المبادرة المصرية.. كلٌ يغني على ليلاه
أثارت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للإسرائيليين والفلسطينيين، إلى الجلوس من جديد لطاولة المفاوضات، واستلهام تجربة السلام المصرية الإسرائيلية في اتفاقية كامب ديفيد كنبراس لهذه الجولة الجديدة من المفاوضات، ردود أفعال "سريعة " في عدة عواصم رغم أن ما اصطلح على تسميته "المبادرة المصرية" لا تخرج عن المبادرات الكثيرة التي لم تعلن حتى الآن نتائجها بفشل أو بنجاح، حتى أن المبادرة الفرنسية التي لم تكمل الأسبوع في إطلاقها وتم تأجيلها بحجة انشغال الولايات المتحدة وعدم مناسبة "موعد" اجتماع باريس لها، ليأتي الترحيب "الفوري" بمبادرة السيسي الأخيرة ليطلق علامات الاستفهام حول مواقف الأطراف المختلفة حول المبادرة والأمر برمته.
المبادرة المصرية - من وجهة نظري – ستستغلها الأطراف المختلفة لتحقيق مآربها، فرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يحاول أن يهرب بإسرائيل من المبادرة الفرنسية والضغوط الأوروبية لتقدم مفاوضات السلام ووجدت ضالتها فيما يبدو في المبادرة المصرية لا لشيء إلا أنها مبادرة بغير شروط مسبقة مثلما كانت المبادرة الفرنسية الأخيرة التي وضعت مجموعة من القواعد التي وجدتها إسرائيل تغيرًا لفلسفة وطريقة مفاوضاتها مع الفلسطينيين طوال العقد السابق كله.
وتأتي خطوة إسرائيل بإعلان "تفكيرها" في زيارة وفد رسمي للقاهرة ليس لمناقشة المبادرة المصرية؛ ولكن بالأساس لدفن شروط المبادرة الفرنسية الحالية، فنتنياهو من أشد صقور إسرائيل ولن يسمح بأي حال من الأحوال وطوال ولايته لرئاسة الوزراء في إسرائيل أن يحصل الفلسطينيين على أرض أو دولة، وهو بموافقته على المضي قدمًا في الجلوس على طاولة المفاوضات ضمن المبادرة المصرية، يحاول الالتفاف حول سخط الأوروبيين وخصوصًا السخط الشعبي الذي يقوم بحملة مقاطعة لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية، نتيجة لموقف إسرائيل المتعنت والذي لم تفلح آلة الإعلام اليهودية في تزيينه أمام المواطن الأوروبي والعالمي.
هي فقط - من جانب إسرائيل - خطوة استراتيجية للتخلص من المبادرة الفرنسية، وبدأ جولة جديدة بشروطها الخاصة، ووجدت في مبادرة السيسي فرصة لتحقيق ما تريد بعيدًا عن النية الطيبة للسيسي للعب دور في حل المشكلة العربية الإسرائيلية.
أما بالنسبة لأمريكا، فنحن الآن نمر في ما يحلو لي تسميته - فترة الريبة - في الحياة السياسية الأمريكية، وهي الفترة التي تنتقل فيها السلطة من رئيس إلى رئيس عبر حملات انتخابية مكثفة للمرشحين، وفي هذه الفترة وعبر التاريخ الأمريكي كله، لم يحدث أن قام رئيس منتهي ولايته بعمل مبادرة "حقيقية" لحل مشكلة قائمة في الداخل أو الخارج، ويفضل الساسة الأمريكيون أن تسلم الإدارة القديمة للإدارة الجديدة أغلب القضايا بدون إلزامات للإدارة الجديدة، وهو ما يجعلني استبعد أن تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل "حقيقي"، ومكثف للدخول في إلزامات على الجانب الإسرائيلي أو الإدارة الأمريكية الجديدة، ولكن يكون تواجدها بشكل "نظري"، وليس لتقريب وجهات النظر بين الأطراف.
غير أني اعتقد بشكل عام، أن مسألة الوصول إلى حل فلسطيني إسرائيلي يمر أولا بتوحيد الصف الداخلي الفلسطيني والوصول لمصالحة مبدئية بين حماس وفتح، وهو ما لا أراه ممكنا في الوقت الحالي.
خصوصًا أنه ورغم محاولات حماس المستميتة لتقديم فروض الطاعة للنظام المصري الحالي والتقرب منه كما رصدنا بتصريحات قيادتها انها نشرت قوات لها على الحدود المصرية "لمنع" دخول أسلحة أو أفراد للأراضي المصرية، أو إعلان أحد قياديها بالأمس أنها اكتشفت و"أحبطت" محاولة اغتيال للرئيس عبد الفتاح السيسي من قبل عناصر "فتحوية".
و"الرد" المصري الواضح الذي شاهدناه بتسريب جزء من تحقيقات مقتل النائب العام المصري واتهام حماس "رسميًا" بالوقوف وراء الحادث.
الوضع "معقد" ولكل طرف "أغراضه" من تأييد المبادرة المصرية، التي لا أراها إلا فرصة للجميع لتحقيق مآربهم الخاصة بعيدًا عن "النية" المصرية الخالصة لتحريك المياه الراكدة في القضية المركزية للعرب منذ 70 عامًا.