عاجل
الخميس 28 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

تصاعد شعبية اليمين المتطرف في فرنسا.. تحدٍ حقيقي أم وهم زائف؟.. حزب لوبن يخترق باريس ويفوز بـ20%.. والشباب أكثر المستقطبين.. وشعبية العنصريين في تزايد

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

تسود أجواء من الترقب داخل الساحة السياسية الفرنسية؛ نتيجة التصاعد الملحوظ والمستمر في شعبية حزب اليمين المتطرف، الجبهة الوطنية، بزعامة مارين لوبن، التي أصبحت من أكثر الشخصيات تأثيرًا في المشهد السياسي الفرنسي. 

وتكشف آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها جريدة "الأحد" الفرنسية خلال الأيام القليلة الماضية، أن 33% من الفرنسيين على استعداد للتصويت لمرشحة الجبهة الوطنية خلال الانتخابات الرئاسية، المقرر عقدها في 2017، وهو ما يعني - من وجهة نظر الكثيرين، أن لوبن نجحت في تحقيق مزيد من الاختراقات الشعبية وكسب ثقة شريحة كبيرة من المواطنين في الشارع الفرنسي. 

كما يكشف استطلاع آخر للرأي، أن حزب لوبن قد يفوز بنحو 20% من الأصوات في إقليم "إيل دو فرانس"، الذي يشمل العاصمة الفرنسية باريس وضواحيها، وذلك خلال الانتخابات الإقليمية المزمع إجراؤها في الفترة ما بين 6 و13 ديسمبر المقبل؛ لتجديد أعضاء المجالس المحلية بفرنسا وفي أقاليم ما وراء البحار، وهو ما يؤكد الصعود الواضح في شعبية لوبن خاصة أنها حصلت على 9% فقط من أصوات الإقليم خلال الانتخابات الإقليمية عام 2010. 

وتعكس هذه الاستطلاعات ما حققته زعيمة الجبهة الوطنية من نجاحات خلال السنوات القليلة الماضية، فقد تمكنت من تحقيق اختراق في فئة الشباب بين 18 و24 سنة الذين مثلوا 42% من قاعدة المعجبين بها، كما نجحت في كسب ثقة 47% من الموظفين والكوادر المستجوبين، إضافة إلى 41% من العمال وهو ما يمثل تصاعدًا ملحوظًا في شعبية لوبن، خاصة في ظل تزايد حالة الاستياء الشعبي من سياسات الحكومة الاشتراكية. 

ويتفق المتخصصون في الشأن الفرنسي على أن الجبهة الوطنية قد تمكنت خلال حكم الرئيس الاشتراكي فرنسوا أولاند، من تحقيق انتصارات كبيرة في عدد من الانتخابات التي أجريت وعلى رأسها انتخابات البرلمان الأوروبي العام الماضي التي احتلت فيها الجبهة المرتبة الأولى من بين الأحزاب الفرنسية، وهو ما اعتبر نجاحًا غير مسبوق للوبن ليس فقط على المستوى الداخلي بل على الساحة الأوروبية. 

واستنادًا لذلك يعتبر هؤلاء، أن صعود مارين لوبن إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية عام 2017، أصبح أمرًا متوقعًا وغير مفاجئ للمجتمع الفرنسي، وهو ما يختلف كلية عن الوضع في الانتخابات الرئاسية لعام 2002 عندما صعد والدها جون ماري لوبن زعيم الجبهة الوطنية آنذاك إلى الدور الثاني من الانتخابات أمام الرئيس اليميني جاك شيراك، وأحدث ذلك وقتها زلزالاً سياسيًا، نتيجة عدم تقبل فكرة صعود مرشح اليمين المتطرف إلى الدور الثاني للانتخابات. 

ويرى هذا الفريق من المتخصصين، أن الجبهة الوطنية نجحت مؤخرًا في فرض نفسها كقوة سياسية ثالثة في البلاد؛ لتقضي بذلك على الثنائية الحزبية التي شملت دائمًا اليمين واليسار. كما يعتبر هذا الفريق أن من أهم أسباب نجاح الجبهة هو تركيز مرشحيها على القضايا المحلية في المدن والبلدات التي يتواجدون فيها مثل خلق فرص العمل ومواجهة البطالة وتنمية التجارة. بالإضافة لذلك نجحت الجبهة في استغلال السخط الشعبي إزاء سياسات الحكومة الاشتراكية سواء المتعلقة بأزمة المهاجرين أو ارتفاع معدلات البطالة أو الهجمات الإرهابية لتقوي من مكانتها وتبرز نفسها باعتبارها المدافع عن حقوق ومصالح الشعب الفرنسي. 

