ضريبة "مؤجلة"
قرار المملكة العربية السعودية عدم الأخذ باقتراح فرض ضريبة على تحويلات الأجانب العاملين بها من وجهة نظري أنقذ أحد أهم وسائل مداخل النقد الأجنبي لمصر من النضوب والتأثير، حيث إن مصادر النقد الأجنبي في مصر الرئيسية كانوا ثلاث هم قناة السويس وعوائدها والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج.
وبعد الكارثة التي أصابت قطاع السياحة في مصر خلال السنوات الأخيرة تأثر هذا المصدر بطريقة كبيرة، أضف إليه أن العالم يعيش أحد توابع الكساد العالمي والأزمة العالمية المالية والتي تؤثر بشكل كبير على عوائد مرور البضائع بقناة السويس وكل المعابر البحرية حول العالم.
مما جعل الرافد الوحيد المنتظر منه تحقيق دخل للعملات الصعبة خلال المدى القريب هو تحويلات المصريين بالخارج وخاصة في دول الخليج، وأكبرها من المملكة العربية السعودية والتي يعيش ويعمل بها ما يقرب من مليون مواطن مصري.
وليس من الخافي أنه لولا تحويلات المصريين من الخارج ما بعد ثورة يناير 2011، لكانت مصر تعرضت للإفلاس بلا شك ، فهذه التحويلات أنقذت الحالة الاقتصادية في مصر، وجددت دماء الاقتصاد بزيادتها كل عام، حتى أن البنك المركزي المصري قد عرض هذا الأمر في أحد تقاريره شاكرًا المصريين في الخارج على هذا الموقف الوطني.
غير أن القرار السعودي بفرض ضريبة على التحويلات كان مجرد اقتراح ضمن خطة وزارة المالية السعودية وأعلنت عنه في أبريل الماضي ضمن رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وخفض الاعتماد على النفط، في ظل أسعاره المتراجعة عالميا منذ منتصف عام 2014.
وبالطبع كانت الموافقة عليه ستؤدي بطبيعة الحال إلى تقليل حجم تحويلات المصريين من المملكة لمصر مما سيضر بالاقتصاد المصري ويرجعنا من جديد إلى حد الخطر.
وحسنا فعلت المملكة "بتأجيل" الموافقة على هذا الاقتراح والذي أتوقع أن يتم طرحه من جديد بعد عدة سنوات قريبة لأنه متفق مع خطة السعودية 2030، واكتفت وزارة المالية السعودية بتطبيق جزئي لخطتها المالية بالبدء في فرض ضريبة على القيمة المضافة وعلى السلع الضارة بالصحة مثل التبغ والمشروبات المحلاه بداية من عام 2018.
غير إنني وكما قلت فإن المملكة ستعود لفرض هذه الضريبة على التحويلات إن آجلا أو عاجلا وعلينا أن نستعد للأمر عبر آليات عمل تضمن تدفق التحويلات وزيادتها سنويا، عبر إدخال المصريين في الخارج كمساهمين في مشروعات ذات ربحية كبيرة مخصصة لهم فقط مثل ما تم طرحه سابقًا من شهادات الدولار للمصريين بالخارج وغيرها من المشروعات التي تجعل من استمرار التحويلات مربحا للمصريين بالخارج رغم وجود الضريبة.
أخيرًا يجب النظر في ما حدث هذا العام من انخفاض كبير في تحويلات المصريين بالخارج مقارنة بالأعوام السابقة وخاصة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج نتيجة للمضاربة التي حدثت لسعر الدولار داخليًا، وهو ما اثر على حجم التدفقات المالية للمصريين في الخارج بشكل ربما يبدو أكبر و"أخطر" حتى من ضريبة المملكة المؤجلة.