تحليل.. ميركل محاصرة من حلفائها وخصومها على حد سواء
لا ينقضي يوم في ألمانيا من دون أن تعج وسائل الإعلام بالتعليقات والانتقادات، حول تداعيات استقبال أكثر من مليون لاجئ في البلاد على الصعد الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.
لكن، يبدو أن الكفة تميل تدريجياً إلى جانب المحافظين، الذين يتهمون المستشارة أنجيلا ميركل بأن إصرارها السابق على الرهان على ملف اللاجئين، جعل مستقبل ألمانيا والقارة العجوز ككل معتمدا بشكل أساس على تركيا، التي استثمرت بشكل ناجح في هذا الملف؛ الأمر الذي ترك المفاوضين الأوروبيين مع الجانب التركي عرضة لابتزاز الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتأكيداً لرفضه أي مساومات في هذا الشأن، فإن أردوغان الذي يرفض احترام شروط الاتحاد الأوروبي بتعديل قوانين بلاده المتعلقة بمكافحة الإرهاب، قال مخاطباً الزعماء الأوروبيين في كلمة له في أنقرة: "منذ متى تتولون قيادة هذا البلد؟ من أعطاكم الحق بذلك؟"؛ متهماً الاتحاد الأوروبي بـ"النفاق".
وشدد الرئيس التركي على أن المفاوضات بشأن منح المواطنين الأتراك حق السفر إلى دول فضاء الشنغن من دون تأشيرة، مقابل وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الاتحاد الأوروبي، وصلت إلى طريق مسدود، وأن على أوروبا إيجاد "صيغة جديدة" لإنقاذ هذا الاتفاق.
غير أن رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر حذر من أن أنقرة لن تحصل على الإعفاءات الموعودة إلا إذا نفذت تركيا الشروط الـ 72 الواردة في الاتفاق؛ ومن بينها قوانين مكافحة الإرهاب التي يستغلها أردوغان للتضييق على معارضيه وخاصة الأكراد.
وبالرغم من محاولات الاتحاد الأوروبي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والادعاء بأنه لن يتهاون مع سجل تركيا في حقوق الإنسان، فإن القاصي والداني يعلمان أن القارة الأوروبية أصبحت رهينة ابتزازات أردوغان، الذي بات قادرا على إغراق القارة العجوز باللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين مرة أخرى. وهذا ما يخشاه زعماء الاتحاد الأوروبي، لأن الامتعاض الشعبي وصل إلى مستوى غير مسبوق، قد يهدد مستقبل الأحزاب السياسية الحاكمة.
لذلك، سارع حلفاء ميركل وخصومها على حد سواء بتوجيه سهام النقد إلى الزعيمة الألمانية، التي كانت توصف ذات يوم بـ"المرأة الحديدية"، قائلين إن عليها تحمل مسؤولية سياستها الليبرالية تجاه اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وما ترتبت عنها من نتائج سياسية مع تركيا.
في هذا الصدد، قال هورست زيهوفر، زعيم حزب «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» (CSU)، الذي يُعدُّ الحزب الشقيق لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (CDU)، الذي تتزعمه ميركل في ولاية بافاريا، إنه لا يعارض المحادثات مع تركيا، لكن الاعتماد المفرط على أنقرة هو أمر خطير بالنسبة إلى دولة كألمانيا.
وبالمثل، تعتقد سارة فاغينكنيخت من حزب «دي لينكه»، المنتمي إلى أقصى اليسار، أن ميركل احتكرت المفاوضات مع تركيا، مهملة رأي شركائها الأوروبيين. وبالتالي، فإن الزعيمة الألمانية مسؤولة في المقام الأول عن تعرض أوروبا لابتزاز "النظام السلطوي التركي"، وعن إحساس أردوغان بالقوة التي بات لا يبالي معها بحقوق الإنسان ويسحقها تحت قدميه، بحسب تعبير فاجينكنيخت.
ولا تقتصر الانتقادات على أداء ميركل مع أردوغان، بل تتعدى هذا الأمر إلى تراجع المستشارة عن سياسة الباب المفتوح للاجئين. فـ"الحزب الديمقراطي الاجتماعي" (SPD)، الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي، هاجم الانعطافة السياسية لميركل تجاه اللاجئين بعد أن استقبلت أكثر من مليون مهاجر غير شرعي العام الماضي.
وقال زعيم حزب الـSPD سيغمار غابرييل لمجلة "دير شبيغل" إن ميركل اتخذت القرار الصحيح بسماحها بدخول اللاجئين في العام الماضي، وذلك استجابة لحالات الطوارئ الإنسانية. لكن الزعيمة الألمانية، بحسب غابرييل، غيرت موقفها في وقت لاحق، ولذا فهو لن يستمر في تمجيد سياسة ميركل الجديدة تجاه اللاجئين.
وأضاف غابرييل للمجلة الألمانية: "الآن، بعدما أغلقت النمسا والمجر وسلوفينيا طريق البلقان، ها هي (ميركل) تقول: نحن لا نأخذ أي لاجئ من إيدوميني (مخيم على الحدود اليونانية) لأن الناس يمكن أن تبحث عن السكن هناك." إن جاز التعبير.. هذه انعطافة بمقدار 180 درجة، بحسب غابرييل.
هذه الانتقادات الموجهة لميركل من قبل شريكها الأصغر في الائتلاف بسبب تغيير سياستها، ورفضها استقبال المزيد من اللاجئين، يسلط الضوء على اضطرار ميركل للمشي على "حبل سياسي مشدود" في مسألة بالغة الحساسية، في دولة تملك أقوى اقتصاد في أوروبا.
وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن أكثر من 80% من الألمان يرى أن الائتلاف الحكومي الذي تقوده ميركل قد فقد السيطرة على أزمة اللاجئين. ومع إغلاق الدول الأوروبية المجاورة، مثل النمسا ودول البلقان حدودها في وجه المهاجرين غير الشرعيين، تتعالى أصوات المحافظين في ألمانيا من جهة، لكي تحذو بلادهم حذو تلك البلدان؛ ومن جهة أخرى تحث القوى الليبرالية بالعودة إلى سياسة الباب المفتوح للاجئين.
وما بين هذا وذاك، تستعد المستشارة ميركل لخوض معركة الانتخابات الفدرالية العام المقبل في ظروف هي الأصعب، ولا تبدو أنها قادرة على تجاوزها حتى اللحظة.