لافارج تمول الإرهاب.. محكمة أمريكية تكشف علاقة عملاق الأسمنت الفرنسية مع داعش في سوريا.. والتحقيقات: سجلات مزورة تخفي أرباحًا كبيرة
مع انزلاق سوريا إلى الحرب الأهلية، كانت شركة الأسمنت الفرنسية العملاقة لافارج من بين الشركات متعددة الجنسيات التي لا تزال تعمل هناك، لكن العاملين في مصنع الأسمنت التابع لها جنوب الحدود التركية تعرضوا لهجمات من الفصائل الإرهابية التي انتزعت السلطة في المنطقة.
وبحسب تفاصيل نشرها الموقع الإلكتروني لصحيفة نيويورك تايمز، فإنه خلال شهور خريف عام 2012، عقد مسؤول تنفيذي في لافارج لقاءات مع ممثلي الميليشيات الإرهابية المسيطرة على مناطق شمال سوريا بهدف التوصل لاتفاق معهم لتسيير أعمال الشركة، وكانت هذه اللقاءات على وجه التحديد في مدينة غازي عنتاب الواقعة جنوب تركيا.
بعد لقاءات غازي عنتاب، وافق مسؤولين في لافارج على حماية أعمالهم مقابل دفع مبالغ شهرية للجماعات الإرهابية بما في ذلك تنظيم داعش، وبناءًا على ذلك أصدرت التنظيمات الإرهابية تصاريح مرور لسائقي الشركة تضمن لهم المرور الآمن لهم، بل تطور الأمر إلى عرض تلك التنظيمات على الشركة الفرنسية إفراغ السوق من المنافسين لمنتجاتها.
استمرت هذه الترتيبات لمدة عامٍ كاملٍ، وخلال هذا العام كان هناك حالة من تقاسم الإيرادات بين الشركة والتنظيمات الإرهابية حتى مع اقتراب أعمال القتال والقصف من مصنع الشركة، وقد كانت هذه التفاصيل كلها ضمن تحقيق أعلنت تفاصيله وزارة العدل الأمريكية، أول أمس الثلاثاء.
وأمام المحكمة الاتحادية في مدينة بروكلين الأمريكية مثلت شركة لافارج التابعة لمجموعة هولسيم ومقرها سويسرا ولها أعمال متشعبة في الولايات المتحدة، بتهمة التآمر لتقديم دعم مادي لمنظمة إرهابية أجنبية.
وتواجه الشركة أيضًا تهمًا جنائية في فرنسا، حيث تعد أول شركة تتهم بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية.
وقد وجهت السلطات الفرنسية في عام 2018 لوائح اتهام إلى 8 مديرين تنفيذيين سابقين بالشركة، من بينهم 2 من الرؤساء التنفيذيين السابقين، بتهم تمويل الإرهاب وتعريض حياة موظفي الشركة في سوريا للخطر.
جلسة يوم الثلاثاء
خلال جلسة أول أمس الثلاثاء، ذكرت السلطات الأمريكية بالتفصيل السلوكيات غير العادية التي قام بها مسؤولي الشركة لكي يظل مصنع لافارج في سوريا بالعمل.
وخلال مؤتمرٍ صحفيٍ، قالت ليزا موناكو، نائبة المدعي العام، إن المتهمون في القضية دخلوا في شراكة مع تنظيم داعش، واصفةً التنظيم بإحدى أكثر المنظمات الإرهابية وحشية التي عرفها العالم على الإطلاق، وذلك لتعزيز الأرباح وزيادة حصتها في السوق، وقد حدث كل ذلك في ظل قيام داعش بعمليات قتل وتدمير لم يشهد العالم مثلها.
وبناءًا على تصريحات نائبة المدعي العام، فإن الأدلة أظهرت أن لافارج لديها تعاملات مكثفة مع الجماعات المسؤولة عن مقتل آلاف الأشخاص، وخلال الفترة الممتدة ما بين أغسطس 2013 - أكتوبر 2014، دفعت لافارج وفرعها السوري لتنظيم داعش وجبهة النصرة، أحد فروع تنظيم القاعدة، نحو 5.92 مليون دولار، تتكون من مدفوعات شهرية (تبرعات) ورسوم للموردين، كما دفعت لافارج أيضًا نحو 1.1 مليون دولار للوسطاء من أطراف ثالثة.
سجلات مزورة وعقود بأثر رجعي لإخفاء الترتيبات
بحسب ممثلي الادعاء، فإن شركة لافارج أخفت مدفوعاتها في سجلات مالية مالية وعقود بأثر رجعي، وذلك بهدف عدم الإفصاح عن ترتيباتها مع الجماعات الإرهابية.
