صوم المتحابين
أعلنت دور الإفتاء العالمية، أن يوم الاثنين هو غرة شهر المحبين، وعلى جميع العارفين بشهر الأكرمين تمهيد كافة الطرق لتلاقي القلوب في رضا وحب ووفاء وكافة صفات الإنسانية. الإنسانية وفقط، حيث من أجلها أرسل الله الرسل، ليخبروا الناس جميعًا أنهم سواسية، وأن هناك إلهًا واحدًا شريعته الحب والعطاء، وأنه ما أنزل الأديان إلا لتمهد الناس لامتثال تلك الشريعة.
30 يومًا هي جملة أيام هذا الشهر الكريم، تعلو فيها همم الداعين الناظرين إلى السماء، معلنين تجرد قلوبهم من كافة الضغائن وأنهم ما صاموا عن الطعام والشراب والمبطلات فقط، ولكن صاموا عن خائنة الأعين وما تخفيه الصدور، راسمين ابتسامات طغت على مشقة الصوم.
أخبرني أبي قديمًا: "ما ينفعش رمضان يجي وأنت زعلان من حد"، ظلت تلك الكلمات تطرق أذني – لم أكُ أعلم مفادها وقت إذ - حتى بعد مرور أكثر من 20 عامًا، وبمجرد أن تهل بشائر الشهر الكريم، أقُدم النية أني سأصوم صيام المحبين، أصوم بلا خطيئة.
لم أكُ أعلم أن والدي اختزل الإنسانية في تلك العبارة، فكنت أتغلب على حرارة الجو وأحيانًا برودته في أعوام سابقة، بأني أعتزل الحاقدين وأكتفى بدعوات لهم، على أمل أن تتشقق غشاوة قلوبهم ويخرج منها الماء أو تصير حانية حتى على أنفسهم.
مع الساعات الأولى لصيام المحبين، فإن الملائكة تشملهم بالعناية ويظلهم الله بظل من عنده وتروى المحبة جفاف ألسنتهم، فهم قد جعلوه رطبًا بالدعاء لمن أساءوا في حقهم بالهداية، مبادرين بكسر القيود وإنهاء حالة الخصام، صحيح أن الأمور لن تعود كما كانت فهم قد أخذوا حذرهم ووطأوا أرضًا خافوا منها، ذاقوا بسببها مرارة الهجر والضغينة والخذلان.
إن المحبين صالحوا أنفسهم ولم يلتفتوا إلى من ختم الله على قلوبهم، وجعل القساوة تملأ وجههم العبوس، فلو أنهم ضحكوا لهذه الدنيا الزائلة ما وجدوا مرارة في عروقهم.