في مقابل ذلك، يرى فريق آخر من المراقبين أنه مع الإقرار بأن مارين لوبن أصبحت تمثل تحديًا حقيقيًا داخل المشهد السياسي الفرنسي، وإن نجاحها في الدور الأول من الانتخابات أصبح أمرًا متوقعًا غير أنه يؤكد عدم قدرتها على تخطي عتبة الدور الثاني من الانتخابات بمعنى أن فوزها بمنصب الرئيس يعد أمرًا أقرب إلى المستحيل، فهي تعجز على تخطي عتبة الـ 50% اللازمة للوصول إلى الإليزيه. 

ويؤكد هذا الفريق، أن هناك شبه إجماع داخل الساحة السياسية في فرنسا، أن المرشح الرئاسي سواء من اليمين أو اليسار، الذي يصعد إلى الدور الثاني أمام لوبن، سيكون هو الفائز بالرئاسة الفرنسية في انتخابات 2017. 

ويعتقد أنصار هذا الفريق أن الجبهة الوطنية بزعامة لوبن لا تتمتع بنفس القوة المبالغ فيها التي تحاول أن تصورها الصحف ووسائل الإعلام الفرنسية وأن شعبيتها التي تتزايد يومًا تلو الآخر، ما هي إلا نتيجة للضعف الذي يتسم به منافسوها سواء في معسكر اليمين أو اليسار. ويؤكد هذا الفريق أن لوبن تفتقد القدرة على المجادلة، وإنه عندما يتم مهاجمتها بحجج منطقية تتراجع ولا تستطيع المواجهة. 

كما يرى هذا الفريق، أن دعاوي لوبن بالخروج من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو تفقدها مصداقيتها أمام المواطنين. فمع الإقرار بوجود حالة من الاستياء داخل المجتمع الفرنسي نتيجة تفاقم أزمة المهاجرين وإجراءات التقشف الناتجة عن سياسات الاتحاد الأوروبي، غير أن ذلك لا يعني رغبة المواطنين الفرنسيين في إخراج بلادهم من الاتحاد أو التخلي عن عملة اليورو، لأن هذا الأمر سيترتب عليه تداعيات سلبية واسعة النطاق. 

ويوضح هذا الفريق أن الصحف التي نشرت استطلاعات الرأي الموضحة؛ لتصاعد شعبية لوبن هى نفسها التي اشتملت على استطلاعات تعكس حالة من الرفض تسود نحوها من قبل شريحة واسعة من المواطنين. ومن بين تلك الاستطلاعات استطلاع أجرى في مطلع الشهر الجاري، يوضح أن 67% من المواطنين يرون أن لوبن شخصية "عنصرية" وأن 58% منهم يعتبرونها لا تحترم القيم الديمقراطية و70% يؤكدون أنه ليس لديها حلول حقيقية لإخراج البلاد من أزمتها و69% يرون أنها تفتقد ما يؤهلها لأن تكون رئيسًا لجمهورية فرنسا. 

وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إنه مع الإقرار بنجاح الجبهة الوطنية بزعامة لوبن في فرض نفوذها على الساحة السياسية الفرنسية على نحو غير مسبوق في أي من العهود السابقة، غير أن هناك شبه إجماع على أن هذا النفوذ مستمد بالدرجة الأولى من حالة الضعف والوهن التي أصابت أحزاب اليمين واليسار في المرحلة الراهنة، وعجزها على إيجاد حلول فعالة لأزمات البلاد. 

وتختلف الآراء حول تأثير هذا التصاعد في نفوذ اليمين المتطرف على الحياة السياسية الفرنسية، فهناك من يعتقد أنه يمثل تحديًا حقيقيًا داخل المشهد الفرنسي بينما يعتقد آخرون أنه لا يتعدى كونه وهمًا زائفًا. إلا أن هذه الآراء اتفقت على أن الانتخابات الإقليمية في ديسمبر المقبل، ستكون بمثابة مؤشرًا لقياس مدى خطورة شعبية اليمين المتطرف على الحياة السياسية، وتأثير ذلك على انتخابات الرئاسة عام 2017.