وقد مثل الرئيس التنفيذي لشركة لافارج، ماجالي أندرسون، أمام المحكمة الاتحادية الامريكية، لتقديم التماس نيابةً عن الشركة. وتجدر الإشارة إلى أن الشركة خلال الفترة التي نظمت فيها الترتيبات السابق ذكرها مع التنظيمات الإرهابية، قامت بتوظيف 63 ألف موظف وعامل في حوال 60 دولة من خلال شركاتها التابعة وبطريقة مباشرة وغير مباشرة.
وقالت الشركة في التماسها إن تلك الترتيبات التي تحاكم الشركة بسببها قد انتهت، حيث استحوذت شركة هولسيم على لافارج في عام 2015.
كما قالت لافارج في بيانٍ منفصل، أول أمس الثلاثاء أيضًا، أنّ الصفقات مع التنظميات الإرهابية لم تتضمن أية عمليات أو شارك فيها موظفين على أرض الولايات المتحدة، معترفةً بأن سلوك مديريها التنفيذيين خلال تلك الصفقات انتهكت سلوك القواعد الخاص بالشركة بشكلٍ صارخٍ.
رسائل بريد إلكتروني وتقارير أمنية
بدأت الحرب الأهلية في سوريا منذ 11 عامًا ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وفي السنوات التي تلت ذلك، تسببت الحرب في نزوح ملايين اللاجئين وخلفت آلاف القتلى، كما أصبحت سوريا المنكوبة ساحة معارك وحروب بالوكالة تشمل إيران وإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وتركيا وتنظيم داعش الإرهابي.
وسط هذه الفوضى، عمل المسؤولون التنفيذيون في لافارج وفرعها السوري مع وسطاء لدفع مرتبات للعديد من الفصائل الإرهابية، بما فيها داعش وجبهة النصرة - كما سبق الذكر - حيث سيطرت هذه التنظيمات على المنطقة المحيطة بمصنع الأسمنت المملوك لها.
شملت هذه الرواتب، مدفوعات أمنية، وأموال أخرى مقابل شراء المواد الخام من موردين يمارسون أنشطتهم تحت سلطة تنظيم داعش.
وبحسب المعلومات المتوفرة عن هذا الموضوع، حتى بعد دفع الشركة الفرنسية لهم، استمرت الجماعات الإرهابية في محاصرة مصنعها الذي يبعد نحو ساعتين عن مدينة الرقة معقل تنظيم داعش، وتهديد العاملين فيه، وقد دفع ذلك بإدارة الشركة إلى دفع رسوم مرور آمن عبر نقاط التفتيش والتي تضمنت رسمًا ثابتًا قدره 150 دولارًا لكل شاحنة إسمنت.
وقد وجدت رسالة بريد إلكتروني كتبها مسؤول تنفيذي بالشركة في شهر أغسطس 2013 ذكر فيها أن مصنع لشركة يواجه مشكلة مع تنظيمات داعش والنصرة. وفي الشهر التالي، أفادت لجنة امنية في شركة لافارج أن العمل سيكون صعبًا بشكلٍ متزايدٍ دون التعامل مع التنظيمات المصنفة على أنها جماعات إرهابية.
بعد ذلك، ظل مصنع لافارج مفتوحًا حتى بعد استدعاء مسؤول تنفيذي في الشركة وبعض الموظفين إلى محكمة شرعية في الرقة تابعة لتنظيم داعش للرد على اتهامات بالتعاون مع الحكومة السورية.
ولعدة شهور تالية تلقى المسؤولون التنفيذيون بالشركة تحديثات منتظمة من وسطاء وموظفين سوريين حول الأوضاع على الأرض، بما في ذلك اجتماعات مع مسؤولين في داعش، وإلى جانب تطور التهديدات والتحديات الأمنية فيما يتعلق بشراء المواد الخام.
عقب هذه الشهور دخلت الشركة في ما كان فعليًا يعد اتفاقية لتقاسم الإيرادات مع داعش، حيث نظمت دفعات مالية للتنظيم الإرهابي على أساس مبيعات الأسمنت بدلًا من الرسوم الثابتة للشاحنات.
ومع تعزيز تنظيم داعش لسلطته على المنطقة في عام 2014، عرض على شركة لافارج فتح الأسواق لها لتعزيز أرباحها عن طريق وقف مرور شحنات الأسمنت الأرخص ثمنًا من تركيا عبر الحدود.