال مختلفة مثل: اللولبي والمخروطي والمستطيل والمستدير، ووصلت أشكاله إلى 100 شكل نُقشت بأشكال متعددة على مقبرة الوزير "خميرع" من الأسرة الثامنة عشر
وكان الكعك في تلك الآونة يُسمى بالقُرص، حيث كانوا يشكلون الكعك على شكل أقراص على شكل تميمة الإلهة (ست) كما وردت في أسطورة "إيزيس وايزوريس"، وكانوا يتفننون في تشكيله بمختلف الأشكال الهندسية والزخرفية، حتى أنهم كانوا يصنعونه على شكل حيوانات وأوراق الشجر والزهور، وكانوا يرسمون على الكعك صورة الشمس "الإله رع" مما يؤكد أن صناعة الكعك امتداد للتقاليد الموروثة فهو لازال على نفس هيئته حتى الآن.
واكتُشفت صور لصناعة كعك العيد تفصيليًا في مقابر طيبة ومنف، كان من بين ذلك صور على جدران مقبرة "خميرع" من الأسرة الثامنة عشر، التي تشرح أن عسل النحل كان يخلط بالسمن.
الكعك في التاريخ الإسلامي
وفى التاريخ الإسلامي يرجع الكعك إلى الطولونيين الذين كانوا يصنعونه في قوالب خاصة مكتوب عليها "كل واشكر"، وقد احتل مكانة هامة في عصرهم، وأصبح من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر.
كعك العيد في العهد الفاطمي
في عهد الدولة الفاطمية كان الخليفة الفاطمي يخصص مبلغ 20 ألف دينار لعمل كعك عيد الفطر، فكانت المصانع تتفرغ لصنعه بداية من منتصف شهر رجب، وملأ مخازن السلطان به، وكان الخليفة يتولى توزيعه بنفسه.
ويذكر أن مائدة الخليفة العزيز الفاطمي يبلغ طولها 1350 مترًا وتحمل60 صنفًا من "الكعك" و"الغُريبة"، وكان حجم الكعكة الواحدة في حجم رغيف الخبز.
وأُطلق على عيد الفطر وقتها "عيد الحُلل" لأنه كان يُخصص 16 ألف دينار لإعداد ملابس لأفراد الشعب بالمجان، وخصصوا من أجل صناعته إدارة حكومية تسمى دار الفطرة، كانت تقوم بتجهيزه وتوزيعه، وكان الشعب يقف أمام أبواب القصر الكبير عندما يحل العيد ليحصل كل فرد على نصيبه واستمر هذا التقليد حتى أصبح حقا من حقوق الفقراء.
كعك العيد في العهد العثماني
استمرت المحافظة على صناعة الكعك في العصر العثماني، واهتم سلاطين بني عثمان بتوزيع الكعك في العيد على المتصوفين والتكيات والخانقات، المخصصة للطلاب والفقراء ورجال الدين.
وقد ظل التراث العربي معبرًا عن حاله حتى يومنا هذا وخاصة في مصر وبلاد الشام وذلك بحكم الارتباط الجغرافي والتاريخي.
ويوجد في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة بعض قوالب الكعك والتي نُقشت عليها عبارات مثل "كل هنيئًا واشكر" و"كل واشكر مولاك " وعبارات أخرى تحمل نفس المعنى.
ولم يقف الكعك عند هذا الزمن فحسب بل إنه قد استمر في الانتشار وأصبح أيضا عادة لا مفرّ منها لدى جميع الأجيال الجديدة قبل القديمة، ويستمر الإبداع في صناعة الكعك من جيل لآخر.