تحليل.. تضارب المصالح السعودية-الإماراتية في العديد من الملفات السياسية
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تضارب المصالح السعودية-الإماراتية في العديد من الملفات السياسية، وعلى رأسها الملف اليمني.
وقد ذهبت تأويلات بعض الصحافيين مؤخراً إلى تفسير إقالة خالد بحاح نائب الرئيس اليمني رئيس الوزراء السابق الشهر الماضي - والذي يُمثل بحسب بعضٍ المصالح الإماراتية في اليمن-، بأنها انعكاس لهذه الخلافات، مستندين بذلك إلى مبدأ المحاصصة وتوزيع النفوذ المستقبلي في اليمن بين قوى التحالف العربي، والتي تشكل فيهما دولتا السعودية والإمارات القوام الأكبر من حيث العمل العسكري واللوجستي في عملية "عاصفة الحزم"، التي بدأتها نهاية مارس الماضي.
ثم لم يمضِ شهر على إقالة بحاح، حتى خمدت عاصفة الاجتهادات الصحفية؛ لتتكشف عن عملية عسكرية مفاجئة لقوى التحالف العربي في مدينة المكلّا عاصمة إقليم حضرموت جنوب اليمن، تم على أثرها طرد تنظيم "القاعدة" من هذه المدينة الساحلية الاستراتيجية بتغطية مباشرة من سلاح الجو السعودي، وتدخل برّي بإشراف إماراتي.. عملية وصفها مراقبون خليجيون بـ" قمة التنسيق العسكري" بين البلدين.
بيد أن التنسيق العسكري، بحسب كثيرين، لا يعني تلاقي المصالح السياسية بتفاصيلها الدقيقة، وخاصة في منطقة تعج بالمتغيرات السياسية المتسارعة، والتي تدفع بأصحاب القرار في الدول ذات الشأن إلى اتخاذ قرارات انطلاقاً من مصالحها الاستراتيجية العليا أولاً.
لكن التسلسل الزمني للنهج السياسي، الذي تتبعه كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في الملفات السياسية الخارجية، لا يشير إلى تنسيق عابر لبعض المسائل الآنية الملحة فحسب، بل يتعداه إلى رسم وحدة مسار سياسي متكامل، بدأت ملامحه ترتسم بوضوح في السادس والعشرين من مارس الماضي مع أول غارات "عاصفة الحزم"؛ ولم تنته بخطوات سياسية مشتركة كالموقف تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أو تصنيف "حزب الله" منظمةً إرهابية محظورة في كلا البلدين؛ بل تُوج بإنشاء مجلس تنسيق أعلى بين البلدين
دوافع إنشاء مجلس تنسيق أعلى بين السعودية والإمارات
على الرغم من أن البلدين تجمعهما شراكة تاريخية مع باقي دول الخليج ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، فإن العلاقات الإماراتية-السعودية بشكل خاص، كانت تتميز على الدوام بالتقارب الوطيد، ولا سيما أن القيادات في الإمارات كانت ولا تزال ترى في السعودية عمقاً استراتيجياً في محيط إقليمي متذبذب.
ومع بدء "ثورات الربيع العربي" عام 2011، أصبحت التباينات السياسية بين دول الخليج تطفو على السطح. ولعل أبرزها كان عام 2014، عندما قررت كل من الرياض وأبوظبي والمنامة سحب سفرائها من العاصمة القطرية الدوحة، إثر مواقف الأخيرة السياسية المناقضة لمواقف الدول الخليجية، التي تجمعها معها اتفاقيات أمنية ودفاعية موحدة. لكن الأزمة حُلت آنذاك ضمن البيت الخليجي الواحد بعد عدة أشهر.
ذلك، وقد أشار نص الإعلان عن اتفاقية إنشاء مجلس تنسيقي أعلى بين السعودية والإمارات، وبشكل واضح، إلى أن وظائف هذا المجلس لن تخلَّ بالالتزامات والتعاون القائم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. فيما أكدت مصادر دبلوماسية أن الخطوة الجديدة لن تتعارض مع التزامات البلدين تجاه مجلس التعاون.
وهذا ما يأخذ بنا إلى نتيجة مفادها أن إطار التنسيق بين البلدين قد انتقل إلى مرحلة خاصة جداً في ملفات بعينها تتطلب تنسيقاً وثيقاً، من شأنه تحقيق سرعة الاستجابة والتنفيذ لأي تحديات سياسية أو أمنية، قد تطرأ في المحيط الإقليمي، وخاصة في غياب واضح للدور الأمريكي عن المنطقة، وتنامي التحدي الإيراني في مناطق جغرافية كانت في الأمس القريب بعيدة عن ساحة الاقتتال الإقليمي.
إن تطور مستوى الشراكة الفريد بين البلدين لا تقتصر خطواته على الأبعاد الاستراتيجية فحسب، بل على الأبعاد الاقتصادية أيضاً؛ إذ إن التناغم بدا واضحاً في الفترة الأخيرة بين الرؤية السعودية الجديدة من جهة، والخطى الإماراتية الاقتصادية المتسارعة من جهة أخرى، خاصة أن البلدين ينتهجان استراتيجيا متشابهة تحث خطاها إلى وقف الاعتماد على الموارد النفطية، والسعي لإنشاء صناعات ثقيلة تكون عماداً للاقتصاد الوطني؛ ومن ضمنها الصناعات الحربية التي يرجح محللون أن تكون لها الأولوية في القادم من السنوات.