معجزة طبيب مصرى
من أغرب القضايا، وأكثرها تشويقاً وألماً.
طبيب بشري مصري أوشك على الموت وحيداً بشقته التي لا يعلم مكانها أحد، بمدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية، بعد أن تورط في جريمة هو منها برئ، لمدة 7 سنوات اختبئ الطبيب في شقته وتواصل مع كل جهة ظن أنها بمقدورها مساعدته لكن حيثيات القضية وغرابتها جعلت الجميع يتخوف من موقف الطبيب ولم يصدقه أحد وعزف عنه الجميع
وشاء القدير بعد سبع سنوات من الموت البطئ لهذا الطبيب أن يتواصل إليكترونياً مع أحد المحامين من خلال صفحة إليكترونية أنشأها هذا المحامي قبل يومين فقط من تواصل الطبيب إسمها صفحة تفريج الكرب للمصريين العاملين بالخارج، وكأن هذه الصفحة هي أحد جنود الله التي سخرها لإنقاذ حياة هذا الطبيب ، ويتدخل القدر مرة أخرى ليؤمن المحامي ببراءة هذا الطبيب، ويقاتل المحامي وينحح في توصيل الصوت المبحوح لهذا الطبيب مدعوما بأدلة البراءة لتصل القضية إلى جهة إعلامية معروفة وإعلامي أقل ما يوصف بأنه إنسان ثم تحركت الجهات الرسمية على قدم وساق وتحولت مآساة الطبيب إلى ملحمة تكاتفت فيها جهود الدولة المصرية والسعودية لتثبت براءة الطبيب ويعود لأسرته بعد عشر سنوات قضاها الطبيب وحيداً في شقته عاني فيها أشد أنواع الإيلام النفسي والبدني ومرض بالسمنة المفرطة لخوفه من الخروج من شقته المتواضعة ووصل وزنه 270 كيلو جراماً كاد هذا الوزن وما صاحبه من أمراض أن يقضى على حياة هذا الطبيب لولا إرادة الله وعنايته.
بطل القضية هو الطبيب هشام محمد؛ طبيب بشري مصري من عائلة مرموقة بمصر، بدأت القضية في عام 2012، وانتهت في 2024، حيث كان هذا الطبيب يعمل بمركز طبي بمدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية، واستدرجته شركة تأمين عالمية وأغدقت عليه العطايا ومنحته عرضاً وظيفياً ليعمل معها كمدير لمنطقة الشرق الأوسط، فما لبث الطبيب وأن وافق على العرض فلا شبهة فيه ولا مخالفة فهو مغترب عن وطنه وأهله ليتحصل على المال الحلال وها هو الرزق الوفير أرسل إليه في هذا العرض الوظيفي الذي لا يرفضه عاقل.
بعد التعاقد قامت شركة التأمين هذه- والتي اتضح لاحقاً أنها عصابة سرقة البنوك إليكترونياً- بعدد 8 عمليات إحتيالية لعدد من الحسابات البنكية لبعض المواطنين السعوديين، ونتج عن هذه العمليات الاحتيالية أن تحولت المبالغ مباشرة بقيمة 84,000 ريال سعودي من حسابات الضحايا إلى حساب الطبيب، دون أن يعلم الطبيب من هم الضحايا ودون أن يتدخل في شيء مما تم، وكذلك لا يعرف أياً من هؤلاء الضحايا هذا الطبيب.
الآن؛ وبعد أن تحولت المبالغ إلى حساب الطبيب المصري، تلقى إيميلاً من شركة التأمين تضمن تفاصيل المبالغ، ووقت تحويلها، وتلقى طلباً بسحب هذه المبالغ نقداً من حسابه وتحويلها عبر ويسترن يونيون إلى حساب شركة التأمين خارج المملكة العربية السعودية، وما لبث أن قام الطبيب المصري بذلك، ولم لا وهو لديه عرض عمل وعقد عمل موثق منهم يؤمن موقفه القانوني، وما سيفعله هو إلتزام عقدي في عرض رسمي من هذه الشركة.
المأساة الأولى:
بعد قيام الطبيب بتحويل المبالغ حسب طلب شركة التأمين، فوجئ الطبيب بعد أيام باستدعاء من الجهات الشرطية بالمملكة العربية السعودية، بناء على بلاغات من المواطنين الذين سُرقت أموالهم من قبل الشركة الوهمية، وسند الإتهام أن هذه المبالغ تحولت لحسابه الشخصي وأنه هو الذي قام بسحبها من حسابه وتسهيل تحويلها للشركة الوهمية، ولم ينفع حينئذ ما لدى الطبيب من عقد عمل ولا اتفاق مع هذه الشركة بعد أن ثبت لجهات التحقيق أن الأمر برمته نصب واحتيال من قبل هذه الشركة إذ خدعت الطبيب بأنه أحد فريقها واحتالت على حسابات العملاء وحولت المبالغ لحساب الطبيب.
وجد الطبيب المصري نفسه متهماً بالمساعدة في هذه الجريمة، وهو لا حول له ولا قوة، وما عليه إلا أن يسدد هذه المبالغ، فاسترجع أمره لله، و باع الطبيب كل ممتلكاته بمصر بثمن بخس وجمع كل المبالغ التي هو مطالب بردها، ولكن كيف يتم تحويل هذه المبالغ من مصر إلى السعودية بسرعة!! وهنا بدأت المأساة الثانية.
