"مدفع رمضان".. تعددت روايات اقترانه بإفطار المسلمين.. وتوقف في مصر بأمر "الآثار"
"مدفع الإفطار.. اضرب"، كلمات تسمع عبر أثير الموجات الصوتية لإذاعة القرآن الكريم؛ لتعلن عن موعد إفطار الصائمين، حيث يبدأ المسلمون بعدها برفع أيديهم بالدعاء والإفطار مع رفع أذان صلاة المغرب.
ويعتبر "المدفع" طقسًا رمضانيًا له تاريخ، فعلى الرغم من تعدد وسائل الإعلان عن مواعيد الإفطار والسحور، إلا أنه لا يزال يتربع على رأس تلك الوسائل ولا غنى عنه.
ومع مشروعية الصيام، اتخذ المسلمون أذان المغرب وسيلة لموعد الإفطار، واستمر الحال هكذا، إلى أن ظهر "المدفع"، فمع أول يوم من رمضان عام 865 هـ، أراد السلطان المملوكي "خشقدم" في القاهرة، أن يجرب مدفعًا جديدًا، صادف إطلاق "الدانة" وقت المغرب، ظن الناس أن "السلطان" تعمد إطلاقه لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان.
وهناك رواية أخرى عن تاريخ علاقة المدفع بالإفطار في رمضان، وهي رواية مدفع "الحاجة فاطمة"، وتقول: إنه في عهد الخديوي "إسماعيل"، كان الجنود يقومون بتنظيف المدافع، فانطلقت "قذيفة" عن طريق الخطأ، تصادفت مع موعد إفطار الصائمين، فعلمت ابنة الخديوي الأميرة "فاطمة" بذلك الأمر فأصدرت فرمانًا يقضي باستخدام المدفع مع الإفطار والسحور.
وانتشرت الفكرة في أرجاء الوطن العربي، في أقطار الشام أولًا، ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، وبعدها انتقل إلى "الكويت" في عهد الشيخ مبارك الصباح عام 1907، ثم اليمن والسودان ودول غرب إفريقيا وشرق آسيا، وبدأ عمله في إندونيسيا سنة 1944.
لكل دولة "مدفعها"
ورغم أن "المدفع" طقس متفق عليه في الأقطار الإسلامية، إلا أن لكل دولة طابع خاص في استخدامه، ففي مصر، يتم إطلاق 3 قذائف يوميًا من القلعة أعلى هضبة المقطم، "أولهم" قبل الإفطار، و"الثانية" للسحور، و"الثالثة" للإمساك عن الطعام.
وفي المملكة العربية السعودية، قبل شهر رمضان بفترة، يتم نقل المدفع من إدارة المهمات، إلى مكانه الذي خصص له بإحدى جبال "مكة"، وهو جبل قريب من المسجد الحرام، وخالٍ من السكان، أطلق عليه جبل "أبو المدافع".
كما يتم إطلاق 7 قذائف صوتية، تعلن عن قدوم شهر رمضان، ثم إطلاق 7 قذائف أخرى في "مكة"، تعلن عن بدء الشهر، ومع كل يوم يطلق المدفع طلقة عند دخول وقت الإفطار وأخرى عند السحور، وطلقتين للإعلان عن الإمساك يوميًا، بمعدل 4 طلقات يوميًا خلال الشهر، بمجموع كلى 150 طلقة مدفعية خلال الشهر.
في الإمارات العربية المتحدة تم استخدام "المدفع" في الستينيات من القرن الماضي، بدأت به القيادة العامة لشرطة دبي، وخصصت 4 مدافع في مناطق متفرقة في الإمارة، خصصت لها 140 ذخيرة صوتية، بواقع 35 طلقة لكل مدفع في رمضان، إلى جانب إطلاق ذخيرتين عند ثبوت رؤية الهلال.
وتوقف المدفع في مصر بأمر من وزارة الداخلية، حينما طلبت هيئة الآثار المصرية في بداية التسعينيات وقف إطلاقه من القلعة خوفًا على المنطقة التي تعد متحفًا مفتوحًا للآثار الإسلامية، إذ تضم قلعة "صلاح الدين الأيوبي" و"الجامع المرمري" الذي بناه "محمد علي" الكبير وعلاوة على جامعي "السلطان حسن"، و"الرفاعي"، و"متاحف القلعة الأربعة".
وحذرت الهيئة من أن إطلاق المدفع لأن الاهتزازات الناجمة عن الطلقات تؤثر على العمر الافتراضي لتلك الآثار، وآخر مرة أطلق فيها مدفع القلعة 1992، ولم يسمع مرة أخرى منذ ذلك الحين.
وتحول المدفع إلى تحفة أثرية، وما يسمعه المصريون وقت الإفطار والسحور ما هو إلا صوت مسجل يذاع عبر موجات الأثير.