كلنا مدمنون ولا استثني أحدًا
القهوة المضبوطة، هي مقداران متساويان من البن والسكر، يمثلان امتزاج بين زوجين؛ يكمل أحدهما الآخر- البن المر والسكر الحلو- وينتج عن تلك العلاقة؛ جنين ينمو خلال دقائق داخل رحم ركوة معدنية على نار هادئة؛ حتى يولد فنجان اللذة.
كانت تلك الأفكار آخر ما جال بخاطري قبل أن أوسد في السرير دفينًا لساعات، جسدًا بلا روح.
كنت أبث صورة للاوعي لدي؛ عساني أُجبر روحي أن تَرى حلمًا، وانا أسبح في أنهار من الكافيين هل أنا متيم ومجنون بحب القهوة؟
"صح ومش هنكر" بصوت نجاح الموجي.
استسلمت للنوم
فانسلت روحي كعادتها ليلًا، تخلت من ثقل البدن، تحررت من قيود الواقع وقوانين المكان والزمان.
بُعثت من جديد، بحثت عن شيء من المتعة أبدأ به يومي، قبل أن تغتال سعادتي رتابة الحياة فضلًا عن كدرها.
كالعادة ماكان من شيء يحقق لي ذلك الحلم غير إعداد فنجان القهوة.
كان عقلي يعي موعده معها، كان يعطي إشارة الترقب لباقي خلايا جسدي، فيحفز غددي الصماء؛ حتى يطلق هرمون السعادة “الدوبامين”.
لم أكن اتوقع البتة، أن علاقتي بهما- البن والسكر- محل نقاش، حتى التقيت بصديق لي جلسنا على المقهى.
طلبت كالعادة -القهوة المضبوط- وطلب صديقي قهوة سادة.
أخرج صديقي سيجارة، كانت المرة الأولى التي أراه يفعل، سألته: "منذ متى تحرق صدرك بهذا التبغ؟"
أخبرني بعد أن أشعلها وملأ بسمومها صدره:" منذ أكثر من عشرين عامًا"
سألته: أما تعلم انها تسبب.....
قبل أن أكمل سألني لما هذا التحامل على هذه المسكينة ألا يكفي أنها تحترق من أجلي؟
لم ترق لي دعابته، وابتسمت وأنا أقول له ساخرًا : بل هي التي تحرقك.
تماديت قائلًا: كيف تستسلم وتخضع لهذه العادة اللعينة؟
أجاب في ثقة: بالعكس أنا لا أستسلم لها بل أقاوم فأنا أعرف ضَررها ونيتها الخبيثة في اغتيالي، سأظل أقاوم، ويومًا ما سأنتصر.
أجهزت عليه قائلًا: لكنها قد تعاجلك وتكون لها كلمة النهاية.
اجاب والإبتسامة الأولى ماتزال متشبثة بشفتيه، لا تخف النصر في النهاية لي؛ فالمعركة مع عدوك الظاهر أيسر من عدوك الذي يلبس وجه الصديق.
سألته: "ماذا تقصد؟"
قال لي: "إياك أقصد، فأنت تدخن السكر -السم الأبيض- قد يبدو السكر أقل ضررًا من التدخين لكن خطره الأكبر أنك لاتعده عدوا، وتحسبه يحترق في جسدك ليمنحك السعادة، وهو في الحقيقة يسبب عشرات الأمراض منها السمنة والسكري وأمراض القلب، بل إنه أحد المتهمين بتكوين الخلايا السرطانية وغيرها.
لذا انت تدخن مثلي".
لم يمهلني للرد، وقال: "سوف أقلع عن التدخين يوما ما لأني أعرف أنه عدو، فهل تستطيع أن تتوقف عن سيجارة السكر؟
ثم هل تستطيع ان تتخلي عن شبكات التواصل؛ لتعيش الواقع؟
هل يمكنك أن تعيش بغير تلفاز يسرق وقتك ويشكل تصورك ووعيك؟
عزيزي كلنا ندخن لكن خيرا لي أن أدخن سيجارة ألعنها وهي تحترق في يدي من أن أدخن سيجارة تحرق كل ما أملك وأنا ابتسم لها".
انتهي اللقاء، شعرت أن كياني بركة ماء ألقي فيها صخرة وليس حجر.
مرت ثلاثة أشهر على هذا اللقاء، تسعون يوماً،
من شرب البن بلا ذرة سكر.
في البداية كان المذاق مرًا، كما لو كانت تعاقبني بإعلان الحداد في حلقي على فقدها رفيقها الحلو، لكنها مع ذلك كانت لا تبخل علي في منحي ذات الشعور القديم بالسعادة.
أدركت عندئذ أن السكر كان يزاحم البن ويدعي لنفسه حصة من سعادتي زورًا.
نجحت أخيرًا في الإقلاع عن تدخين السكر، وأدركت أن تعلقي به كان محض وهم.
ياله من شعور يغمرني ببهجة إذ انتصرت في ذاك التحدي، لكن الأعظم من ذلك أني انتصرت على نفسي، تحررت من أسر الخضوع لشهوة، فككت قيد سجن استذلني طوال عمري، وسوف أكمل معارك الاستنزاف ضد كل إدمان.
سأصنع من ذاتي مركزًا لعلاج إدمان شره الطعام، و تناول جرعات زائدة من النوم أو الكسل.
سأجبر نفسي على تناول علاجًا مرًا، أتخلص به من تعاطي سم التسويف.
سوف أطرد من رأسي هلاوس أحلام اليقظة، وأبقى متيقظًا أواجه نفسي قبل عقبات الحياة.
ربما تكون معركتي القادمة مع القهوة ذاتها، حتى أحصل على حريتي من كل صور الإدمان، وسوف أُقلع عن كل أنواع التدخين، لتتحقق لي سعادة الروح والجسد.