"لكل مواطن تسعيرة".. تعويضات الحكومة لمنكوبي الحوادث "عنصرية".. حقوقيون: مساعات الدولة تدل على "الطبقية".. و"التضامن الاجتماعي" أصبحت وزارة "صدقة وإحسان"
العنصرية والتمييز الطبقي وتعميق الفوارق بين المصريين، شعار رفعته أجهزة الدولة في التعامل مع ضحايا الحوادث والكوارث المختلفة التي تقع بين الحين والآخر في مصر، فحتى في تعويض الضحايا والأموات، وضعت الحكومة تسعيرة غير ثابتة في التعامل مع الضحايا، وتكون قيمة التعويض وفقًا لجهة العمل أو حسب تعامل الوسائل الإعلامية المختلفة مع الحادث أو الكارثة.
تعامل الحكومة مع الضحايا أظهر مدى التمييز الطبقي، فإذا كان مواطنًا عاديًا، في الغالب يتراوح ثمن التعويض بين 5 و10 آلاف جنيه للمتوفى، أما إذا كان يتبع جهه سيادية يختلف الوضع تمامًا، فيمكن أن يصل التعويض إلى مليون جنيه ويظهرها حادث مقتل قضاة العريش على يد مجموعة إرهابية هناك أثناء الانتخابات البرلمانية، ولو كان أجنبيًا فهناك أرقام أخرى تحتلف حسب جنسية الضحية ونوع الوفاة.
حريق الرويعى
الحوادث المتكررة فى الفترة الأخيرة خير دليل على التفرقة العنصرية فى تعامل الدولة مع الواطنين، حيث استيقظت مصر على حريق هائل بشارع الرويعي في منطقة العتبة، وتحديدًا بفندق الأندلس لتأكل النيران جميع المحلات والمخازن والشركات الموجودة بالعمارة الموجود بها الفندق، ونتج عنه إصابة 82 شخصًا، ووفاة 4 آخرين متفحمين.
قررت وزارة التضامن الاجتماعي صرف 10 آلاف جنيه لأسرة المتوفى وألفي جنيه للمصاب.
حوادث غرق الإسكندرية نوفمبر 2015
شهدت محافظة الإسكندرية، كارثة مأساوية بسبب سوء الأحوال الجوية وهطول الأمطار الغزيرة، مما أدى إلى سقوط كابل كهرباء ترام على مياه الأمطار، ووفاة 6 أشخاص، فقررت الدكتور غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، تسليم تلك الأسر تعويضات رمزية وقدرها 10 آلاف جنيه أقرتها الدولة.
وفي فبراير الماضي، قررت وزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، صرف 5 آلاف جنيه مساعدات لأهالي المفقودين و10 آلاف جنيه لكل متوفى وألفي جنيه لكل مصاب، في حادث غرق مركب "زينة البحرين" قبالة السواحل السودانية، دعمًا لهم ومساندة لفقدان عائل الأسرة.
غرق مركب الوراق
غرقت مركب نيلية كان يقام عليها حفل زفاف بالوراق وعلى متنها ما يقرب من 40 شخصًا، وأسفر الحادث عن وفاة 35 شخصًا وإصابة 4 آخرين حيث تم صرف 60 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و10 آلاف جنيه لكل مصاب، وتعتبر هذه القيمة من التعويض كبيرة مقارنة بنسب التعويضات الأخرى التي لم تتجاوز الـ10 آلاف جنيه للمتوفى.
انفجار الهرم يناير 2016
أكدت وزارة التضامن الاجتماعى، أنها لن تصرف تعويضات لمتضرري حادث انفجار الهرم، لأن الحوادث الإرهابية خارجة عن تخصصاتها، المحددة بصرف مساعدات وتعويضات لأهالي ضحايا الكوارث الطبيعية فقط.
مليون جنيه للمسلسلات
في شأن آخر، أعلنت غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، عن تخصيص جائزة مالية بقيمة مليون جنيه بالتنسيق مع صندوق التمويل الأهلي بوزارة الشباب، للأعمال الدرامية التي ستعرض في رمضان المقبل والخالية من مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات، وكذلك الأعمال التي تعرض هذه المشاهد متضمنة الآثار وتداعيات الإدمان على المتعاطين.
مليون جنيه تعويض للقضاة
وفي حادث مختلف، أكد المستشار عاطف منصور، عضو غرفة عمليات نادي هيئة قضايا الدولة، صرف تعويض لعضو الهيئة، صابر السعيد، الذي توفى أثناء سفره لتغطية الانتخابات من محل إقامته بالجيزة، حيث تقرر صرف مليون جنيه في حالة الوفاة وتعويض يصل إلى 750 ألف جنيه في بعض حالات العجز.
