الرواية العربية وثيقة اجتماعية في زمن التحولات
تطبع الأحداث الدامية والتحولات السياسية والاجتماعية الكبيرة التي يشهدها العالم العربي راهنا، الرواية العربية التي واكبتها تحليلا ونقدا، لتصبح اشبه بوثيقة اجتماعية تلاقي اهتمامًا بترجمتها إلى اللغات الأجنبية، بحسب ما يقول روائيون مشاركون في "الملتقى الأول للرواية العربية في بيروت".
ويقول الشاعر والصحافي اللبناني يوسف بزي منسق الملتقى الأول للرواية العربية الذي يختتم الاثنين في بيروت "قبل عقود، كانت التجارب الذاتية أو المحلية الضيقة والتجارب النضالية اليسارية محور أعمال الروائيين العرب، ولم تكن الرواية تتناول تجربة المجتمعات بكاملها".
ويضيف "أما اليوم فتبدو الروايات العربية قبل الثورات وخلالها وبعدها، وكأنها تلاحق الحدث حتى في الوقت".
فالمسافة الزمنية تتقلص بين الحدث في سوريا والإنتاج الروائي الذي يتناوله، أما في مصر فالثورة استمرت أسابيع لكن الروايات المستوحاة منها لم تتوقف، بينما شهدت تونس "انفجارًا" روائيًا منذ لحظة الثورة، وفقا لبزي.
فالكاتب "يعيش في مجتمع يشعد تغيرات اقتصادية وسياسية وثورية او عكسها، ويتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر مما ينعكس على عمله"، وفقا للروائية المصرية منى برنس.
وتقول "نحن نحتاج بعد الثورة أو بعد حدث كبير إلى أن نستوعب أكثر ما حصل، علمًا أن أعمالا روائية كثيرة صدرت بعد ذلك".
- الاضطرابات وأسلوب التعبير
ويبدو أن الاضطرابات التي تعيشها المنطقة تترك بصماتها على أسلوب التعبير الروائي أيضا، كما في سوريا التي تمر الرواية فيها بمنعطف في الوقت الحالي، وتزداد غنى بفعل الحرب، بحسب الروائية السورية مهى حسن.
وتوضح قائلة "لا يمكن لأي كاتب سوري ان يكتب رواية من دون ان يتطرق الى ما يحدث، ولا يمكن أن يتجاهل العنف والدم، فالقتل والجثث باتت من يومياتنا، وبالتالي باتت مفردات الرواية أكثر قساوة وفجاجة".
- الرواية العربية "بديل عن كتب الاجتماع".
ويذهب الكاتب العراقي علي بدر أبعد من ذلك، واصفا الرواية العربية بأنها "الممثل الحقيقي اليوم لحركة المجتمع العربي وتحولاته" وبنها صارت بديلا عن العلوم الانسانية التي "دمرت بسبب ارتباطها بالدولة وبقوى اجتماعية وسياسية ودينية".
ويشير علي بدر إلى أن الرواية العراقية الحديثة "هي رواية المنفى، بعضها يتكلم عن العنف الديني وعن الاثنيات، عن الأرمن في العراق والاقليات الدينية والقومية".
وتؤيده الكاتبة اللبنانية إيمان حميدان، إذ ترى أن "الرواية العربية حاليًا أهم من أي كتاب علم اجتماع .. أنها وثيقة سوسيولوجية، وليس هدف الرواية أن تنقل الواقع كما هو فحسب، بل أن تنقله وتنتقده".
في لبنان، نشأت الرواية اللبنانية الفعلية والحديثة، بحسب تعبير يوسف بزي، مع الحرب اللبنانية، مع الياس خوري وحسن داود وحنان الشيخ وعلوية صبح وإيمان حميدان وجبور الدويهي ورشيد الضعيف، وهذه الاسماء "كانت دائما متأثرة بالواقع".
ثم جاء الازدهار الثاني للرواية اللبنانية بعد "السلم الناقص" أو "الحرب الاهلية الباردة المستمرة" كما يقول، في اشارة الى انتهاء الحرب في العام 1990 من دون إقفال ملفاتها وتوتراتها كما يجب.
- حركة ترجمة
إزاء ذلك، باتت الرواية العربية مدخلا لفهم المجتمعات العربية وتعقيداتها والمخاضات التي تمر بها، وباتت تلقى طلبا للترجمة الى اللغات الاجنبية.
ويقول يوسف بزي "لاحظنا أن حركة ترجمة الروايات العربية إلى اللغات الحية، كالفرنسية والانكليزية والايطالية والاسبانية، باتت أمرًا رائجًا بعدما كان نادرا"، لكونها صارت في السنوات الخمس عشر الماضية "واجهة الثقافة العربية والتعبير الأحدث لها".
ويشكل التشابك الراهن "بين الرواية العربية والحدث السياسي والاضطراب الاجتماعي والعنف العابر للاوطان"، بحسب بزي، "جزءًا أساسياً من الحماسة الى ترجمتها من دون اغفال تطور اللغة الادبية للرواية العربية".
وتقول مهى حسن "نحن بالنسبة للغرب فئران اختبار. الاقليات والارهاب الاسلامي قصص يستمتع بها الغرب ، ويستفيد من بعض الخطابات ويركز عليها الضوء".
وشارك في "ملتقى الرواية العربية" الذي تنظمه "الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية-أشكال ألوان"، نحو 30 ناشرا وروائيا وناقدا من بلدان عربية عدة.
وناقشت جلساته مواضيع ادبية عدة، منها مدى اعتبار الرواية العربية "التعبير الثقافي الأول"، ودور الثورات والاضطرابات السياسية والخطاب السياسي في الرواية، وإقبال دور النشر الأجنبية على الروايات العربية.