"صادق خان".. العمدة المُسلم الذي جسّد ترابط فئات المجتمع بلندن
"أُدعى صادق خان، رئيس بلدية لندن"، كلمات قليلة تتسم بالبساطة والرمزية وعدم التكلف، افتتح بها أول مُسلم انتُخب على رأس العاصمة البريطانية، لندن، كلمته خلال حفل توليه لمنصبه الجديد بشكل رسمي، ووقع اختياره على كاتدرائية "ساوثوورك"، ليُنظم فيها مراسم أداء يمينه الدستوري، باعتبارها أحد أقدم دور العبادة في لندن.
وعكَس حفله، الذي عقد في 7 مايو الجاري، التعدّدية الثقافية لأكبر مدينة في أوروبا الغربية، حيث جمع شخصيات من مختلف الأديان والثقافات، بينهم دورين لورانس، والدة الفتى الأسود "ستيفن لورانس"، الذي أثار قتله في العام 1993 تحولًا كبيرًا في العلاقات العرقية بالبلاد.
وحقق خان، مرشح حزب العمال البريطاني، المركز الأول بعد حصوله على 56.8% من الأصوات "مليون و310 آلاف و143 صوتًا"، في الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد، الخميس الماضي، ليفوز على منافسه المحافظ، المليونير زاك غولدسميث "994 ألف و614 صوتًا"؛ ليتقلد منصب عمدة لندن بدلًا، من بوريس جونسون، ذي الأصول التركية.
وكان لفوزه المدوي، أثرًا كبيرًا على الصعيد العالمي، حتى أنه تلقى تهنئة من المرشحة الرئاسية الأمريكية، هيلاري كلينتون.
وجعل منصب عمدة لندن، من خان، أحد أهم وأوقوى السياسيين البريطانيين، حيث أنه يتحكم بموازنة تقدر بملايين الجنيهات الإسترلينية، ويتمتع بسلطات واسعة في مجالات عدة، منها الإسكان والنقل.
وقال شجاع شافي، الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا، الذي يمثل المنظمات الإسلامية في جميع أنحائها، في حديث للأناضول، إن "الحقيقة الراهنة، أن مسلمًا، سيعمل على تجديد أواصر التعاون بين المجتمعات المختلفة في المدينة من جهة، وبلديتها من جهة أخرى".
وأضاف "تحتاج المدينة، التي شهدت مؤخرًا حملة انتخابية محلية شرسة، إعادة بناء روابط التعاون والمحبّة بين فئاتها المجتمعية، وذلك يعود لتفشي سرطان تلطيخ سمعة المسلمين والمنظمات الإسلامية، الذي أفسد أجزاءً من الجهات السياسية والإعلامية، وصولًا إلى بعض المراكز الحكومية الهامة في البلاد".
وتابع قائلًا "إنه لَمن المؤسف حقًا أن يواجه اللندني، الذي صادف أن يكون مسلمًا، اتهامات من دوائر المحافظين بأن له صلات بإرهابيين، في ظل حملة تشويهية لسمعته قبيل الانتخابات".
من جانبه، ذكر آدم بينكوف، محلل سياسي بريطاني، في مقال تحليلي، نشره عنه موقع "Politics.co.uk"، "انطلقت حملة التشويه، التي استهدفت خان، من خلال قصص تلفيقية، نشرتها عنه صحف محلية، داعمة لحملة "غولدسميث"، مثل صحيفة "ستاندارد المسائية".
وأضاف "لدى إظهار استطلاعات الرأي أن خان، مازال في المقدمة، وأن التلفيقات لم تؤتِ أُكلها، أخذ غولدسميث وغيره من كبار المحافظين، مهمة تشويه سمعته على عاتقهم بشكل مباشر، من خلال إصدار تصريحات مغرضة تتهمه بأنه "طالما أعطى منصة وغطاءً للمتطرفين".
في حين كان كبار سياسيي حزب المحافظين، بقيادة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، ووزير الدفاع، مايكل فالون، ووزيرة الداخلية، تيريزا ماي، يتساءلون إن كان خان، قادرعلى الفوز بمنصب عمدة لندن، في ظل الهجوم الشرس الذي شُن ضده، ظهر بعضهم على شاشات التلفزيون ليهاجموا تكتيكات حزبهم.
وكان من بينهم أندرو بوف، عضو مجلس لندن، الذي وصف في مقابلة تلفزيونية على قناة "لندن لايف"، اتهامات خان، المغرضة، بأنها "الجزء السلبي من الحملة الانتخابية".
وأضاف "تلقيت بعض ردود الفعل من مؤيدينا في لندن، حيث أنهم يشعرون بالشك والرّيبة من الأساليب التي اتبعها حزب المحافظين خلال حملته الانتخابية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبًا عليه، ويشوه صورته التي طالما حافظ عليها".
وإن كان حزب المحافظين سيشهد داخليًا المزيد من تبادل الاتهامات، خلال الفترة المقبلة، إلا أن كاميرون، وخان، يُعدّون معًا حاليًا الحملة الرسمية للاستفتاء على بقاء البلاد في الاتحاد الأوروبي، المقرر في 23 حزيران/ يونيو المقبل.
وولد صادق خان، في أكتوبر 1970 من عائلة باكستانية، هاجرت إلى بريطانيا، وهو سياسي وعضو في حزب العمال.
تجدر الإشارة، أنَّ عدد سكان العاصمة لندن يبلغ 9 ملايين نسمة، تساهم لوحدها بربع الناتج الإجمالي القومي، وتبلغ ميزانيتها 17 مليار جنيه إسترليني "حوالي 24 مليار دولار أمريكي".