من جانبهم، أكد عدد من
الحقوقيين والمهتمين بملف العدالة الاجتماعية، أن التفرقة في تعامل الحكومة مع
ضحايا الكوارث والحوادث يزيد من الفجوة الطبقية بين أبناء المجتمع الواحد، ويعكس
عنصرية الدولة ضد المواطنين، خاصة أن الدستور شدد على المساواة بين المواطنين في الواجبات والحقوق.
"التضامن" أصبحت وزارة صدقة وإحسان في مصر
فى البداية قال المحامى عبدالله خليل، استشارى القانون الدولى لحقوق الإنسان، إن "ما حدث فى حرائق القاهرة يرجع لفساد المحليات وأجهزة الحماية المدنية، إلى جانب قلة ثقافة المجتمع الذى نعيش فيه".
وأوضح استشارى القانون الدولى لـ "العربية نيوز"، أن مسألة التعويضات فى الكوارث تتفاوت وفقًا لحجم الكارثة، فتعويضات كوارث الطائرات ينتج عن نص قانونى دولى يلزم تعويض الضحايا بقدر محدد، بينما التعويضات الناتجة عن حوادث القتل الخطأ لها قواعد متعلقة بظروف الحادث بين الجانى والمجنى عليه، وتعويض الحرائق فلابد أن يبنى على آراء خبراء أمنيين واقتصاديين وقانونيين أيضًا، تقدر بحجم الخسائر والضرر الناتج، وقيمة الأماكن والتعاملات، مضافًا إليه قيمه الربح وتكلفة إعادة الحال إلى ما كان قبل حدوث الكارثة، التزامًا بالمادة 148 فى القانون المدنى المصرى "بأنها أعمال ناتجة عن تقصير وإهمال الرقابة".
وأكد "خليل" أن وزارة التضامن الاجتماعى فى مصر ما هى إلا وزارة صدقة وإحسان، ولا توجد لديها معايير فى صرف التعويضات للمصابين والقتلى فى الكوارث والحوادث.
تعويضات الكوارث في مصر تدل على "الطبقية"
فيما أكد الناشط الحقوقى أمير سالم، رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أن الدولة غير مؤهلة لحدوث العديد من الحرائق التي تسيطر على مناطق عديدة في مصر منذ أيام، مؤكدًا أنها "مفتعلة"، منتقدًا الحكومة لاسيما أن الدولة عليها التكفل بحماية المواطن المصري.
وأضاف رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لـ"العربية نيوز"، أن المواطن المصرى يدفع ما عليه من ضرائب وتأمينات مقابل العيش فى بلده بطريقة آمنة، إلا أن دول العالم الثالث لها تفكير عقيم تقابل هذا بإهمال شديد يودى بحياة المواطن إلى الموت، مطالبًا بتعويض كل من خسر سكنه وشغله وحياته بتعويضات بقيمة الوقت الحالى، مع إعلان الدولة لكفالة جميع أسر المصابين والمتوفين صحيًا واجتماعيًا وماديًا.
وأشار "الحقوقى" إلى أن بيان التعويضات من وزارة التضامن الاجتماعي، تؤكد أن حياة المواطن أرخص ما يوجد فى البلد الآن، موضحًا أن التعويضات التى تصرف للمصابين المصريين مقارنة بمصابي الجنسيات الأخرى تحدد عن طريق "الباسبور"، فلا توجد وجه مقارنة بينهم مما يؤكد أن المصري ليس له ثمن.
خطر يهدد المجتمع
وفى السياق ذاته، يقول الدكتور طه أبو الحسن، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إن الحكومة تتعامل بشكل طبقى مع المواطنين، ويظهر ذلك فى مسألة التعويضات التى تصرف للضحايا فى الكوارث والحوادث، فهذا الفرق يعكس التمييز بين أبناء المجتمع الواحد، حيث بات الأمر يحدد وفقًا للوظيفة أو القوة المجتمعية التى يمتلكها المواطن، لافتًا إلى أن التعويضات هى مساعدات إنسانية لا يجب أن تكون هناك تفرقة فيها.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع لـ"العربية نيوز" أن غياب العدالة الاجتماعية سينعكس على المواطنين بالسلب ويساعد على انتشار العنصرية والتفرقة الطبقية بين المواطنين، مطالبًا بتطبيق الدستور والقانون الذى نص على العدالة الاجتماعية، خاصة فى مسألة التعويضات.