طلاب الثانوية يواصلون الانتحار.. وخبراء: يرجع للثقافة الخاطئة بالمجتمع والطالب ضحية.. وعالم أزهري: من أبشع الجرائم
يعاني المجتمع الذي نعيش فيه من الثقافة الفكرية الخاطئة التي تعود بالضرر على أبنائه، حيث يعتقد بعض أولياء الأمور أن أبناءهم ليس أمامهم طريقا سوى الحصول على الدرجات النهائية.
ذلك الأمر الذي يحمل الأبناء أكثر من طاقتهم ويضعهم في قلق دائم، ما يدفعهم إلى محاولة الخلاص منه؛ فيلجأون إلى الانتحار كما فعلت طالبة بالثانوية أمس، وقامت بإلقاء نفسها من الطابق الثاني عقب الامتحان لتقضي على حياتها، وتستريح من الهم والغم اللذان تواجهما من أسرتها.
علماء الاجتماع أرجعوا سبب ذلك إلى الثقافة الخاطئة التي ينتهجها أولياء الأمور ضد أبنائهم، مطالبين الإعلام بالقضاء على هذه الثقافة، بينما رأى علماء النفس أن انتحار الطلاب ظاهرة مجتمعية تحتاج للمعالجة من جميع الجوانب، متفقين معهم على أن أولياء الأمور يتحملون جزءا من ذلك، فيما رأى علماء الدين أنها كبيرة من الكبائر ولا يقدم عليها إلا أصحاب الإيمان الضعيف، محذرين من عاقبتها الأليمة في الآخرة، غير قاطعين بتكفيرهم.
انتحار طلاب الثانوية سببه
الثقافة الخاطئة
قال
الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، في تصريحات خاصة
لـ"العربية نيوز" إن مرجع انتحار الطلاب بالثانوية العامة يعود إلى
الثقافة الخاطئة التي ينتهجها معظم أولياء الأمور من أن الطالب يكون فاشلا إذا لم
يلتحق بالكليات العليا، لافتا إلى أن ذلك يغلق الطريق أمام الطالب ويجعله بين
خيارين فقط، إما الحصول على الدرجات النهائية، أو التوجه للأساليب الانتحارية كما
فعلت طالبة الثانوية بالأمس ومن قبلها الكثير.
وأوضح
زايد، أن وسائل الإعلام لها تأثير كبير على الشباب والطلاب، وعليها أن تهتم برفع
المستوى الأخلاقي لديهم، مؤكدا أن تأثيرها قد يفوق تأثير التربية الأسرية بكثير،
مستنكرا ما تعرضه هذه الوسائل من أفلام ومسلسلات تصور حالات سيئة تعود بالسلب على
الشباب، حيث يقوموا بتقليدها واقعيا.
واستبعد
أستاذ علم الاجتماع أن يكون السبب في انتحار الطلاب صعوبة الامتحان قائلا
"إذا كان الامتحان من داخل الكتب الدراسية المقررة، فليس من حق أحد أن يعترض
عليه"، مضيفا أنه لابد أن تقتصر الجامعة على من يستحقها فقط، مطالبا بأن يقوم
الأزهر بتجريم هذه الأفعال النكراء والتحذير من عقوبتها الوخيمة، لكي يبتعد عنها
كل من يحاول التفكير فيها.
أولياء الأمور السبب في
انتحار أبنائهم بالثانوية
وأوضح
الدكتور ماهر الضبع، أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية، لـ"العربية
نيوز"، أن "السبب الأساسي لدفع الطلاب إلى الانتحار يعود إلى الأفكار
المغلوطة لدى معظم الأسر المصرية، وتحميل الطالب مزيدًا من الإحساس بالتقصير
والذنب".
وأشار
"الضبع"، إلى أن بعض أولياء الأمور لا يدركون القدرات العقلية لأبنائهم
وكل ما يريدونه الافتخار بأبنائهم وحصولهم على أعلى الدرجات، دون النظر لأي شيء.
وأكد
أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية، أن واضعي الامتحانات ليس لهم أي ذنب أو علاقة
بهذه الأفعال التي يرتكبها الطلاب، لافتًا إلى أنه من غير المعقول أن يتم وضع
الامتحانات بطريقة سهلة لتفادي انتحار الطلاب، أو ما شابه ذلك.
وأضاف أن
الطالب ضحية لمجتمع تترسخ لديه مفاهيم خاطئة تؤثر عليه، وتحجم من تعامله مع الحياة
العملية، مشيرًا إلى أن هناك نماذج كثيرة ناجحة للغاية، على الرغم من أنهم لم
يحصلوا على مؤهلات جامعية، مناشدًا الجميع بأن يتقبل نتائج أبنائه دون غضب لعدم
دفعهم إلى طرق الهلاك، للتخلص من هذا الضغط الواقع عليهم.
ضغوط الأسر على أبنائهم
كفيلة بانتحارهم حال فشلهم
وفى
السياق ذاته أكد محمد الرخاوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، لـ"العربية نيوز"، أن ظاهرة انتحار الطلاب بالثانوية العامة قضية مجتمعية
خطيرة، تحتاج إلى التعامل معها بجدية للقضاء على منابعها من جذورها، مضيفًا أن
الحصول على أعلى النتائج بالثانوية العامة لا يعني أن الطلاب ناجحون.
وأشار
"الرخاوي" إلى أن صعوبة الامتحانات ليست سببًا أو مبررًا للانتحار،
فمعظم الطلاب المنتحرين من أصحاب المستويات العلمية الضعيفة، موضحًا أن الضغوط
النفسية التي تضعها الأسرة على الطالب حال فشله في حصد أعلى النتائج كفيلة بذلك،
فضلا عن أن تربية الأبناء وتنشئتهم على الضعف والاستسلام لأي شيء منذ الصغر،
تجعلهم يلجأون إلى الانتحار.
انتحار الطلاب ضعف إيمان وعذابهم كما ماتوا
بينما قال الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن الانتحار جريمة من أشد الجرائم وأبشعها، لأن قتل النفس سواء كان للذات أو للغير، هو محرم في جميع الشرائع السماوية والأديان.
وأضاف
"عثمان"، أن الانتحار من الآثام والذنوب العظيمة التي توعد النبي صلى
الله عليه وسلم، فاعلها بالعذاب الأليم، لافتًا إلى أنه لا يقبل عليه إلا أصحاب
الإيمان الضعيف؛ وكان وجب الصبر أفضل اقتداء بالأنبياء.
وأضاف
الداعية الإسلامي، أن من يقتل نفسه يعذب بنفس الشيء الذي قتل به نفسه يوم القيامة،
مستدلًا في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تردى من جبل فقتل نفسه
فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسَّى سمًا فقتل نفسه
فسمه في يده يحتساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا".
وطالب
عثمان، وزارة الأوقاف ودعاتها بأن يقوموا بالدور الواجب عليهم في ذلك، وتوعية
الناس وتحذيرهم المستمر من خطورة هذه الجريمة وعواقبها الوخيمة في الآخرة.