عاجل
السبت 16 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

ليس بـ"التوكاتسو" يتطور التعليم


تعد التجربة اليابانية فى التعليم إحدى أهم التجارب المتميزة فى العالم، حيث نجحت اليابان فى الخروج من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية عبر جسر التعليم، والذى مكنها من اختراق الحصار السياسى والاقتصادى وفتح اليابان على العالم محطمة بالتعليم والعلم القيود التى فرضتها أمريكا والغرب عليها لتتحول من دولة خاضعة تابعة إلى دولة فاعلة بقوة العلم الذى انعكس على كافة مناحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ولتصبح منافسا اقتصاديا منتجا بدلا من تابع وسوق للدول الكبرى.

و"التوكاتسو" هو نوع من الأنشطة التربوية التى تطبقها الدولة فى المدرسة اليابانية قى جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعى وتقوم على تنمية الشعور بالجماعة والمسئولية لدى التلاميذ والطلاب تجاه المجتمع بادئًا بالبيئة المدرسية المحيطة بها المحافظة على المباني الدراسية والأدوات التعليمية والأثاث المدرسي وغير ذلك فمن المعروف عن المدارس اليابانية المحافظة على نظافة المدرسة.

وأيضا وجود أحذية رياضية خفيفة عند مدخل المبنى المدرسي مرتبة في خزانة أو أرفف خشبية يحمل كل حذاء اسم صاحبه، حيث يجب أن يخلع التلاميذ أحذيتهم العادية وارتداء هذه الأحذية الخفيفة النظيفة داخل مبنى المدرسة.

وهذه العادة موجودة في معظم المدارس الابتدائية والمتوسطة وكثير من المدارس الثانوية أيضًا، وكذلك يقوم التلميذ عند نهاية اليوم الدراسي بكنس وتنظيف القاعات الدراسية بل وكنس ومسح الممرات بقطع قماش مبللة بل والأكثر من ذلك غسل دورات المياه وجمع أوراق الشجر المتساقط في فناء المدرسة وكذلك القمامة إذا وجدت.

وبصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حول النظام الاقتصادى الرأسمالى الحاكم المتبع والسائد هناك إلا أننا ننتاول التجربة ونتائجها وارتباط التجربة التعليمية بنهوض وتقدم المجتمع ودور تلك التجربة فى الحفاظ على ملامح الشخصية اليابانية بتراثها الحضارى وطموحها الدؤوب نحو المدنية الحديثة بل والمشاركة فى صنع ملامح تلك المدنية بكل خصائصها دون السقوط فى نفق الماضى والتوقف عنده أو التمسك به وتلك المعادلة نجحت اليابان فى حلها من خلال منظومة تربية وتعليم متكاملة أساسها دور الدولة ومسئوليتها فى وضع الإطار العام لتلك المنظومة والتخطيط الكامل والرقابة.
 
ولكن.. هل التعليم فى اليابان يقوم على المركزية المطلقة أم أن المركزية واللامركزية مقننة ومحددة فى أدوار مكملة لكل المنظومة؟ 
وهل يمكن تحقيق هذا التوازن بين المركزية واللامركزية فى التعليم المصرى؟ 
وهل نقل جزئية واحدة فقط من التجربة (أنشطة التوكاتسو) كافية لإنجاح تطبيق التجربة؟ 
وكيف يمكن الاستفادة من التجربة وفقا للظرف الذاتى المصرى؟ 
الأسئلة كثيرة.. وللإجابة عليها نحتاج إلى عمل مقارنة كاملة وواضحة بين منظومة التعليم المصرى والتعليم اليابانى سواء من حيث الأسس الفكرية التى بنيت عليها كلا من المنظومتين اأو المستهدفات العامة من العملية التعليمية للمجتمع فى كلا من الدولتين وكذلك حجم الانفاق وأيضا مقارنة بين عناصر العملية التعليمية (المعلم والطالب والمنهج وولى الأمر والمدرسة) وفى النهاية نتائج كلا من التجربيتين.
 
وبالتأكيد فإن كثيرا من البحوث والدراسات تناولت التجربة اليابانية فى التعليم بسبب نتائجها المبهرة والنى كانت السبب الأساسى فى تقدم المجتمع اليابانى وخروجه من أزماته المختلفة الناتجة عن الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية.. وعقد تلك المقارنة يحتاج الى دراسة متكاملة شاملة فى مجلدات وليست مجرد مقال أو دراسة بسيطة أو بحث مختصر، لكن علينا نناقش ما تطرحه وزارة التربية والتعليم وتعلنه من عقد بروتوكول مع الحكومة اليابانية للبدء فى تطبيق التجربة اليابانية على التعليم المصرى وعقدت الوزارة مؤتمرا لتعلن فيه عن ذلك وتحدث من تحدث عن أنشطة (التوكاتسو) اليابنية.

بداية علينا أن نتعرف بالأسس التى تقوم عليها منظومة التعليم اليابانية وتتمثل في.

أولا: المركزية واللامركزية وحجم التطبيق لكلا منهما 
ثانيا: روح الجماعة والعمل الجماعى والمسئولية 
ثالثا: الجد والاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء
رابعا: الحماس الشديد من الطلاب وأولياء الأمور للتعليم
خامسا: مكانة المعلم المرموقة

ونلاحظ فى التجربة اليابانية عدة ملاحظات هامة جادة تشكل عوامل نجاح منها.
 
1- ان اسم الوزارة المسئولة عن التعليم هو (وزارة التربية والعلوم والثقافة) وهذا يعنى أن التعليم اليابانى مسئول عن تربية الإنسان اليابانى وتعليمه وتثقيفه.
 
2- أن للمعلم مكانة مرموقة اجتماعيا وعلميا وثقافيا وماليا وهذا راجع إلى إدراك الدولة للدور الأخطر للمعلم فى منظومة التعليم وأنه من يقع عليه العبء الأثقل فى تنفيذ العناصر الثلاثة التربية والتعليم والثقيف ولذلك نجد المعلم اليابانى خاضعا باستمرار للتدريب والتطوير المهنى والمعرفى والمالى ولذا نجد مهنة المعلم فى اليابان من المهن التى يسعى إليها الأكثرية، رغم أن الحصول على وظيفة معلم تتطلب جهدا كبيرا نظرا للشروط التى وضعتها الدولة من دراسة واختبارات متواصلة قبل وأثناء العمل.
 
3- المدرسة هى المكان الوحيد الذى تتم فيه عملية التعليم داخل المجتمع ولا يوجد ما يسمى (الدروس الخصوصية) ولا يعرفها المجتمع اليابانى مطلقا بسبب دور الدولة وقوتها وتنشئة المواطن اليابانى على احترام الدولة ومؤسساتها واحترام القانون وتغليظ العقوبات فى حالة تجاوزه أو اختراقه.

4- المدرسة اليابانية مدرسة جاذبة وليست طاردة وهذا يعنى أنها بيئة تعلم جاهزة كاملة تغنى الطالب تماما تربويا وتعليميا وتثقيفيا فالإدارة اللامركزية والمعلم المتطور علميا ومهنيا والمستقر اجتماعيا والرعاية الصحية والغذائية والتكنولوجيا المتكاملة عناصر وفرتها الدولة فى المدرسة فتحولت إلى صورة مصغرة من المجتمع اليابانى حفاظا على التكوين النفسى والفكرى للطالب فى علاقته بمجتمعه.