المأساة الثانية:
أثناء محاكمة الطبيب، كان لديه خيارقانوني أن يخرج من السجن بكفالة ليحاكم من خارج محبسه، فاتفق الطبيب مع وكيل شرعي ( قائم بأعمال محامي وفق القانون السعودي آنذاك) على أن يضمن الوكيل الشرعي هذا الطبيب بكفالة ويخرج الطبيب من محبسه مقابل تسديد مبلغ مالي لهذا الوكيل الشرعي عن أتعاب قيامه بالدفاع عنه وأتعاب أخرى مقابل سفر هذا الوكيل الشرعي إلى مصر ليستلم حصيلة مبيع ممتلكات الطبيب المصري، وبالفعل سافر الوكيل الشرعي لمصر واستلم على سبيل الأمانة من أهل الطبيب بمصر مبلغ 84,000 ريال سعودي على أن يقوم الوكيل بدفع هذا المبلغ لأصحاب المطالبات وإنهاء القضايا ضد الطبيب، ثم بدأت المأساة الثالثة إذ قام الوكيل الشرعي باستلام هذه المبالغ نقداً من أهل الطبيب المصري في مصر، واختلسها لنفسه وترك الطبيب في غياهب الظلم والحزن والحسرة وبدأت المأساة الثالثة.
المأساة الثالثة:
الآن؛ وقد أصبح الطبيب محاطاً بطلبات مالية وأوامر القبض والحبس والمنع من السفر، وليس لديه أي شيء يدفع به الديون التي لحقته دون حق، فقد تخوف الطبيب المصري من الظهور وتسليم نفسه للشرطة واختفى في شقة سكنية بمدينة الدمام لمدة سبع سنوات بحث خلالها عن من يستمع إليه ويقتنع بقضيته ويدفع عنه هذا المبلغ ، ولكن باءت محاولاته بالفشل!!! وخلال هذه السنوات بدأت مأساة جديدة للطبيب المصري وهي إنتهاء صلاحية أوراقه الثبوتية واصابته بالسمنة المفرطة وما صاحبها من أمراض إذ بلغ وزن الطبيب 270 مائتين وسبعون كيلوا جراماً وأصبحت حياته على مهب الريح.
بداية الانفراجة:
في عام 2019 وبعد سبع سنوات من المعاناة، قاتل الطبيب خلال هذه السنوات وأرسل الاستغاثات والرسائل الإليكترونية والهاتفية لإثبات براءاته، ولكن لم تنجح أياً من محاولاته، فالاتهام مؤيد بأوراق، والوكيل الشرعي هارب بالأموال، وقصة الطبيب أصبحت لمن يسمعها للوهلة الأولى كفيلم رعب مثير ملئ بالاستفاهامات ولم يصدقه أحد ، إلى أن ظهر أمام هذا الطبيب إعلان لصفحة إسمها " تفريج كرب المصريين بالخارج" أرسل خلالها الطبيب نداء استغاثة لهذه الصفحة التي ما لبثت أن وصلت هذه الاستغاثة لمؤسس هذه الصفحة وهو الأستاذ مهني يوسف المحامي والمستشار القانوني بالمملكة العربية السعودية.
بدأ الأستاذ مهني يوسف المحامي في الاستماع للطبيب المصري، واطلع على الأوراق وعقد العمل مع الشركة الوهمية، وعلى قضايا المطالبات التي ضد الطبيب، واقتنع الأستاذ مهني المحامي ببراءة هذا الطبيب وتطوع للدفاع عنه،
وكانت التوصية الأولى من المحامي للطبيب أن يسلم نفسه للسلطات، والتي ستبدأ بعلاجه، وستقتنع ببراءته، وتعهد الأستاذ مهني يوسف بإيجاد كفيل غارم آخر ليضمن الطبيب هشام، وهنا كان الرفض من الطبيب باستحالة تنفيذ ذلك، فأوراقه الثبوتية منتهية ووزنه يزيد عن 270 كيلو جراماً ولا يستطيع الطبيب مغادرة شقة التي لا يعلم موقعها أحد إلا الله.
انتقل خبر قضية الطبيب، للاعلام من خلال الإعلامي البارز الأستاذ طارق علام، الذي أوصل صوت الطبيب للعالم، فتحركت السفارة المصرية مكثفة جهودها، وتحركت هيئة حقوق الإنسان السعودية، وعالجت الطبيب على نفقة الدولة السعودية الشقيقة، وبدأت محاكمة الطبيب المصري لينال حكم البراءة بعد عشر سنوات من الحبس والخوف من الظهور للعلن، وكان لجهود هيئة حقوق الإنسان في معالجة الطبيب وفي التواصل مع وزارة الداخلية ووزارة العدل لتسريع إجراءات الترحيل معنىً عظيماً وإثبات أن المملكة العربية السعودية هي بحق مملكة الإنسانية، كما أن الدور الأكبر لجهود السفارة المصرية التي ما إن وصلتها حقيقة القضية حتى شملت الطبيب المصري وكفلت له الحياة الكريمة إلى أن انتهت قضيته واطمأنت عليه حتى وصوله لأرض الوطن.
وعاد الطبيب المصري بفضل الله، إلى أرض مصر يوم الجمعة 2 فبراير 2024، في قصة جمعت الظلم والعدل والمعاناة ويكون لطف الله وقدره في إنقاذ هذا الطبيب من غياهب السجن ومن آلام المرض والظلم والقهر، ولتصبح هذه القضية رسالة لكل صاحب مظلمة بأن يثق في عدالة الله فلا يضيع حق ورائه ومطالب.