عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

الحنين إلى الإنجلاندية



لم يخفِ أحد من متابعي دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في لندن 2012، دهشته الشديدة من حفل الافتتاح الضخم الذي شهده 80 ألف مشاهد في الملعب الأوليمبي، والذي حمل عنوان "جزر العجائب"، وتكلف حوالي 27 مليون جنيه إسترليني، ووجه الدهشة هو السيناريو الذي ابتكره داني بول مخرج فيلم "سلامدوغ ميليونير" الحاصل على عدة جوائز للأوسكار، والذي عرض في أربع ساعات كاملة التاريخ والثقافة البريطانية بداية من الثورة الصناعية في بريطانيا التي كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء في أوروبا أو خارجها.

وبدأ الملعب أقرب إلى قرية في الريف البريطاني تنتشر فيها الدواجن والماشية والرعاة، قبل أن تتحول تدريجيًا إلى مدينة صناعية اجتاحها الآلاف من العمال، وفي المشهد الختامي لهذه الفقرة، تجمعت الدوائر الأولمبية الخمس في وسط الملعب قبل أن تمطر شهبًا نارية، وبعد ذلك صدحت أغاني أشهر الفرق والمغنين البريطانيين لتضيء على الثقافة الغنائية لبلدهم وأشهر فرقها أمثال الرولينغ ستونز والبيتلز وغيرها قبل أن ينشد المغني القدير بول ماكارتني الأغنية الختامية.

مثّل الحفل صدمة شديدة لمليار مشاهد حول العالم؛ بسبب أن حفل افتتاح الأولمبيات ولأول مرة خلى من فقرات تمثل ثقافات العالم أو الدول المشاركة، واقتصر الحفل وفقراته على إبراز الهوية الإنجليزية، أو كما قال مخرج العرض أنه يعكس الروح البريطانية ببساطة، ولم يكتفِ مخرج العرض بهذا الأمر بل بالغ بعرض كلمة رئيس اللجنة الأولمبية الدولية البلجيكي جاك روغ، والتي قال فيها إن الألعاب "عادت إلى مهدها"، مخالفًا للعادة الأولمبية الشهيرة، والتي تنسب دائمًا انطلاق تلك الألعاب الشهيرة لليونان مهد الألعاب والبطولة تاريخيًا.

مثلت تلك الحالة أحد مظاهر اعتداد البريطانيين بهويتهم بشكل بالغوا فيه، حتى سماه أحد الكتاب الشهيرين هناك أنه حنين إلى الإنجلاندية، نسبة إلى أراض إنجلترا الأصلية، وهي تلك الحالة التي تنتاب مواطني الجزيرة خلال الأعوام السابقة بالشكل الذي جعلهم قبل يومين يصوتون للخروج من الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي، وأن تعود إنجلترا إلى انعزالها الجغرافي وتميزها كجزيرة منفصلة عن القارة العجوز، هذا الشعور بالحنين إلى الهوية كان دافعًا آخر للمواطنين في بلاد "الإنجليز" للتصويت لحزب المحافظين في انتخابات مايو 2015، والذي رفع شعار "القومية" أمام طموح وخطط حزب العمال، خاصة بعد استفتاء أسكتلندا أـحد مكونات التاج البريطاني على الانفصال عن العرش، واليوم يشرب كاميرون من نفس الكأس الذي سقى فيه انتصاره في انتخابات 2015؛ لينقلب السحر على الساحر ويغالي الإنجليز في الحنين إلى الماضي للدرجة التي جعلت المذيع الشهير في هيئة الإذاعة البريطانية جيرمي باكسمان يصدر كتابًا يتحسر فيه على الامبراطورية التي كانت لا تغرب عن أراضيها الشمس أبدًا ويحمل اسم "الإمبراطورية: ما فعله حكم العالم بالبريطانيين".

اليوم قال الإنجليز كلمتهم إذا التي كانوا يسرون بها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي من تدخل بيروقراطيي الاتحاد الأوروبي، وقرروا أن يعودوا إلى جزيرتهم التي تحتويهم، تاركين العالم في حالة صدمة من القومية "الإنجلاندية" الصغيرة التي أصبحت أخيراً كبيرة.