الإساءة باسم الحب
تعرف الإساءة على أنها استخدام أو معاملة غير سليمة بحق أطراف أخري؛ لكن هذا التعريف متشعب وغامض لأنه مصطلح شامل لأنواع مختلفة كل منها أكثر صعوبة من الأخر؛ فمثلاً تعاطي المخدرات يعتبر إستخدام مفرط أو غير سليم للعقاقير؛ أيضاً الإساءة إلى الحيوانات وهي تعني إلحاق المعاناة أو الأذى بالحيوان؛ كذلك إساءة معاملة المسنين أو الأطفال أو الاعتداء الجنسي والقائمة تطول؛ أحد هذه الإساءات التي أتحدث بشكل مباشر عنها اليوم والتي غالبًا ما تمر دون أن يلاحظها أحد هي الإساءة العاطفية بأسم الحب؛ إنه أمر يحدث من خلال أفعال غير واضحة ولكن يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على مدى فترة طويلة من الزمن
الإساءة العاطفية هي عملية مستمرة يقوم فيها فرد ما بشكل منهجي بتقليل الذات الداخلية للآخر وتدميرها؛ وهي تعتبر شكل من أشكال السيطرة مشابه للإيذاء الجسدي لكن بدون إعتداء أو عنف أو أي أفعال جسدية أخرى مهينة؛ الإساءة العاطفية يمكن أن تحدث في الصداقات والعلاقات وحتي مكان العمل؛ وهناك العديد من الدلائل على ذلك كالرفض المستمر لأفكار الفرد مما يقلل من إحترامه لذاته من خلال التلاعب بالحقيقة لجعله يشك في نفسه؛ ويخلق بداخله شعور مستمر من الخوف بسبب الرفض يتحول فيما بعد لعزله في علاقاته مع أصدقائه وعائلته
من الصعب التمييز بين هذا النوع من السلوك خاصة في الحب.. من المفهوم ما إذا كان زوجك قد قضى يومًا طويلًا في العمل فقرر نقل إحباطه إليكِ؛ ولكن؛ هل سيظل معذورًا طوال الوقت إذا إستمر الصراخ والشتائم لأسابيع أو حتي شهور؟ العامل الرئيس في هذا هو التكرار؛ فتحديد إستمرار هذا السلوك من بدايته هو الخطوة الأولى لحل المشكلة والسيطرة عليها؛ أن يعيش المرء في قمع مستمر وشك في النية وراء كل عمل على المدى الطويل قد يضر أكثر مما ينفع
لأنه سيترتب عليه قتل للمشاعر والحب وصدمة نفسية تشمل الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب المزمن والقلق واضطراب ما بعد الصدمة؛ في الحب قد تبدو هذه الأمور غير مرئية أو عادية يمكن أن تمر بسبب حبنا للطرف الآخر وغلق أعيننا عن حقيقة ممارساته تجاهنا؛ ولكنها علي المدي الطويل وإستمرارية تلك الممارسات ستؤثر بشكل خطير على الحياة الشخصية والمهنية وهنا سنصبح أمام علاقة مؤذية سامة يجب التخلص منها فوراً
قد تكون الإساءة العاطفية مصحوبة بإيذاء جسدي ففي بعض الأحيان يمكن أن يكون العدوان النفسي نذير لها؛ ومع ذلك يستمر الطرف الآخر آملاً في التغير لكن يزداد الأمر سوء يوماً تلو الآخر؛ فجعل العلاقة أكثر سوءاً ليس مقتصراً علي الإيذاء الجسدي فقط بل النفسي أيضًا فهما عاملان مشتركان في إنجاح العلاقة والتواصل؛ خاصة النفسي لما له من تأثير أعمق عن الإساءة الجسدية؛ على عكس الجرح الجسدي الذي يتم معالجته على الفور فإن الصدمة العقلية غالبًا ما تمر دون علاج وهو أمر كارثي يخلق مخاطر عالية للاضطرابات العقلية وتعاطي المخدرات ومحاولات الانتحار علي الطرفين وليس النساء فحسب
الشخص المسيئ نادرًا ما يعرف نفسه أو يعترف بتأثير فعله علي الطرف الأخر؛. وتاريخ ممارسة الإساءة لديه طويل ويمكن أن يرتبط سببه بإنعدام الأمن لديه أو الحاجة إلى السيطرة التي تسببها حادث ما في السابق له؛ ومع ذلك فإن المسيئين العاطفيين على المدى الطويل لديهم سمات شخصية مشتركة كالعدوان والسلوك المعادي للمجتمع وكذلك الشخصية النرجسية واضطرابات الشخصية المتعددة؛ ومن ثم فإن التقلبات المزاجية أو العواطف المتزايدة يمكن أن تثير الاعتداءات الدقيقة وهنا يجب التركيز جيداً مع الشريك أو الشريكة حال ملاحظة أي علامة منهم
توجد طرق مختلفة للتعامل مع الإساءة العاطفية أهمها هو التخلص من تلك العلاقة السامة؛ ففي معظم العلاقات من المفيد وضع حدود مع الشخص المؤذي والإبتعاد عنه لتجنب قدرته على التحكم بنا؛ قد نواجه صعوبة في إتخاذ قرار الإبتعاد قليلاً لكن حقيقة لا مفر منها بأن ذلك سيكون مفيدًا علي المدي البعيد؛ فقد نحتاج إلى قطع العلاقات للحفاظ على المسافة الآمنة والصحية التي لا تعطي للطرف المعتدي السيطرة الكاملة؛ فالإساءة العاطفية لها تأثير دائم على الصحة العقلية للفرد ومن الضروري الحصول على مساعدة لدعم تعافي المرء حال قرر الإبتعاد.