"ابن الفارض".. سلطان العاشقين.. مكث بوادي المستضعفين في المقطم.. وأشهر الشعراء المتصوفة
سلطان العاشقين ابن الفارض، أشهر الشعراء المتصوفة، لُقب بذلك الاسم لكون أبوه كان يثبت الفروض للنساء على الرجال أمام المحاكم.
جاء والده من سوريا مدينة حماة واستقر في القاهرة في عهد العباسيين، حيث ولد إبن الفارض، واسمه عمر بن علي عام 1181 م، ومات بها عام 1235م عن عمر يناهز 54 عامًا.
كان لوالده دورًا كبيرا في تثقيفه وتكييف نزعاته النفسية وأخذ منه الزهد والعلم، فقال عنه إبن العماد الحنبلي: نشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة وعبادة، بل زهد وقناعة وورع، وأسدل عليه لباسه وقناعه. فلما شب وترعرع إشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر.
نشأته
نشأ في كنف أبيه الذي كان رجل علم وصاحب قول، وقيل إنه عرض عليه منصب قاضي القضاه ولكنه رفض وإعتزلهم بجامع الأزهر حتى توفى.
زهد إبن الفارض الحياة واتخذ المقطم معزل له بمكان قصي سمي بوادي المستضعفين، وهناك تقابل مع أحد الدراويش وشيخه الذي تعلم منه الطريقة، والذي نصحه ببلوغ مكة، فذهب إلى مكة وإعتزل بها بوادي بعيد، ونظم عنها الشعر، وتغنى بالحب الإلهي ومكث فيها 15 عامًا ثم رجع إلى القاهرة ومات بها ودفن في الأباجيه بالمقطم.
تصوفه
يحكى إنه في جمعة من أيام الجُمع، إتجه إلى أحد المساجد لأداء الصلاة، فصادفه رجل متكئ على شجرة وهو يُغني، فقال إبن الفارض في حديث مع نفسه إنه عند انتهائه من الصلاة سيذهب إليه ليسأله عن سبب تركة الصلاة.
وبعد انقضاء صلاته أشار إيه الرجل بالمجئ وألقى عليه بيتين من الشعر:
لقد قسم الإله الأمر بيننا الصب ينشد والخلي يسبح
ولعمري التسبيح خيربضاعة للناسكين وهذا لقوم يصلح
ومن هنا بدأ يتلمس نور الأنوار وخطى أول عتبات المعرفة وبدء رحلة التصوف وصاحبه الرجل إلى الشيخ أبو الحسن على البقال الذي أصبح شيخه فيما بعد، وكان البقال من كبار مشايخ الصوفية وهو الذي شار على إبن الفارض بمجاورته لمكة.
وروي إنه ذات مره مر بسوق فيه أناس ينشدون فأخذه الوجد وأصبح يرقص ويدور حتى سقط مغشيا عليه وحُمل إلى الأزهر حتى بقي طريح الفراش بالأيام.
وكان له بيت كتكية الدراويش يُنشد فيه وتدق الطبول، فكان يغشى عليه من فرط الوجد والوله ويأمر أصحابه بسرد الأبيات التي غاب عنها عند صحوته، ويقال أن بهذه الطريقة نظمت التائية الكبري وهى حوالي 700 بيت سميت بنظم السلوك.
دواوينه وأسلوبه
كان إبن الفارض يميل إلى الغموض والبلاغة في صياغة أبياته والتي يكثر فيها الجناس، وبعض الأبيات تكون مبهمة تماما إلا على العاشق السالك.
لا يوجد لإبن الفارض غير ديوان واحد وهو صغير الحجم، يجمع كل قصائده وعدد أبياته 1850، ولا يعرف له آثارًا أدبية أو صوفية أخرى، ولكن إجتهد الشيوخ والعلماء لشرح قصائده أسموها بشرح ديوان إبن الفارض وجمعت في كتاب، وكان من أبرز الشارحين حسن النوباري والنابلسي.
وكان إبن الفارض حسن السيره بين الناس، وتقي ورع وزاهد فعنه خذوا وبه اقتدوا وله اسمعوا وتحدثوا بصبابته بين الورى.